الوقت - على الرغم من سعيها للتميز، يبدو أن تركيا اليوم باتت أكثر قناعةً بأهمية الدور الإيراني في المنطقة. فطهران التي أضحت مقصد الدول كافة لا سيما الغربية، لم يعد بالإمكان تخطي دورها. وبالتالي، فإن الفتور الذي مرَّت به العلاقة التركية الإيرانية، جعل أنقرة تُعيد حساباتها. فهي لم تربح من هذا الفتور بل خسرت، وبالتالي لا بد من التحول والعودة الى مربع العلاقات القوية مع طهران. فماذا في إعلان تركيا حاجتها للتلاقي السياسي مع إيران؟ وما هي دلالات ذلك؟
إعلان تركيا حاجتها للتلاقي مع إيران:
قال وكيل وزير الخارجية التركي سينرلي اوغلو ان رئيس وزراء بلاده داود اوغلو سيزور طهران قريباً مؤكداً على ضرورة التواصل بين ايران وتركيا وصولاً الى اقرار السلام والإستقرار في سوريا. جاء ذلك خلال لقائه مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون آسيا والمحيط الهادئ إبراهيم رحيم بور يوم الثلاثاء المنصرم في انقرة. واعرب سينرلي عن ارتياحه للمباحثات بين مسؤولي البلدين وقال إن ايران تُعد من أهم جيران تركيا، وإن بلاده تولي دوماً اهتمامها باللقاءات والمباحثات مع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية. وأشار الى أهمية الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 مؤكداً بأن تركيا مسرورة من النجاحات الإيرانية الأخيرة في المفاوضات النووية. ولفت الى الإتصالات المنتظمة بين كبار المسؤولين في البلدين وقال إنه الى جانب البرنامج المنظم للقاءات وزيارات وزراء خارجية البلدين، سيقوم رئيس الوزراء التركي داود أوغلو بزيارة لإيران وسيتم عقد الإجتماع الثالث للمجلس الأعلى للعلاقات بين البلدين بحضور الرئيس الإيراني حسن روحاني في تركيا خلال العام الجاري وصولاً الى تطوير التعاون الثنائي في المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية ذات الإهتمام المشترك .وأكد أنه نظراً للمكانة المهمة لإيران وتركيا ينبغي أن يتعاطى البلدان مع بعضهما البعض وأن يتعاونا على صعيد تسريع عملية إقرار السلام والأمن والإستقرار في سوريا.
بدوره اشار مساعد وزير الخارجية الإيراني رحيم بور، الى مكانة وأهمية العلاقات بين ايران وتركيا وضرورة تعزيز المشاورات الثنائية حول تطورات المنطقة والحقل الدولي. وأكد رحيم بور أن مرحلة جديدة قد بدأت الآن مع تنفيذ الإتفاق النووي وإلغاء الحظر وعلينا أن نبذل الجهود لتطوير العلاقات الشاملة بين البلدين في كافة المجالات.
دلالاتٌ وتحليل:
يبدو واضحاً تغير التوجه التركي نحو طهران. وهنا لا بد من الإشارة الى الأسباب التالية والتي يمكن اعتبارها دلالاتٍ أيضاً:
- راهنت تركيا على السياسة الأمريكية بل بقيت تتعاطى مع الأزمة السورية كساحةٍ تخوض فيها معركتها. لكن التغيرات الميدانية في سوريا والتي قلبت موازين القوى لا سيما في الأيام الماضية، أعادت التفكير في أن اللاعبين الإقليميين والدوليين في الأزمة السورية، يعتبرون بأن الميدان هو الحكم. وبالتالي فإن التطورات والتي أصبحت لصالح الحلف الروسي الإيراني تحديداً، جعلت تركيا تُعيد النظر في حساباتها.
- وهنا فإن تعارض المصالح الأمريكية التركية، وضبابية التحالف السعودي التركي والذي لم يُؤتِ أي ثمارٍ على الصعيد الميداني، جعل تركيا تجد في طهران بوابة العبور نحو دورٍ ما. خصوصاً بسبب أزمتها المتصاعدة مع الطرف الروسي وصعوبة فتح قنواتٍ معه. لذلك فقد وجدت تركيا نفسها، حليفاً غيرَ مُعتبرٍ لدى واشنطن. وهو ما أظهرته المصلحة الأمريكية في التقرب من الأكراد. الأمر الذي دفع الرئيس التركي أردوغان يدعو نظيره الأمريكي للإختيار بين تركيا أو الإرهاب (بحسب تعبير أردوغان).
- كما أن تراجع الدور السعودي، وهشاشة سمعتها، وضعفها الإقتصادي، جعلت منها حليفاً لا يمكن الإعتماد عليه. وبالتالي فقد شعرت تركيا بالعزلة الدولية مرةً أخرى. ناهيك عن مشكلاتها مع الإتحاد الأوروبي الذي يحاول إستغلالها في أزمة اللاجئين.
- ولأن تركيا تعرف جيداً بأن الطرف الإيراني، وعلى الرغم من سعيه الدائم لمد قنوات الحوار لا سيما مع الأطراف الإقليمية، فإنها تُدرك أيضاً بأنها أخطأت حين اتخذت موقفاً مناصراً للرياض بعد إعدامها الشيخ النمر، وقامت بمهاجمة طهران بعد أحداث السفارة السعودية. وهو ما جعل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، يُلغي زيارته لأنقرة.
إذن أسبابٌ عديدة جعلت تركيا تُعيد النظر في حساباتها الإقليمية والدولية. فلم تجد غير الطرف الإيراني، جهةً يمكن التعاون معها. وبالتالي فإن تركيا عادت كما الغرب الى أحضان طهران. في وقتٍ لا يمكن فيها إلا انتظار الأيام المقبلة، لنرى جدية النوايا التركية. والتي يبدو أنها أقرب ما يكون للتلاقي مع إيران من أي وقتٍ مضى. فهل أصبحت إيران بوصلةً تُغني عن أمريكا؟