الوقت- فيما يعتبر الأمن السياسي والتعاون الإقليمي والدولي الأساس لأي منظومة اقتصادية أو تطور اقتصادي في أي بلد من البلدان تواجه سوريا الانتقالية اليوم حزمة كبيرة من التحديات الأمنية والسياسية التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير في فشل أو نجاح هذا الاقتصاد في تخطي هذه التحديات وتنظوي مسألة الأقليات ضمن الأولويات المهمة لإنجاز هذه المهمة حيث يبدو الواقع السوري مُركباً، بينما الأغلبية الهوياتية للمجتمع السوري هي من تحملت تبعات السنوات الماضية، تخشى جهات كثيرة من تداعيات مخيفة على الأقليات باعتبارهم قوى ضعيفة ضمن ساحة صراع كسر عظم مخيفة.
وينقسم الاقتصاديون والمراقبون بشأن آفاق الاقتصاد السوري، في ظل السيناريوهات المرتبطة بشكل التحول السياسي في البلاد والوضع الراهن الذي تعيشه العديد من المناطق ذات الأقلية الدينية وانعدام الأمن وانتشار القتل والخوف بين أطياف الأقليات الدينية من المستقبل، فيما يتبنى آخرون رؤية متفائلة، بالنظر إلى عدة جوانب إيجابية؛ من بينها: الكوادر البشرية الماهرة وذات الخبرة وخاصة من عمل منهم بالخارج خلال خروجه في سنوات الحرب، إلى جانب تنوع القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها الموارد النفطية التي يرون الحاجة لانتقال إدارتها إلى الحكومة المركزية.
ويبرز التساؤل هنا إن كانت الدولة السورية الجديدة حقاً تريد أن تبذل جهوداً فعلية لبناء الدولة من خلال التركيز على الاستقرار وتمكين الخبرات الوطنية بعيداً عن الأحقاد الدفينة والطائفية المقيتة.
تحديات الاقتصاد السوري
سقوط النظام في سوريا وضع الاقتصاد السوري أمام حزمة كبيرة من التحديات التي يمكن إضافتها إلى التحديات التي تراكمت على مدى سنوات الحرب والدمار الذي لحق بالبنية التحتية والقطاعات الحيوية، من هنا يمكننا تسليط الضوء على أهم هذه التحديات:
إعادة الإعمار وانهيار البنية التحتية
تعرضت البنية التحتية السورية لدمار واسع، حيث دمرت الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس والمنشآت الصناعية، وتقدر تكلفة إعادة الإعمار بين 250 و400 مليار دولار، وهي عملية طويلة الأمد تتطلب دعماً دولياً كبيراً، ومع ذلك، يرى خبراء أن تكلفة الإعمار قد تكون أقل من حجم الخسائر الإجمالية التي تكبدها الاقتصاد.
تدهور القطاعات الاقتصادية الرئيسية
انخفض إنتاج النفط من 400 ألف برميل يومياً عام 2010 إلى حوالي 91 ألف برميل في 2023، ما أثر بشكل كبير على عائدات البلاد من العملات الأجنبية، وحاليًا، يقع القطاع النفطي خارج سيطرة الحكومة الانتقالية، حيث تهيمن عليه قوات قسد وحلفاؤها الأمريكيون، لذا، فإن أي استفادة من هذا القطاع تتطلب تفاهمات سياسية وتسوية مع قسد، إذ إن الخيار العسكري قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية وتعطيل مشاريع تحسين الواقع المعيشي.
في القطاع الزراعي، تسببت الحرب في تدمير الأراضي الزراعية وشبكات الري، ما أدى إلى تراجع الإنتاج المحلي وزيادة الاعتماد على الواردات الغذائية، ما أثر سلبًا على احتياطي العملات الأجنبية ورفع قيمة الدولار أمام الليرة السورية.
أما في القطاع الصناعي، فقد توقف العديد من المصانع عن العمل بسبب نقص المواد الخام، وتدمير المنشآت، وانقطاع الكهرباء، وأدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي وصعوبة منافسة السلع المستوردة، ما تسبب بارتفاع معدلات البطالة.
التضخم وانهيار العملة
شهدت الليرة السورية انهيارًا حادًا، حيث وصل سعر الدولار إلى 30 ألف ليرة قبل سقوط النظام، ثم تحسنت إلى حوالي 15 ألف ليرة بعد الاستقرار الجزئي، ومع ذلك، استمر التضخم في التأثير على القدرة الشرائية للمواطنين، حيث تفاقمت معاناة السوريين في المرحلة الانتقالية بسبب انخفاض قيمة الدولار إلى 7500 ليرة رسميًا، بينما بقيت أسعار السلع مرتفعة وفق سعر الصرف الموازي البالغ 15 ألف ليرة، هذا التفاوت أضعف القوة الشرائية، وخاصة لمن يعتمدون على الحوالات الخارجية.
