الوقت - في خضمِّ التطورات المتلاحقة في سوريا والتكهنات حول مصير بشار الأسد، برزت مخاوف جدية بشأن احتمالية انخراط الفصائل العراقية في المعادلة السورية، وكشفت تسريبات دبلوماسية عن توجيه الإدارة الأمريكية إنذاراً صريحاً للحكومة العراقية، مطالبةً إياها بكبح جماح أي تدخلات محتملة لهذه الفصائل في الشأن السوري.
وفي تطورٍ لافت، قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بزيارة غير مُعلنة إلى العاصمة العراقية بغداد في الثالث عشر من ديسمبر، حيث عقد لقاءً مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وقد أثارت هذه الزيارة المفاجئة تساؤلات عميقة حول موقف بغداد الرسمي، ودور الجماعات المسلحة العراقية في المشهد السوري المتأزم.
وفي السياق ذاته، كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية النقاب عن أن بلينكن، إلى جانب مساعيه لتحجيم دور فصائل المقاومة العراقية في سوريا، حمل رسالةً شفهيةً من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى رئيس الوزراء العراقي، تضمنت تحذيراً صريحاً من مغبة التدخل في الشؤون السورية.
هل ستلتزم الحكومة العراقية بالرسائل الأمريكية؟ ما موقف فصائل المقاومة وكيف استقبلتها؟
في قراءةٍ عميقة للمشهد السياسي، كشف فادي الشمري، المستشار الخاص لرئيس الوزراء العراقي، عن دلالاتٍ للزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بغداد.
وأكد الشمري، في تصريحاتٍ تحمل أبعاداً دبلوماسيةً متعددة المستويات، أن هذه الزيارة تُجسِّد اعترافاً دولياً بالدور المحوري للعراق كوسيطٍ إقليمي مؤثر في معالجة الأزمات المستعصية التي تشهدها المنطقة.
وفي سياقٍ يعكس حساسية الموقف العراقي وتوازناته الدقيقة، أوضح الشمري أن بغداد تتبنى موقفاً استراتيجياً داعماً لكل المبادرات الرامية إلى حماية السيادة السورية وصون وحدة أراضيها، مع الحفاظ على حق الشعب السوري في تقرير مصيره.
وأردف أن الحضور الأمريكي رفيع المستوى في بغداد يُشكل إقراراً صريحاً بأهمية التنسيق مع العراق، كركيزةٍ أساسية في معادلة الاستقرار الإقليمي.
الكيان الصهيوني يستمد بقاءه من تفتيت النسيج الإقليمي للدول المجاورة
في تصريحات أدلى بها عضو المكتب السياسي لحركة النجباء العراقية، فراس الياسر، كشف عن رؤية تحليلية للمشهد السياسي الراهن، حيث أكد أن التهديدات الأمريكية الموجهة ضد الفصائل العراقية، لا تتجاوز كونها حرباً نفسيةً محضةً.
وفي سياق تحليله، أوضح الياسر أن الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي العراقية - الذي وصفه بالاحتلال - يُشكل عائقاً جوهرياً أمام مناقشة ملف التسليح المقاوم، محذراً من المساعي الأمريكية الحثيثة لإحداث اضطرابات في النسيج الاجتماعي والسياسي العراقي.
وفي إطار تقييمه للسياسة الأمريكية في المنطقة، استشهد الياسر بالنموذج السوري، مؤكداً أن ما تعرضت له سوريا من دمار ممنهج، يأتي في إطار الاستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى تفكيك المنظومة الإقليمية وإضعاف مرتكزاتها الأساسية، مشدداً على ضرورة اتخاذ موقف حازم برفض أي مطالب أمريكية.
وشدّد المسؤول العراقي على أن منظومة القوة العراقية، تستند إلى أربع ركائز أساسية لا يمكن المساس بها: الحشد الشعبي، والمؤسسة الأمنية، والمرجعية الدينية، وقوى المقاومة، محذراً من أن أي محاولة لتقويض أي من هذه الركائز، ستؤدي حتماً إلى تقويض الدولة العراقية برمتها.
واختتم الياسر تحليله بتأكيد خطير، مفاده بأن الكيان الصهيوني يستمد استمراريته وديمومة وجوده حصراً، من خلال سياسة ممنهجة تقوم على تفتيت النسيج الاجتماعي والسياسي للدول المجاورة، مشيراً إلى أن هذه الاستراتيجية تمثّل حجر الزاوية في السياسة الصهيو-أمريكية بالمنطقة.
