الوقت- في خضم وحشية الاحتلال التي تتجسد بأبشع صورها في قطاع غزة، حيث تسقط الشهداء وتدمر البيوت وتنتهك المقدسات، تتواصل حكاية مؤلمة أخرى لا تقل قسوة عن الأولى، ففي الوقت الذي يرتكب فيه العدو الصهيوني جرائمه بحق أبناء الشعب الفلسطيني، نجد أن السلطة الفلسطينية ما زالت تواصل سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال، هذه السياسة التي طالما شكلت نقطة خلاف حادة في الشارع الفلسطيني، تزداد استفزازاً في ظل هذه الظروف الصعبة، فكيف يمكن تبرير استمرار هذا التنسيق في ظل هذه الجرائم البشعة؟ وهل من الممكن فصل الأمن عن الكرامة الوطنية؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها في ظل هذا الواقع المرير، وتستحق منا جميعاً وقفة تأمل وتقييم عميق.
ذروة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني
"كشفت صحيفة هآرتس عن تفاصيل صادمة حول عمق التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، حيث أظهرت الأرقام ارتفاعًا ملحوظًا في عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووفقًا للتقرير، فإن هذا التعاون الوثيق قد ساهم في إضعاف المقاومة الفلسطينية وتسهيل مهام الاحتلال الإسرائيلي.
وأثار هذا الكشف موجة من الغضب والاستياء في الشارع الفلسطيني، حيث يرى الكثيرون أن هذا التعاون يتعارض مع المصالح الوطنية الفلسطينية"، وفي السياق نفسه يثير هذا التعاون تساؤلات حول مدى التزام السلطة الفلسطينية بقضايا الشعب الفلسطيني ومقاومة الاحتلال، ففي الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني لانتهاكات جسيمة من قبل الاحتلال، تستمر السلطة في تعزيز التعاون الأمني معه، ما يضعها في مواجهة مع الشارع الفلسطيني والمقاومة.
هل تدرك السلطة الفلسطينية حقًا مخاطر هذا التعاون الأمني الوثيق مع الكيان الصهيوني؟ وهل تسعى من خلاله إلى تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني أم إنها تخدم مصالح الاحتلال؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة في ظل الأحداث الأخيرة وتصاعد الانتقادات الموجهة للسلطة.
التنسيق الأمني... سيف مسلط على رقاب الفلسطينيين
يستخدم الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية معاً التنسيق الأمني كأداة لقمع المقاومة الفلسطينية واعتقال النشطاء، هذا التنسيق يسمح للسلطات الإسرائيلية والفلسطينية بالتعاون فيما بينها لجمع المعلومات عن النشطاء الفلسطينيين واعتقالهم.
يستخدم الاحتلال الإسرائيلي هذا التنسيق لاستهداف النشطاء الفلسطينيين الذين يشاركون في المقاومة ضد الاحتلال، ويتم اعتقال هؤلاء النشطاء وتسليمهم للسلطات الإسرائيلية، التي تتعامل معهم بعنف وتهددهم بالسجن والتعذيب.
في نفس الوقت، تستخدم السلطة الفلسطينية هذا التنسيق لقمع المقاومة الفلسطينية من الداخل، يتم اعتقال النشطاء الفلسطينيين الذين ينتقدون السلطة الفلسطينية أو يشاركون في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويتم توجيه تهمة الإرهاب ضدهم واعترافهم بقضايا تهمة الإرهاب، هذا التنسيق الأمني يشكل تهديداً كبيراً للفلسطينيين الذين يطالبون بحقوقهم الوطنية، ويجب أن ندين هذا التنسيق الأمني ونتضامن مع النشطاء الفلسطينيين الذين يتعرضون للاعتقال والتعذيب بسبب مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي.
خنجر في الظهر
يرى الكثيرون أن هذا التعاون بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي كخيانة للشعب الفلسطيني، حيث إنه يشكل عائقاً أمام الشعب الفلسطيني الذي يطالب بحقوقه الوطنية ويرفض الاحتلال الإسرائيلي، ويؤثر هذا التعاون على الروح المعنوية للشعب الفلسطيني بشكل كبير.
يرى الكثيرون أن السلطة الفلسطينية لا تمثل مصالحهم ولا تحمي حقوقهم، ويعتبرون أن هذا التعاون هو دليل على أن السلطة الفلسطينية تخدم مصالح "إسرائيل" وليس مصالح الشعب الفلسطيني، هذا التعاون يؤدي إلى شعور باليأس والإحباط تجاه السلطة الفلسطينية.
فالسلطة الفلسطينية بين واجبها الوطني والتعاون مع العدو، هذا هو الواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني اليوم، فبينما يتعرض الشعب الفلسطيني لانتهاكات يومية من قبل الاحتلال، نجد أن السلطة الفلسطينية تختار طريق التعاون الأمني معه، متجاهلة بذلك واجبها الوطني في حماية شعبها ومقاومة الاحتلال، هذا التعاون ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو خيانة للأمانة التي أوكلها إليه الشعب الفلسطيني.
