الوقت - في ظل التصعيد السياسي والتكهنات حول مستقبل العلاقات الإسرائيلية-السعودية، جاء البيان السعودي ليؤكد مجددًا أن موقف المملكة من القضية الفلسطينية ثابت وغير قابل للمساومة.
هذا الموقف، الذي شددت عليه وزارة الخارجية السعودية في ردها على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعكس ثوابت السياسة الخارجية السعودية، والتي تربط أي إمكانية لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
حيث أكدت المملكة العربية السعودية، في بيان رسمي لوزارة الخارجية، رفضها لأي علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة، مشددةً على أن هذا الموقف "ليس محل تفاوض أو مزايدات". هذه الرسالة جاءت ردًا مباشرًا على تصريحات ترامب، الذي ادعى أن السعودية لا تشترط قيام دولة فلسطينية مقابل اتفاق سلام مع "إسرائيل"، وكذلك على نتنياهو، الذي أبدى ثقته في أن التطبيع مع المملكة "ليس ممكنًا فقط، بل سيتم تحقيقه".
الرد السعودي لم يكن مجرد نفي أو تصحيح، بل حمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز التراشق الإعلامي، فهو يؤكد أن المملكة ليست طرفًا يمكن الضغط عليه في ملف التطبيع، كما يرسّخ التزامها بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية، حتى في ظل الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتزايدة.
لم يأتِ البيان السعودي منفصلًا عن سياق الموقف الرسمي، فقد ذكّر بموقف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أكد بشكل قاطع، خلال خطابه أمام مجلس الشورى في الـ 18 من سبتمبر 2024، أن المملكة لن تقدم على أي خطوة للتطبيع مع "إسرائيل" دون تحقيق دولة فلسطينية مستقلة، كما أعاد البيان التذكير بالموقف السعودي خلال القمة العربية الإسلامية غير العادية في الرياض، حيث شدد ولي العهد على أن المملكة ستواصل جهودها الحثيثة لإقامة الدولة الفلسطينية.
هذه الإشارات المتكررة ليست مجرد تصريحات دبلوماسية، بل تعكس سياسة واضحة لا تقبل التأويل، ما يشير إلى أن السعودية تسعى لإحباط أي محاولات أمريكية أو إسرائيلية لاستغلال المتغيرات الإقليمية لإجبارها على تغيير موقفها.
مخطط ترامب في غزة: إعادة تدوير لسياسات التهجير القسري
في خطوة أثارت صدمة دولية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال لقائه مع نتنياهو في واشنطن عن خطة أمريكية للسيطرة على قطاع غزة وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، بعد ترحيل سكانه الفلسطينيين إلى دول مجاورة، تصريحات ترامب، التي وصفها محللون بأنها "ضربٌ من الخيال السياسي"، أعادت للأذهان محاولات إسرائيلية قديمة لترحيل الفلسطينيين، لكنها هذه المرة تأتي تحت غطاء أمريكي مباشر.
ترامب قال بوضوح: إن "الولايات المتحدة سوف تتولى السيطرة على قطاع غزة، وسنقوم بعمل هناك أيضاً، سوف نمتلكها"، مضيفًا إن واشنطن ستزيل جميع المتفجرات والأسلحة في القطاع، وستعيد بناءه بما يخلق "آلاف الوظائف".
هذه التصريحات، التي تزامنت مع ادعائه حصوله على موافقة من مصر والأردن لاستقبال الفلسطينيين المرحّلين، أثارت ردود فعل غاضبة، حيث أكد مسؤولون عرب رفضهم القاطع لمثل هذه الخطط.
توقيت الإعلان عن الخطة الأمريكية للسيطرة على غزة، والذي تزامن مع جهود واشنطن لدفع السعودية نحو التطبيع، يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا الطرح مجرد ورقة ضغط على المملكة، فوفقًا لمستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، فإن "على الدول العربية التي ترفض تهجير الفلسطينيين تقديم بدائل عملية"، في محاولة واضحة لتحميل الدول العربية مسؤولية إيجاد حلول بدلًا من فرضها على "إسرائيل".
لكن السعودية كانت سريعة في التصدي لهذه الضغوط، حيث صرح السفير السعودي في بريطانيا الأمير خالد بن بندر بأن "المملكة ترفض التطبيع دون حل عادل للقضية الفلسطينية"، ما يعكس موقفًا عربيًا موحدًا حتى الآن في مواجهة المخطط الأمريكي الإسرائيلي.
ترامب ينفذ الأجندة الإسرائيلية؟
يرى العديد من المحللين أن تصريحات ترامب تعكس بوضوح رغبة إسرائيلية قديمة في تهجير الفلسطينيين من غزة، وهي خطوة كان الاحتلال يسعى لتنفيذها منذ عقود، لكنها لم تجد دعمًا دوليًا مباشرًا إلا مع الإدارة الأمريكية الحالية.
الباحث السياسي أحمد الركبان قال في تصريح لقناة سكاي نيوز عربية: إن "ترامب يعيش نشوة سياسية تدفعه لاتخاذ قرارات متعجلة، لكنه لا يستطيع فرض إرادته على دول عربية مثل مصر والأردن".
وأضاف الركبان: إن "إسرائيل لا تتحرك دون ضوء أخضر أمريكي، لكن المخططات التي تتجاهل حقوق الفلسطينيين محكوم عليها بالفشل"، مشيرًا إلى أن مشروع تهجير الفلسطينيين لن يكون عمليًا حتى لو تم الترويج له من قبل ترامب ونتنياهو.
على الرغم من أن تصريحات ترامب قد تبدو غير واقعية، إلا أن تأثيرها على الوضع في غزة والمنطقة لا يمكن تجاهله، فقد حذّر مسؤولون دوليون من أن أي محاولة لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين قد تؤدي إلى تصعيد عسكري واسع، قد يتجاوز حدود القطاع ليشمل مناطق أخرى.
وفي هذا السياق، أبدى مسؤولان عربيان، في حديث لشبكة CNN، قلقهما من أن تصريحات ترامب قد تؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار الهش في غزة، مشيرين إلى أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستشعل المنطقة بأكملها.
هل يأخذ العالم ترامب على محمل الجد؟
التاريخ السياسي لترامب مليء بالأفكار غير التقليدية، بعضها تحول إلى سياسات واقعية، والبعض الآخر بقي مجرد استعراض انتخابي، تصريحاته الأخيرة أعادت إلى الأذهان اقتراحاته السابقة مثل شراء جزيرة جرينلاند أو ضم كندا إلى الولايات المتحدة، ما يدفع المحللين للتساؤل: هل يدرك ترامب تعقيدات المشهد السياسي في الشرق الأوسط، أم إن تصريحاته مجرد استعراض في سياق حملته الانتخابية؟
في ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة، يبدو أن السعودية تضع خطوطًا حمراء واضحة فيما يتعلق بعلاقتها مع "إسرائيل"، مؤكدةً أن أي تطبيع لن يكون ممكنًا دون حل القضية الفلسطينية، وبينما يحاول ترامب ونتنياهو تمرير مخططات مثيرة للجدل، فإن الموقف السعودي الصارم يشكل عقبة حقيقية أمام تنفيذ هذه السيناريوهات.
السؤال المطروح الآن: هل ستستمر واشنطن في الضغط على الرياض، أم إن الموقف السعودي سيجبر الإدارة الأمريكية على إعادة النظر في حساباتها؟ الأيام المقبلة وحدها ستكشف عن مدى قدرة الدول العربية على التمسك بمواقفها في مواجهة المخططات الأمريكية الإسرائيلية.