مستقبل سوريا بيد شعبها: رفض قاطع لأي تدخل خارجي
في تحليل للمشهد السياسي الراهن، قدّم الشيخ كاظم الفرطوسي، الناطق الرسمي باسم كتائب سيد الشهداء، رؤيةً شاملةً حول المستجدات الإقليمية والتحديات الراهنة.
وفي حوار مع قناة الجزيرة، أكد الفرطوسي على ثوابت استراتيجية جوهرية، مشدداً على أن منظومة السلاح المقاوم تمثّل شأناً سيادياً داخلياً خالصاً، يندرج حصراً ضمن الاختصاص الحصري للفصائل العراقية، رافضاً بشكل قاطع أي محاولات للتدخل الخارجي في هذا الملف الاستراتيجي.
وفي معرض تحليله للمطالب الأمريكية المتكررة بشأن نزع سلاح المقاومة، وصف الفرطوسي هذه المطالب بأنها "تفتقر إلى المنطق السياسي والاستراتيجي"، موضحاً: "يتجلى التناقض الجوهري في مطالبة الخصوم لمنافسيهم بالتخلي عن أدوات قوتهم الاستراتيجية، حيث إن وجود سلاح المقاومة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمواجهة القوى المحتلة".
وأبدى الفرطوسي استهجانه الشديد لما وصفه بـ"السياسة المزدوجة" التي تنتهجها القوات الأمريكية في التعامل مع الشأن العراقي الداخلي، واصفاً إياها بـ"الممارسات المخالفة للأعراف الدبلوماسية والسيادية"، مؤكداً ثبات موقف كتائب سيد الشهداء وعدم قابليته للمساومة.
وفيما يتعلق بالملف السوري، شدّد الفرطوسي على مبدأ جوهري مفاده بأن "مستقبل سوريا يرتبط حصراً بالإرادة السيادية للشعب السوري"، رافضاً بشكل قاطع أي محاولات للتدخل الخارجي في الشؤون السورية الداخلية.
وحول التهديدات المحتملة باستهداف فصائل المقاومة، أوضح الفرطوسي قائلاً: "نحن في حالة مواجهة مستمرة، وكل السيناريوهات مدرجة ضمن حساباتنا الاستراتيجية، لا يشكّل استهداف القوى الأمريكية أو الإسرائيلية مفاجأةً لنا، فهذا نمط متكرر في سجل مواجهاتنا السابقة".
واختتم تحليله بتفكيك الخطاب الأمريكي حول طلب التفويض لاستهداف الفصائل، معتبراً إياه "محاولة للتصعيد النفسي وتضخيم المشهد السياسي"، في إشارة إلى عمق الفهم الاستراتيجي للمشهد الإقليمي برمته.
المساعي الإسرائيلية لتحويل سوريا إلى دولة منهكة
قدّم الخبير والمحلل السياسي العراقي البارز، هادي جلو مرعي، شرحاً للديناميكيات المعقدة التي تشهدها الساحة السورية وتداعياتها على المنظومة الإقليمية برمتها.
حيث رسم جلو مرعي خارطة المخاوف الاستراتيجية التي تنتاب صناع القرار في المنطقة، مؤكداً أن التحولات الهيكلية في المشهد السوري تثير قلقاً عميقاً في الأوساط السياسية العراقية والعربية، باستثناء الدول المتماهية مع أجندة "جبهة النصرة".
کما حدّد المحلل مجموعةً من العوامل المحورية التي تشكل تحدياً أمنياً واستراتيجياً، حيث تبرز خصوصية الموقع الجغرافي للعراق المتاخم للأراضي السورية، حيث تمتد حدود استراتيجية طويلة بين البلدين، وتتعقد المعادلة الأمنية مع انتشار التشكيلات المسلحة على جانبي الحدود، في ظل ضبابية استراتيجية تكتنف توجهات النظام الجديد، فضلاً عن استمرار التهديد الداعشي الكامن في سوريا، ما يضاعف من حدة المخاوف العراقية.
وأكد المحلل أن انعكاسات التطورات السورية تتجاوز حدود الجغرافيا، لتشكل تهديداً وجودياً لمستقبل المنطقة برمتها، ويتجلى ذلك في المنظومة العسكرية المتكاملة التي يتم نشرها، والتي تشمل المعسكرات الاستراتيجية والقواعد الجوية والبحرية والمنظومات الصاروخية المتطورة والترسانة العسكرية المتقدمة. وأشار إلى أن الكيان الإسرائيلي ماضٍ في استراتيجيته الممنهجة الرامية إلى تقويض القدرات العربية بكل الوسائل المتاحة.