التنسيق الأمني ضريبة باهظة على حساب المقاومة
يمثل التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي أحد أبرز الملفات الشائكة في القضية الفلسطينية، هذا التعاون الوثيق، الذي يتم تحت مبررات أمنية، يحمل في طياته تبعات وخيمة على مستقبل الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الحرية والاستقلال.
إن أولى هذه التبعات هي إضعاف المقاومة الفلسطينية، فمن خلال التنسيق الأمني، تقوم أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بملاحقة المقاومين واعتقالهم، ما يؤدي إلى تشتيت صفوفهم وإضعاف قدراتهم على مواجهة الاحتلال، كما أن هذا التعاون يوفر للاحتلال معلومات استخباراتية مهمة تساهم في إحباط العديد من العمليات المقاومة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التنسيق الأمني يقوض النضال الوطني الفلسطيني بشكل عام، فبدلاً من توحيد الصفوف لمواجهة الاحتلال، فإن هذا التعاون يخلق حالة من الانقسام والتشرذم في الشارع الفلسطيني، كما أنه يضعف من مكانة السلطة الفلسطينية في الشارع، ويجعلها تفقد الثقة الشعبية.
من الجدير بالذكر أن التنسيق الأمني لا يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل يتعداه إلى جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية، فمن خلال هذا التعاون، تحاول السلطة الفلسطينية الحصول على امتيازات اقتصادية من الاحتلال، مثل تحويل الأموال المقاصة، مقابل تقديم خدمات أمنية له، وهذا الأمر يضعف من قدرة السلطة على اتخاذ قرارات مستقلة، ويجعلها رهينة للإرادة الإسرائيلية.
إن التكلفة الباهظة التي يدفعها الشعب الفلسطيني بسبب التنسيق الأمني لا تقتصر على إضعاف المقاومة وتقويض النضال الوطني، بل تمتد إلى جوانب أخرى من الحياة الفلسطينية، فالتعاون الأمني يساهم في استمرار الاحتلال، ويحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره، كما أنه يعزز من الانقسام الفلسطيني، ويضعف من صمود الشعب في وجه الاحتلال.
التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي يمثل تهديداً خطيراً على مستقبل القضية الفلسطينية، وإنهاء هذا التعاون هو شرط أساسي لتحقيق الوحدة الوطنية، وتقوية المقاومة، والوصول إلى الحرية والاستقلال.
هل تتراجع السلطة الفلسطينية عن قضية التنسيق الأمني مع الكيان المحتل؟
لا تزال قضية التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي تشغل الرأي العام الفلسطيني، حيث تعتبر خيانة للقضية الفلسطينية وتقويضاً للمقاومة، وإن الشبان الفلسطينيين الذين يواجهون الاحتلال بكل شجاعة وإصرار في غزة والضفة الغربية هم من يمثلون روح البطولة الحقيقية، هؤلاء الشبان الذين يقدمون أرواحهم فداءً للوطن، يثبتون للعالم أجمع أن الشعب الفلسطيني لا يزال يتمسك بحقه في الحرية والاستقلال، فهل من المنطق أن تتخلى السلطة الفلسطينية عن هؤلاء الشباب وتتعاون مع من يسعى إلى قمعهم؟، إن التحرر من الاحتلال ثمنه غالٍ، ولا شك أن الشعب الفلسطيني يدفع هذا الثمن يومياً، فالشهداء والجرحى والأسرى هم خير شاهد على تضحيات هذا الشعب، وفي ظل هذه التضحيات الجسام، من غير المقبول أن تستمر السلطة الفلسطينية في سياسة التنسيق الأمني التي لا تساهم في تحقيق أي تقدم نحو إنهاء الاحتلال.
إن استمرار السلطة الفلسطينية في سياسة التنسيق الأمني يضعها في مواجهة مباشرة مع تطلعات الشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني يريد أن يرى قيادته تقف بجانبه وتدعم مقاومته المشروعة، كما أن هذا التعاون يعزز من الانقسام الفلسطيني ويضعف من الموقف التفاوضي.
لقد حان الوقت لكي تراجع السلطة الفلسطينية حساباتها، وتتخذ قرارات جريئة من شأنها أن تعزز من صمود الشعب الفلسطيني وتقوي موقفه في مواجهة الاحتلال، ويجب على السلطة أن تتوقف عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأن تعمل على توحيد الصفوف الفلسطينية، وأن تدعم المقاومة الشعبية، حيث إن الشعب الفلسطيني يستحق قيادة قوية وشجاعة قادرة على تحمل المسؤولية وحماية مصالحه، فهل ستستجيب السلطة الفلسطينية لمطالب شعبها وتتخذ الخطوات اللازمة لإنهاء هذا الوضع المأساوي؟
في الختام إن قضية التنسيق الأمني تطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة بين السلطة الفلسطينية وشعبها، هل ستستمر السلطة في التضحية بمصالح الشعب الفلسطيني مقابل مكاسب آنية؟ أم إنها ستستجيب لمطالب شعبها وتعمل على تحقيق تطلعاته؟