مشكلة البطالة وهجرة الكفاءات
تجاوزت معدلات البطالة 50% في بعض المناطق، كما هاجر ملايين السوريين، بمن فيهم الكفاءات العلمية والمهنية، ما أثر سلبًا على إمكانيات التعافي الاقتصادي وزاد من عدم الاستقرار الاجتماعي وانتشار الفساد.
العقوبات الدولية وتأثيرها على الاقتصاد
تشكل العقوبات الدولية المفروضة على سوريا عائقًا رئيسيًا أمام التعافي الاقتصادي، حيث تعرقل الاستثمارات الأجنبية وتحد من جهود إعادة الإعمار، رفع هذه العقوبات مرهون بمتطلبات سياسية، مثل تحقيق الاستقرار والحوكمة الشفافة، وتشكيل حكومة تمثل جميع أطياف الشعب، والذهاب نحو انتخابات حرة.
تحرير الاقتصاد والفوضى في الأسواق
مع سقوط النظام، بدأت بعض القيود على التجارة والعملات الأجنبية تُرفع، لكن لا تزال الأسواق تعاني من الفوضى نتيجة غياب التنظيم والقرارات غير المستقرة، مثل قرارات الجمارك والتخبط الاقتصادي.
متطلبات التعافي الاقتصادي
يتطلب التعافي الاقتصادي مساعدات دولية ضخمة لإعادة الإعمار وتحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتعليم، كما أن عودة اللاجئين ترتبط بتوفير بيئة آمنة وفرص عمل، ومن جهة أخرى، فإن استمرار النزاعات الداخلية، سواء بين الفصائل المسلحة أو بين الحكومة الانتقالية وقسد، يُعيق بشكل مباشر إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
الفساد وغياب الشفافية
يعد الفساد أحد التحديات الكبرى التي ورثها النظام الجديد، ويحتاج الاقتصاد إلى إصلاحات مؤسسية لضمان الشفافية وحسن إدارة الموارد، ما يسهم في بناء بيئة استثمارية جاذبة.
الفرص والتحديات المستقبلية
رغم الصعوبات، لا تزال هناك فرص لتحقيق التعافي الاقتصادي عبر جذب الاستثمارات الأجنبية، وإعادة بناء القطاعات الحيوية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، ونجاح هذه الجهود يعتمد على توجهات الإدارة الجديدة، ومدى قدرتها على تبني نهج الدولة العادلة التي تحتضن جميع أطياف الشعب، بعيدًا عن الأيديولوجيات المتشددة، التي قد تزيد من حالة عدم اليقين وتعرقل الانتعاش الاقتصادي.
هل تحتضن الإدارة الجديدة جميع الأطياف في الاقتصاد السوري
فيما تواجه الأقليات في سوريا تحديات كبيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، في ظل تغيرات سياسية وأمنية مفصلية، لاتزال هناك مخاوف من عدم الاستقرار الأمني في بعض المناطق، ما يجعل العودة إلى الحياة الطبيعية صعبة للكثيرين والمشاركة في الحياة الاقتصادية في البلاد شبه مستحيلة للكثير منهم، وتبقى الجهود الدولية مستمرة لتحقيق الاستقرار في سوريا، ولكن الطريق لا يزال طويلاً ومعقداً.
ويعتبر موضوع التمييز الاقتصادي بحق الأقليات من الأمور المتوقعة بشكل كبير على الساحة السورية الجديدة، حيث سيكون استبعاد الأقليات من الفرص الاقتصادية والتنموية سبباً في تفاقم الفقر والبطالة بينهم، ما يزيد من التوترات الاجتماعية والاقتصادية.
ومن الجدير بالذكر أن ضمان تمثيل الأقليات في سوريا ما بعد الأسد مرهون بأن تلتزم الجهات المسيطرة على المشهد السوري بالمواثيق العالمية والدساتير التي تنص على المساواة بين المواطنين وتمتعهم بجميع حقوقهم والتي للأسف حتى هذه اللحظة لم تلتزم بها الإدارة السورية الجديدة والذي بدا واضحاً من التعيينات و القرارات الإدارية التعسفية التي يتم اتخاذها اليوم.
بطبيعة الحال ستكون الأشهر المقبلة كفيلة بإثبات مدى التزام "سلطات الأمر الواقع" بتعهداتها أمام المجتمع الدولي في ظل المخاوف الحالية من إمكانية تكرار الأخطاء التي حصلت في الماضي.