الوقت- في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وأهلها، تبرز تقارير الأونروا ووسائل الإعلام الفلسطينية حول تقليص كيان الاحتلال الإسرائيلي لمساحة المنطقة الإنسانية في غزة إلى 10% فقط من المساحة الإجمالية، وفي هذا الخصوص أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يحشر نحو 1.7 مليون نازح فلسطيني في مساحة ضيقة لا تتجاوز عشر مساحة القطاع.
هذا القرار له تأثيرات جسيمة على السكان الفلسطينيين في القطاع المحاصر في ظل مواصلة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، فيما يعيش سكان القطاع في ظروف إنسانية صعبة منذ سنوات.
تقليص المنطقة الإنسانية في غزة يمكن اعتباره جزءًا من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى فرض مزيد من الضغط على الفلسطينيين في محاولة لإضعاف مقاومتهم وتحقيق أهداف سياسية وأمنية، حيث إن الاحتلال يجبر المواطنين على النزوح الإجباري ومغادرة منازلهم ومناطق سكنهم تحت تهديد القتل والقصف والسلاح المحرم دوليًا، والتي تعد جريمة ضد الإنسانية.
أوامر إخلاء لا تنتهي
في ظل محاولات الضغط على الفلسطينيين أصدر الجيش الإسرائيلي الأحد، أوامر إخلاء جديدة لسكان قطاع غزة المتواجدين داخل "المنطقة الإنسانية الآمنة" وسط القطاع، لتوسيع عملياته العسكرية في تلك المنطقة.
وبالنظر إلى الخارطة التي نشرها الجيش الإسرائيلي، يتضح أن المنطقة التي يطالب سكانها بإخلائها، تقع ضمن المنطقة الإنسانية الآمنة التي حددها الجيش في بداية الحرب، والتي استمر بتقليصها تدريجيا، وحتى أنه نفذ غارات داخلها أسفرت عن مقتل مئات المواطنين النازحين.
والجدير ذكره، أن الجيش الإسرائيلي أصبح يصدر أوامر إخلاء جنوب غزة بوتيرة غير مسبوقة، وعلى مدار الشهر الماضي أدت هذه الأوامر إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى المخيمات المكتظة بالفعل.
وتضغط عمليات الإخلاء على الفلسطينيين في الأماكن التي يسميها الجيش الإسرائيلي "منطقة إنسانية" أصغر حجما على طول الشاطئ الجنوبي للقطاع، وحتى قبل الأوامر الأخيرة، كانت المخيمات مكتظة وتفتقر إلى الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.
وقالت الأمم المتحدة إن أوامر الإخلاء صدرت في شهر أغسطس وحده كل يومين تقريبا، ما أدى إلى نزوح نحو 250 ألف شخص، كما تشير الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن 84% من سكان قطاع غزة أصبحوا الآن ضمن منطقة الإخلاء، وتقدر الأمم المتحدة أيضاً أن 90% من سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة نزحوا خلال فترة الحرب.
وتظهر صورتان التقطتهما الأقمار الصناعية خلال الشهر الماضي تأثير هذه الأوامر، وتظهر الصور أن المخيمات الواقعة على طول الساحل أصبحت أكثر اكتظاظا من ال 19 مت يوليو إلى ال 19 من أغسطس.
