الوقت - في خضم القصف الجوي العنيف والمستمر الذي يشنه الكيان الصهيوني على الشعب اللبناني، وفي الوقت الذي أعلن فيه الجيش الصهيوني مؤخرًا عن سيطرته على حركة المرور في مطار بيروت تحت ذريعة منع نقل الأسلحة، وصل عباس عراقجي إلى بيروت في زيارة بالغة الأهمية تحمل رسالة ذات دلالة واضحة، مفادها دعم الجمهورية الإسلامية الثابت للمقاومة والشعب اللبناني، وقد كانت هذه الزيارة تجسيدًا واضحًا للتنسيق بين الدبلوماسية والميدان، في يوم تجلّى فيه الاتحاد الكامل لمحور المقاومة.
إيران إلى جانب لبنان في الحرب
تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان ومن ثم إلى سوريا، حيث التقى بمسؤولين من هذين البلدين اللذين يُعتبران جزءًا من التحالف الإقليمي لمحور المقاومة، في وقتٍ يتزامن مع مرور عام على تصعيد العدوان الصهيوني في غزة، حيث وسعت العصابات الإجرامية الحاكمة في الأراضي المحتلة، لتغطية فشلها الكبير في الذكرى السنوية لأحداث السابع من أكتوبر، من نطاق حربها وخلق الأزمات نحو الحدود الشمالية مع لبنان.
وفي هذه المغامرة الجديدة ضد حزب الله، قامت بسلسلة من العمليات الإرهابية التي استهدفت قادة هذا الحزب، بما في ذلك اغتيال الأمين العام الشجاع، الشهيد السيد حسن نصر الله.
ترافقت هذه الأعمال الإرهابية مع القصف العشوائي والمستمر للمناطق المدنية، والذي تم الرد عليه من قبل المقاومة بصواريخ استهدفت عمق الأراضي المحتلة، مما زاد من حدة الصراع ووسّع نطاقه.
وفي ظل الصمت المحزن للعالم العربي تجاه اعتداءات الكيان الصهيوني على دولة عربية مستقلة، فإن زيارة أعلى مسؤول دبلوماسي في الجمهورية الإسلامية إلى بيروت، تحمل في طياتها رسالة دعم وتأييد وتضامن من طهران مع الشعب والدولة اللبنانية، في مواجهة هذا العدوان الوحشي.
وقد تم التأكيد على هذه الرسالة القاطعة خلال اللقاءات المتعددة للوفد الدبلوماسي الإيراني مع كبار المسؤولين اللبنانيين، مما يبعث برسالة واضحة إلى الکيان الصهيوني وداعميه الغربيين، وخاصةً الحكومة الأمريكية، بأن أي تفكير من قبل الصهاينة بشأن التدخل البري واستمرار القصف الجوي ضد لبنان لن يُقبل من قبل محور المقاومة، وأن الجمهورية الإسلامية وحلفاء حزب الله مستعدون تمامًا لأي سيناريو لتصعيد الحرب.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الإيراني خلال لقائه مع نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء المؤقت للبنان، على تعازي الحكومة والشعب الإيراني بمناسبة استشهاد "السيد حسن نصر الله"، الأمين العام لحزب الله، وغيره من الضحايا الأبرياء في لبنان نتيجة الهجمات الإرهابية والتجاوزات العدوانية التي شنها الكيان الصهيوني، كما شدد على عزم الجمهورية الإسلامية الإيرانية الثابت على دعم الحكومة والشعب والمقاومة اللبنانية، في مواجهة الاعتداءات والنيران التي يشعلها الکيان الإسرائيلي المتغطرس.
لا شك أن هذه الزيارة، في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها لبنان، يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تفكيك الحرب الدعائية التي يشنها الكيان الصهيوني ووسائل الإعلام الغربية والعربية، والتي تسعى إلى تصوير لبنان كدولة محاصرة ووحيدة في خضم الصراع، ما يعزز ثقة اللبنانيين والمجاهدين في المقاومة في مواجهة اعتداءات الکيان.
تقديم المساعدة وكسر استراتيجية حصار لبنان
علاوةً على الأبعاد السياسية والإعلامية، فإن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان في خضم الحرب، التي أدت إلى تهجير أعداد كبيرة من المدنيين في جنوب لبنان، تأتي في وقت تسعى فيه الحكومة الصهيونية إلى تكرار سيناريو حصار غزة، ولكن بطريقة مختلفة، من خلال تعطيل عمل المطارات والسيطرة الكاملة على الأجواء اللبنانية، وفرض السيطرة على الحدود البحرية، وربما قصف المعابر الحدودية مع سوريا تحت ذريعة واهية تتعلق بعدم دخول الأسلحة، كما حدث في حرب عام 2006.
يمكن أن تلعب هذه الزيارة دورًا مهمًا في إفشال المخططات الخبيثة للکيان، إذ يواجه لبنان، مثل غزة في السنوات الأخيرة، مشاكل اقتصادية حادة وحاجة ملحة للمساعدات الخارجية، وخاصةً في مجال الطاقة، ومن هنا، فإن الصهاينة، الذين يخشون من الدخول البري في مواجهة حزب الله، سيعملون على الضغط الاقتصادي على اللبنانيين لإجبارهم على الاستسلام، أو على الأقل لتحدي الجبهة الداخلية للمقاومة.
وفي هذا السياق، أظهر الوفد الإيراني من خلال نقل 10 أطنان من المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية عبر الخطوط الجوية، أن إيران لن تسمح تحت أي ظرف بإغلاق الخط الجوي بين طهران وبيروت، وهذا يذكّر المجتمع الدولي، وخاصةً الدول العربية، بواجباته تجاه دعم المدنيين في لبنان، ويؤكد على ضرورة عدم السماح للصهاينة بتنفيذ أزمة إنسانية في لبنان.
ضربة دبلوماسية بعد إنجاز "الوعد الصادق 2" الميداني
لكن هناك معنى آخر ورسالة يمكن استنتاجها من زيارة الوفد الدبلوماسي الإيراني الرفيع، وهي استعراض قوة إيران وإظهار العجز العام للکيان الصهيوني، بعيدًا عن صرخات قادة تل أبيب بعد الضربة المؤلمة التي تلقتها من عملية "الوعد الصادق 2".
ففي الوقت الذي كان فيه القادة الصهاينة وسكان المناطق المحتلة يقبعون في الملاجئ نتيجة احتمال الرد الصاروخي الإيراني، وبعد تنفيذ الهجوم ونجاحه بنسبة 90% في إصابة الأهداف العسكرية المحددة بالصواريخ الباليستية الإيرانية، قام المرشد الإيراني الأعلی السيد خامنئي، بإقامة صلاة الجمعة في حضور مئات الآلاف من الناس، منتظرين إشارة القائد للجهاد.
وفي اليوم السابق، توجه رئيس الجمهورية الإيرانية بلا أي خوف إلى اجتماع التعاون الآسيوي في الدوحة، ثم قام وزير الخارجية الإيراني وعدد من أعضاء البرلمان، رغم التهديدات التي أطلقها المتحدث باسم الجيش الصهيوني بشأن استهداف الطائرات المجهولة في سماء بيروت، بزيارة أقرب نقطة إلى الأراضي المحتلة، ليظهروا أن أذرع قوة إيران أقوى بكثير من ادعاءات المسؤولين في تل أبيب.