الوقت- ينظر العالم بترقُّبٍ، لما اتفقت عليه موسكو و واشنطن، من خططٍ لوقف إطلاق النار في سوريا. في حين يسود الإتفاق، كثيرٌ من المخاوف، لجهةٍ سريانه. كما أنه وفي حال تطبيقه، يقع تحت عددٍ كبيرٍ من المخاطر. فيما يمكن تأكيد ما تمَّ ذكره، من خلال الموقف الروسي الذي صدر بالأمس، على لسان وزير خارجية موسكو، والذي تضمَّن عدداً كبيراً من التحذيرات، بالإضافة الى معلوماتٍ عن وجود أطراف تسعى لعرقلة الهدنة. فما هو الإتفاق وأهم ما جاء فيه؟ وما هي المخاطر التي تشوبه؟
الإتفاق وأهم ما جاء فيه:
أعلنت موسكو وواشنطن عن خطط لوقف إطلاق النار في سوريا، والتي لا تشمل تنظيمي داعش والنصرة وغيرها من المجموعات الإرهابية. فيما ستصبح هذه الخطط نافذة المفعول اعتباراً من يوم السبت القادم.
وجاء في بيان مشترك لواشنطن وموسكو صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية يوم الإثنين 22 شباط، بأن أطراف النزاع ستعلن ما إذا كانت ستوافق على وقف الإقتتال في موعد أقصاه منتصف نهار الجمعة أي الساعة 12:00، حسب التوقيت المحلي لدمشق. كما أن وقف القتال سيدخل حيز التنفيذ عند منتصف ليلة الجمعة/السبت 27 شباط. ويطلب الإتفاق (بحسب نصه حرفياً) من قوات المعارضة وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ، ومدافع الهاون، والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، ضد القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، وأي قوات مرتبطة بها.
وأكد البيان المشترك على أن "الأعمال العسكرية التي تشمل غارات القوات المسلحة للجمهورية العربية السورية والقوات المسلحة الروسية والتحالف ضد تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة ستستمر على التنظيم(داعش) وجبهة النصرة وغيرهما من المجموعات التي يصنفها مجلس الأمن الدولي بأنها إرهابية". وتابع البيان أن روسيا وأمريكا وغيرها ستعمل معاً، على ترسيم حدود المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها من المجموعات التي يعتبرها مجلس الأمن الدولي إرهابية والتي ستعتبر مستبعدة من الهدنة.
المخاطر التي تشوب الإتفاق:
على الرغم من أن عدداً من الأطراف الدولية رحَّبت بالهدنة، الى أن عدداً من المؤشرات، تدل على أن لهذه الهدنة مخاطر يجب الإلتفات اليها. وهنا نُشير للتالي:
- على الرغم من سعي الطرف الروسي للإتفاق، الى أنه ما يزال مُشككاً في نجاح ذلك. فقد أعلن وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف"، أمس، أن الهدنة في سوريا ما زالت هشة، محذراً من تدخل أطراف ثالثة في الأزمة السورية. ونقلت وسائل إعلام روسية عن "لافروف"، قوله، في مؤتمر صحافي عقده في موسكو بأن الهدنة ما زالت هشة جداً، وهناك من يتمنى فشل خطة أنان، وقد أعلنوا ذلك حتى قبل الإعلان عن الخطة. في حين لفت "لافروف" الى أن روسيا تمتلك معلومات تفيد بأن الذين لهم هذا الموقف، والذين تنبأوا بفشل خطة أنان، يعملون ما بوسعهم من أجل تحقيق هذا التنبؤ. وأضاف "لافروف"، بأنهم يعملون على ذلك من خلال توريد أسلحة إلى الجماعات الإرهابية، والقيام بتحفيز العمليات التي تنفذ يومياً هجمات على المواقع الحكومية والشرطة، وعلى مواقع مدنية، وهذا ما لا يساعد على ضمان المصالحة والإتفاق.
- لذلك فإن وجود أطراف لا ترغب في وقف إطلاق النار، هو من الأمور التي قد تعرقل الإتفاق. خصوصاً أن توجهات البعض، ليست خفية، الأمر الذي يدعم المخاوف الروسية. ولتأكيد ذلك، يمكن الرجوع الى الصحف القطرية والتي استبقت ما يُعرف بالإجتماع الوزاري العربي المخصص للأزمة السورية، بالدعوة الى تدخل عربي عسكري في سوريا. في حين دعت صحيفة "الشرق" إلى موقف دولي لدعم الشعب السوري بالسلاح لكي ينتصر على جلاده بحسب تعبيرها، وليس فقط عبر إرسال المساعدات الإنسانية، لافتةً في افتتاحيتها إلى أنه بدون التدخل العسكري العربي ستبقى دوامة العنف مستمرة في سوريا، رافضةً موقف روسيا المتصلب. وهو ما يُعبِّر عن وجود نوايا لبعض الأطراف، وبالتالي يجب الحذر منها.
لذلك فإن مسألة ضمان الإتفاق، ليست سهلة. فيما لم يأت التحذير والتشكيك الروسي عن عبث. وهو ما يجب مجابهته بالتالي:
- يجب أن يُعتبر وقف أطلاق النار، نتيجة لنجاح المقاومة والجيش والشعب في سوريا، وفشل المشاريع المتعلقة بالإرهاب. فالسبب الحقيقي خلف التوصل لهذا الإتفاق، أوراق الميدان التي جعلت الطرف الإرهابي فاقداً لإمكانية الرهان عليه. مما أجبر واشنطن على الخضوع منعاً لدخول أدواتها الإرهابية في معركة استنزاف.
- وهنا نقول أنه وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار جاء لأسباب إنسانية، تتعلَّق بإخلاء الجرحى وتقديم الإغاثة للشعب السوري تحت الحصار، لكن يجب أن يجري تطبيق الإتفاق، دون جعله هدنة استراحةٍ للجماعات الإرهابية. خصوصاً أن المُبررات الإنسانية لم تعد تنطلي على أحد، في ظل وجود أطرافٍ إقليمية تُبحر في القارب الأمريكي، وتدعو لتقديم السلاح وليس فقط المساعدات.
- من جهةٍ أخرى، لا بد من أن يؤدي وقف إطلاق النار، الى تعزيز سلطة الدولة، واستلام النظام الشرعي في سوريا، مسؤولية الأماكن التي يسيطر عليها الإرهابيون، لتوفير الإغاثة. في حين يحتاج ذلك لخطةٍ مدروسة، الأمر الذي يبدو مُعقداً، في ظل وجود خطابٍ ما يزال يهاجم النظام السوري، الى جانب عدم وجود آليةٍ عمليةٍ لذلك.
إذن، يفتقد الإتفاق الى أهم العوامل التي يحتاجها أيُّ توافقٍ، وهو عامل الضمانة أو الثقة. فواشنطن ليست طرفاً يلتزم بتعهداته. في حين أن أدواتها الإقليمية، لم تتفق على رؤيةٍ واحدة للملف السوري بعد. في ظل وجود من يستخدمون المبررات الإنسانية لتمرير أي مُخططٍ قد يضرب الإنجازات التي حققها أبناء الشعب السوري حتى الآن. لنقول بأن الهدنة المرتقبة في سوريا، عبارةٌ عن إتفاق فاقد للضمانات، بين متقاتلين!