الوقت- بعد عملية طوفان الأقصى في الـ7 من أكتوبر 2022، تساءل الكثير من الناس عن سبب قيام حماس والفصائل الفلسطينية بهذا الإجراء، إن الحقائق على الأرض في غزة والتطورات التي شهدتها فلسطين بشكل عام في العقود القليلة الماضية تظهر أن الكيان الصهيوني هو الذي يقتل الفلسطينيين منذ فترة طويلة، وبعبارة أخرى، لا يمكن اعتبار فلسطين هي البادئة في هذه حرب.
قتل واعتقال الفلسطينيين
وفي مايو 2024، وبمناسبة الذكرى الـ76 للنكبة، نشر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إحصائية تظهر أنه منذ عام 1948، استشهد نحو 134 ألف فلسطيني، ومع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، أصبحت سياسة القتل التي ينتهجها هذا الكيان سياسة معلنة وواضحة في الصراع ضد الفلسطينيين.
واعترفت تل أبيب للمرة الأولى بعمليات القتل في نوفمبر/تشرين الثاني 2000، ولقد كانت بعض تصرفات هذا الكيان في قمع انتفاضة الأقصى مختلفة تماما عن نموذج تطبيق القانون، وكان أبرزها عملية القتل المستهدف، التي استهدفت فيها تل أبيب الفلسطينيين دون محاولة اعتقالهم.
ومن الواضح عدم قيام هذا الكيان بجهد الاعتقال بدلاً من القتل، وفي عام 2002، قصفت قاذفة صهيونية من طراز F-16 مبنى سكنيًا في غزة بقنبلة تزن طنًا واحدًا، ما أسفر عن مقتل أربعة عشر مدنيًا بالإضافة إلى قائد عسكري لحماس، لقد استخدم الكيان الصهيوني في سياسة القتل التي ينتهجها الكثير من العنف في العمليات البرية والجوية وأدوات مثل المروحيات والدبابات والطائرات المقاتلة.
وذكرت قاعدة بيانات ستاتيستا أن عدد الشهداء الفلسطينيين في عام 2008-2020 بلغ نحو 5590 شهيدا، في حين تم الإعلان عن هذا العدد للصهاينة وهو 251 شخصا، وبعد تشكيل حكومة نتنياهو الائتلافية في نهاية عام 2022 وتولي شخصيات يمينية متطرفة مثل سموتريش وبن غفير، المعروفين بأعمالهم العنصرية ضد الفلسطينيين، مناصبهم، زادت الهجمات ضد الفلسطينيين، وبالإضافة إلى سياسة القتل، فإن سجن الفلسطينيين هو عمل آخر من أعمال الكيان الصهيوني، وقبل بدء طوفان الأقصى، كان 5200 فلسطيني مسجونين في سجون هذا الكيان، وأشار بيان حماس بعد بداية طوفان الأقصى إلى إطلاق سراح الأسرى من سجون المحتلين كواحد من أهم العناوين الوطنية والسياسية والإنسانية لهذه الجماعة.
تجاهل حق اللاجئين في العودة
لقد كانت قضية اللاجئين من أهم قضايا حقوق الإنسان المحيطة بفلسطين منذ بداية قيام الكيان الصهيوني، ما يدل على عمق مشاكلهم، واللاجئون الفلسطينيون هم الأشخاص الذين عاشوا في فلسطين وفقدوا منازلهم نتيجة صراع عام 1948، وإن عدد اللاجئين الفلسطينيين يتجاوز الـ 5 ملايين نسمة، ويعيش ما يقرب من ثلثهم، أي أكثر من 1.5 مليون شخص، في 58 مخيماً للاجئين الفلسطينيين المعترف بها في الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، وتزايدت أعداد اللاجئين بعد حرب 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وتم قبول عضوية الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة بشرط حل مشكلتين، إحداهما عودة اللاجئين إلى وطنهم الأصلي.