كيف تستشرفون مستقبل سوريا؟
يتسم المشهد المستقبلي في سوريا بتعقيدات جمّة، إذ تتصارع على أرضها قوى متباينة التوجهات والمصالح، في ظل تشابك معقد يضمّ قوى إقليمية ودولية فاعلة كـ "إسرائيل" والقوى الغربية وتركيا وروسيا، ويكتنف الغموض مسار الأحداث في ظل ضبابية آليات صناعة القرار، وعدم وضوح هوية صانعه الفعلي.
هل ترون إمكانية وصول سوريا إلى استحقاق انتخابي رئاسي وانبثاق قيادة جديدة؟
من منظور تحليلي، تحتاج سوريا إلى مرحلة زمنية انتقالية تؤسس لحكم مؤقت قبل الشروع في أي ممارسة انتخابية، كما يستلزم الأمر صياغة رؤية استراتيجية شاملة، وإعداد وثيقة دستورية جديدة تؤطر لمرحلة مستقبلية واعدة.
هل تشكل الأحداث الجارية في سوريا عاملاً محفزاً للكيان الصهيوني للتوغل أكثر في الأراضي السورية؟
يسعى الكيان الصهيوني، وفق استراتيجية ممنهجة، إلى بسط نفوذه على الأراضي السورية، مستهدفاً تحويل سوريا إلى دولة منهكة القوى، مسلوبة الإرادة، تخضع للإملاءات الخارجية التي تصبّ في خدمة المصالح الإسرائيلية الاستراتيجية.
كيف يسعى الكيان الصهيوني لتحييد سوريا وتدميرها؟
يُنفّذ الكيان الصهيوني مخططاته التدميرية في سوريا عبر استراتيجية ممنهجة تستهدف تدمير المنظومة العسكرية بشكل شامل، بما فيها المعسكرات والقواعد الجوية والبحرية، والأساطيل البحرية والطائرات العسكرية، ومستودعات الأسلحة والصواريخ، والمراكز البحثية الاستراتيجية، ومراكز القيادة والسيطرة، والمطارات العسكرية.
وقد نجح في التوغل إلى مسافات غير مسبوقة من العاصمة دمشق، ونشر قواته في مناطق استراتيجية لم يكن الوصول إليها متصوراً في السابق، ما يُشكل تهديداً وجودياً لسوريا بهويتها المعروفة تاريخياً.
دخول المسلحين ذوي الإرث والجذور الإرهابية إلى دمشق، يُشكل خطراً على دول المنطقة
كشف محمود الهاشمي، رئيس مركز الاتحاد للدراسات الاستراتيجية في العراق، عن تداعيات خطيرة للمشهد السوري الراهن، مؤكداً أن انعكاساته تتجاوز الحدود الجغرافية للعراق المجاور، لتطال المنطقة بأسرها.
وأوضح الهاشمي أن التطورات الأخيرة في سوريا تُمثل منعطفاً تاريخياً حاسماً، مشيراً إلى أن تأثيراتها ستمتد حتماً إلى محاور المقاومة، نظراً للموقع الاستراتيجي الحيوي لسوريا المتاخمة للأراضي المحتلة، وارتباطها العضوي بمحوري المقاومة في العراق ولبنان.
وحذَّر من خطورة تولي محمد الجولاني قيادة الحكومة السورية الجديدة، مستذكراً سجله الإجرامي الحافل بالعمليات الإرهابية إبان فترة احتلال "داعش" للعراق عام 2014، والتي أدت إلى سجنه لمدة خمس سنوات.
کما أشار إلى العمق الاجتماعي والديني الذي تمثّله سوريا للشعب العراقي، كاشفاً عن مساعٍ أمريكية حثيثة - عبر وزير خارجيتها بلينكن ومسؤوليها العسكريين - لإبعاد العراق عن المشهد السوري، بحجة أنه شأن داخلي سوري، مع تقديم ضمانات بالدعم في مكافحة الإرهاب.
وكشف الهاشمي عن محاولات بعض الشخصيات السياسية والإعلامية استغلال الأزمة في سوريا في إثارة القلاقل بالعراق، مشيداً بيقظة الشعب العراقي في إحباط هذه المحاولات.
وأكد أن استمرار الأحداث في سوريا، عزّز قناعة العراقيين بأن هؤلاء المقاتلين ليسوا سوى أدوات تحركها واشنطن وتل أبيب وأنقرة، بهدف تقويض أواصر المقاومة وإتاحة المجال للكيان الصهيوني لتدمير القدرات العسكرية السورية.