تأثير التقليص على اللاجئين
تقليص مساحة المنطقة الإنسانية يؤدي إلى تفاقم معاناة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، وفقًا لتقارير الأونروا، أثار هذا القرار حالة من الفوضى والخوف بين اللاجئين، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة نقص حاد في الأماكن الآمنة التي يمكنهم اللجوء إليها، حيث إن اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة يعانون من التشرد والنزوح المستمر، وتزيد هذه الأوامر من تعقيد الوضع الإنساني، حيث يتنقل اللاجئون بين مناطق مختلفة بحثًا عن الأمان، ولكنهم يواجهون نقصًا في الموارد الأساسية والمساعدات الإنسانية وحتى الأمان، ومن شأن تقلص المساحة التي يمكن للفلسطينيين اللجوء إليها أن يزيد من المخاوف من تفشي الأمراض وتفاقم الأوضاع المعيشية والمزيد من الضغط على المرافق الموجودة، وفقا لمسؤولة السياسات في منظمة أوكسفام الخيرية التي تعمل في قطاع غزة بشرى الخالدي، واعتبرت المنظمة الدولية غير الربحية أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يقوم باستخدام المياه كـ"سلاح حرب"، قائلة إن الفلسطينيين في غزة "ليس لديهم مياه للشرب تقريبا، ناهيك عن الاستحمام والطهي والتنظيف".
بالمقابل تؤكد الأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى، تعرض العديد من منشآت المياه للتدمير أو الأضرار نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ما زاد من معاناة السكان المدنيين، وأدى إلى مخاطر انتشار الأمراض.
وفي هذا الخصوص قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح- في بيان،أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)- إن إجبار أهالي غزة النزوح المستمر هو عذاب نفسي وجسدي واقتصادي يثقل كاهل المواطنين، الذين لا يملكون قوت يومهم وتوفير أبسط متطلبات العيش.
ووجه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، نداء إلى العالم بإنقاذ أكثر من مليوني إنسان من خطر الإبادة والتطهير وحصار التجويع والقتل بالأوبئة، وخاصة شلل الأطفال والكبد الوبائي، مناشداً بالضغط لإيقاف تصدير السلاح وأدوات القتل التي قتلت عشرات الآلاف من شعبنا الفلسطيني، وفرض عقوبات على الاحتلال وميليشيات المستعمرين الإرهابيين لوقف نزيف الدم والمجازر اليومية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ورفع الحصار الظالم وإدخال قوافل المساعدات الغذائية والطبية.
التهجير والاستيطان
التقليص المستمر للمنطقة الإنسانية والعمليات العسكرية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين وزرع كتل استيطانية في المناطق التي يتم إخلاؤها، وبدأت بوادر هذا السيناريو تظهر مع محاولات المستوطنين المتطرفين الدخول إلى قطاع غزة وإنشاء مستوطنات جديدة، و في فبراير/شباط، حاول أكثر من مئة مستوطن اقتحام منطقة عسكرية مغلقة على الحدود مع غزة، وهذه المحاولات، رغم فشلها في البداية، تشير إلى نوايا المستوطنين المستمرة في محاولة الاستيطان داخل القطاع، و إذا استمرت هذه المحاولات، فإنها ستزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية وتخلق توترات جديدة في المنطقة.
الدعم الرسمي للمستوطنات
تدعم الحكومات الإسرائيلية المشروع الاستيطاني منذ عام 1967، حيث تقدم المعونات والحوافز المالية للمستوطنين اليهود، في حين تحارب النشاط الاقتصادي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، وهذا الدعم يشمل إعفاءات ضريبية موسعة، وإسكانا مخفضا، وتعليما مجانيا للمستوطنين، بينما يُمنع الفلسطينيون من الحصول على تصاريح العمل ومزاولة النشاط الاقتصادي، وإن هذه السياسات تعكس التمييز الممنهج وتعزز من الهيمنة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.
ختام القول
تقليص المنطقة الإنسانية في غزة وزرع المستوطنات هما جزء من استراتيجية أكثر تعقيد تهدف إلى فرض مزيد من الضغط على الفلسطينيين وزيادة معاناتهم، هذا الوضع يتطلب تدخلاً دوليًا عاجلاً لإيجاد حل عادل ومستدام.، وإن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، ما يستدعي العمل الفوري من قبل المجتمع الدولي لضمان حقوق الفلسطينيين وإيقاف التوسع الاستيطاني، وإن دعم الفلسطينيين في نضالهم من أجل حقوقهم الأساسية والضغط على " إسرائيل" لوقف سياساتها التوسعية يمكن أن يسهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.