لقد أصبح الكيان الصهيوني عضواً في الأمم المتحدة ومضى منذ ذلك الحين أكثر من 60 عاماً، لكن اللاجئين الفلسطينيين لم يعودوا بعد إلى وطنهم، وفي الفترة من ديسمبر 1948 إلى 2015، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة 49 قرارًا، أكدت جميعها على حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، ولقد اعتبر كيان الاحتلال عودة اللاجئين الفلسطينيين أمراً يتعلق بأمنه الداخلي، ولهذا السبب منع عودتهم، وخلال فترة رئاسة نتنياهو في الكيان الصهيوني، بما في ذلك في الفترة 2009-2021 وبعد عام 2022، تمت زيادة الإجراءات الصارمة، وخاصة تجاه مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية.
جعل إقامة الدولة الفلسطينية غير قانوني
ومن الإجراءات الأخرى التي يتخذها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين معارضة إقامة دولة فلسطينية، فلقد مر أكثر من ثلاثة عقود على إضفاء الطابع الرسمي على دولة فلسطين المستقلة عام 1988، ويعتبر الكيان الصهيوني، إلى جانب الولايات المتحدة، أهم المعارضين لقيام هذه الدولة.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، قال نتنياهو في محادثة مع الرئيس الأمريكي بايدن: "احتياجات إسرائيل الأمنية لا تترك مجالا لتشكيل دولة فلسطينية مستقلة"، وبعد تدمير حماس، يجب على "إسرائيل" أن تحافظ على سيطرتها الأمنية على غزة لضمان أن غزة لم تعد تشكل تهديدا لـ"إسرائيل".
موقف الحكومة الأمريكية هو أن تشكيل دولة فلسطينية مستقلة لا يمكن تحقيقه إلا بموافقة الكيان الصهيوني والفلسطينيين، ولا تقبل واشنطن بآليات أخرى غير ذلك.
تكثيف الاستيطان
قبل السبعينيات، دخل الكيان الصهيوني، مستغلاً أجواء الحرب الباردة الثقيلة، في صراعات عسكرية في الأراضي العربية واحتل أجزاء منها، وبعد السبعينيات، وبما أن توسع هذا الكيان بالقوة لم يكن مقبولا لدى المجتمع الدولي، فقد واصل توسعه من خلال نقل اليهود إلى المناطق المحتلة عام 1967 واستيطانهم على شكل مستوطنات بهدف تغيير التركيبة السكانية من هذه الأرض.
وبدأ الكيان بناء المستوطنات اليهودية في جميع أنحاء الضفة الغربية في عام 1996 بدعوة من شارون، رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، وحسب تصريحات المدير السابق لجمعية خرائط فلسطين التي أغلقها كيان الاحتلال، فإن هناك 252 مستوطنة يهودية في الضفة الغربية و10 في القدس الشرقية.
وحسب منظمة "السلام الآن"، فإن حجم المستوطنات يزيد على 13% من مساحة الضفة الغربية، ورغم أن مجلس الأمن أصدر القرار رقم 2334 عام 2016 الذي أعلن عدم قانونية أي بناء يقوم به الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأكد على ضرورة إخلاء جميع المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، إلا أن بناء المستوطنات تزايد في عهد نتنياهو، ووافق مجلس وزراء هذا الكيان على بناء 4500 وحدة سكنية صهيونية في الضفة الغربية قبل ثلاثة أشهر من بدء طوفان الأقصى.
ويعتبر البعض أن زيادة المستوطنات مرتبطة بالحضور القوي للأحزاب الدينية والحريدية في حكومة هذا الكيان، حيث يعيش الكثير منهم في مستوطنات الضفة الغربية ويؤمنون بالاحتلال الكامل لهذه المنطقة، وبعد طوفان الأقصى، استمرت هذه العملية بمزيد من التوسع.
النتيجة
بعد أحداث الـ 7 من أكتوبر وطوفان الأقصى، كثر الجدل حول سبب هذه العملية التي قامت بها حماس، وفي هذه الأثناء، فإن الأمر الذي يبدو أنه يحتاج إلى المزيد من الاهتمام هو الضغط الذي يمارسه الكيان الصهيوني على المجتمع الفلسطيني، والذي جاء بنتيجة عملية طوفان الأقصى.