وختم بالتأكيد على أن التجربة المريرة للشعب العراقي مع المنظمات الإرهابية، وما خلفته من دمار وسفك للدماء وترويع، جعلته ينظر بعين الريبة إلى المستجدات السورية، مدركاً تماماً أن تسلل هذه العناصر المسلحة ذات الجذور والإرث الإرهابي، يشكل تهديداً وجودياً لأمن واستقرار دول المنطقة بأسرها.
سخط شعبي عارم في العراق إزاء المزاعم التركية بشأن الموصل وكركوك
حذَّر المحلل السياسي العراقي سعيد البدري من مخاطر محدقة تتعلق باحتمالية عودة "داعش" إلى العراق، مؤكداً أن الشعب العراقي قد استوعب دروس الماضي بعمق، وأن تنظيم "داعش" قد أصبح في طيّ التاريخ العراقي، غير أنه نبَّه إلى مساعٍ تركية حثيثة لزعزعة استقرار العراق، بالتزامن مع مخططات أمريكية خبيثة يتم تنسيقها مع الكيان الصهيوني.
وكشف البدري عن احتمالية توظيف القوى الخارجية لتنظيمات إرهابية مجهولة، بديلاً عن "داعش"، مستعينةً بعناصر داخلية ساخطة على المسار السياسي العراقي، تسعى لمدّ يد العون للإرهابيين.
وأضاف الخبير السياسي إن الشعب العراقي سيتصدى بحزم لمثل هذه المحاولات، رافضاً أي مساس بأمن العراق وسيادته، وأشار إلى حالة الغضب العارم التي تجتاح سكان الموصل وكركوك وعموم العراقيين جراء المزاعم التركية بالسيطرة على هاتين المحافظتين، مؤكداً رفضهم القاطع لإعادة إنتاج الجماعات الإرهابية ذات النهج الوهابي والإخواني.
وشدد على أن الوعي العراقي العام قد أدرك أن الجهات الساعية لزعزعة الأمن العراقي، ليست سوى أدوات لتنفيذ المخططات الصهيونية، مؤكداً استحالة نجاح هذه المخططات في ظل وجود المرجعية الدينية والجيش والحشد الشعبي والقيادات السياسية الواعية.
وفيما يخص العلاقة مع الجولاني، أكد البدري أن الجولاني وأمثاله ما هم إلا صنيعة غربية، مشدداً على ضرورة أن تكون الحكومة السورية المستقبلية ممثلاً حقيقياً للشعب السوري، لا مجرد أداة بيد أردوغان وواشنطن، وأوضح أن العراق يسعى للتعامل مع أطراف شرعية، لا مع شخصيات إرهابية مطلوبة دولياً.
وختم محذراً من أن التعامل المباشر مع الجولاني يتعارض مع المصالح العراقية، حتى أن البعض يرفض إقامة علاقات غير مباشرة معه، وشدد على ضرورة التيقظ في التعامل مع الجولاني، موضحاً أن المحللين يدركون جيداً هويته الحقيقية كمنفذ للمخططات الأمريكية-الصهيونية بدعم تركي، وإن كان عامة الناس قد يجهلون هذه الحقيقة.
حضور الجولاني في دمشق: تحريض لسُنَّة العراق على إقامة إقليم سُنِّي
كشف المحلل السياسي هيثم الخزعلي عن أبعاد خطيرة للمشهد السوري وانعكاساته على الساحة العراقية، محدداً محورين رئيسيين يستدعيان اليقظة والحذر:
المحور الأول: يتمثل في احتمالية استغلال الوضع الراهن لإعادة تنشيط الخلايا الإرهابية النائمة، وعناصر "داعش" لتنفيذ عمليات إرهابية داخل العراق، ما يوفّر ذريعةً مواتيةً لإطالة أمد الوجود العسكري الأجنبي تحت مظلة ما يُسمى بـ"التحالف الدولي" على الأراضي العراقية.
المحور الثاني: يتجلى في المساعي المحمومة لاستثمار هذه التطورات في تحريض المكون السُنِّي العراقي على المطالبة بإقامة إقليم خاص، يتمركز في محافظة الأنبار ويمتد إلى محافظات أخرى، وفي هذا السياق، أشار الخزعلي إلى تحرك مشبوه من قِبَل ستة نواب سابقين في البرلمان العراقي، يدعون إلى ما أسموه "حواراً وطنياً"، في محاولة لتصوير العراق وكأنه يمر بأزمة وجودية.
وفيما يخص العلاقة المستقبلية مع نظام الجولاني، شدد الخبير على أن العراق سيلتزم بالأطر الدبلوماسية المتعارف عليها دولياً في تعاملاته مع الحكومة السورية الشرعية حصراً، مستبعداً أن يشكل الجولاني وميليشياته المسلحة تهديداً حقيقياً للأمن القومي العراقي.