الوقت- يعيش الكيان الصهيوني حالة من القلق والتوتر المستمرين، حيث أصبح وجوده واستمراره محط تساؤل وتحدٍ، وخاصة مع تزايد قوة المقاومة الفلسطينية وتطور أساليبها، وفي خضم هذا الصراع، تبرز الضفة الغربية كنقطة محورية في هذا الصراع، حيث أصبحت هاجساً يؤرق قادة الاحتلال ومحل اهتمامهم، وقد تجلى هذا الهاجس مؤخراً في ظل الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، حيث شهدنا تضامناً قوياً من قبل أهالي الضفة الغربية مع إخوانهم في غزة، لقد خرجوا في مسيرات حاشدة ورفعوا الأعلام الفلسطينية، معبرين عن وحدتهم وتضامنهم مع غزة، و لقد أدرك الفلسطينيون في الضفة الغربية أن صمودهم ومقاومتهم هي مفتاح التحرير، وأن دعمهم لإخوانهم في غزة هو واجب وطني وإنساني، حيث إن الضفة الغربية، بموقعها الجغرافي الاستراتيجي ، تشكل تهديداً وجودياً للاحتلال، فهي تمثل عمقاً استراتيجياً للفلسطينيين، وتعد مركزاً للمقاومة والنشاط السياسي والاجتماعي، ومن هنا، يحاول الكيان الصهيوني جاهداً السيطرة على الضفة الغربية وتهجير سكانها الأصليين، ولكن دون جدوى.
الكيان الصهيوني وهاجس الضفة الغربية
أعربت تل أبيب عن قلقها من عودة العمليات الاستشهادية في الضفة الغربية، وذلك في ظل الكشف عن تفاصيل جديدة حول انفجار تل أبيب الذي وقع مساء الاثنين، وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إلى أن هذا الهجوم يذكرنا بأيام ذروة الانتفاضة الثانية.
وأوضحت الصحيفة أن جيش الاحتلال والمستوطنين يواجهون منذ فترة طويلة تحدي القنابل المزروعة على جوانب الطرق والألغام في الضفة الغربية، لكن وصول هذه المواد إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948 يذكرنا بأخطر الظروف التي واجهناها خلال الانتفاضة الثانية.
وترى الصحيفة العبرية أن الضفة الغربية تتحول تدريجياً إلى ساحة مسلحة بشكل أكبر، حيث تعمل ورشات تصنيع المتفجرات هناك على قدم وساق، وفي الأيام الأخيرة، لم تعد قوات جيش الاحتلال تواجه فقط القنابل المزروعة على جوانب الطرق أو تلك التي يتم رميها تجاههم، بل هناك أيضاً مجموعة من القنابل المدفونة تحت الأرض على طول مسار تحركات قوات الجيش، ووفقاً لصحيفة "أحرونوت"، وقع انفجار قبل خمسة أيام في مركبة مفخخة في منطقة الخليل جنوب الضفة الغربية، وكانت تلك المركبة معدة للقيام بعملية.
الضفة الغربية على صفيح ساخن
تشهد الضفة الغربية في الآونة الأخيرة حالة من التوتر والغليان، في ظل تصاعد العمليات ضد أهداف الكيان الصهيوني، والتي أربكت حسابات الاحتلال وأثبتت أن المقاومة الفلسطينية لا تزال قوية وفاعلة، فماذا تعني هذه التطورات، وما هي دلالاتها؟
أولاً، يجب فهم السياق الذي تأتي فيه هذه العمليات، لقد جاءت كرد فعل طبيعي على جرائم الاحتلال المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، حيث ارتكب الكيان الصهيوني مجازر مروعة بحق المدنيين العزل، كما أنها تأتي في ظل استمرار الاحتلال في سياساته القمعية في الضفة الغربية، بما في ذلك التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي واعتقال الفلسطينيين.
ثانياً، تحمل هذه العمليات دلالات مهمة على صعيد المقاومة الفلسطينية، فهي أولاً تدل على قدرة الفلسطينيين على مقاومة الاحتلال رغم كل إجراءاته الأمنية المشددة، وثانياً تدل على تطور أساليب المقاومة وتبنيها لاستراتيجيات جديدة، فعلى سبيل المثال، شهدنا في الفترة الأخيرة عمليات إطلاق نار من سيارات متحركة، وهو تكتيك جديد يصعب على الاحتلال التعامل معه.
ثالثاً، يجب الانتباه إلى دور الشباب الفلسطيني في هذه العمليات، فمعظم المنفذين كانوا من الشباب الذين ولدوا ونشؤوا تحت الاحتلال، ما يدل على استمرار روح المقاومة لدى الأجيال الجديدة ورغبتهم في التحرر من نير الاستعمار، حيث إن هؤلاء الشباب، بجرأتهم وإصرارهم، يمثلون طليعة المقاومة الفلسطينية ويحملون لواء التحرير.
رابعاً، لا يمكن تجاهل تأثير هذه العمليات على الكيان الصهيوني، فهي أولاً تسبب حالة من الرعب والذعر لدى المستوطنين، الذين يشعرون بأنهم غير آمنين حتى في قلب الضفة الغربية، كما أنها تضع ضغوطاً على الحكومة الصهيونية، التي تواجه انتقادات داخلية لفشلها في توفير الأمن للمستوطنين.
في هذا السياق يجب التأكيد على أن هذه العمليات هي جزء من مقاومة شعبية شاملة ضد الاحتلال، فهي لا تقتصر على العمل المسلح فقط، بل تشمل أيضاً المسيرات السلمية والاحتجاجات الشعبية وحركة المقاطعة العالمية، وإن هذه المقاومة الشاملة هي التي ستقود في النهاية إلى تحرير فلسطين وعودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
فشل الأجهزة الأمنية الصهيونية
أكدت الصحيفة أن أكبر مخاوف المؤسسات الأمنية هي عودة "إسرائيل" إلى ظروف الانتفاضة الثانية، حيث يمكن أن يؤدي وصول القنابل إلى عمق "إسرائيل" إلى إلحاق ضربات لا يمكن إصلاحها في بنية المجتمع الإسرائيلي، ونشر موجة من الرعب والذعر في صفوفهم.
تجدر الإشارة إلى أن القناة 12 الإسرائيلية، نقلاً عن تحقيقات أجهزة الأمن الإسرائيلية، أفادت بأن القنبلة التي انفجرت يوم أمس في تل أبيب كانت تحتوي على 8 كيلوغرامات من المواد المتفجرة.
ووفقاً لوسائل الإعلام العبرية، لم يكن لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أي معلومات عن أنشطة الشخص الذي كان يحمل القنبلة.
ومن جانبه، أعلن رئيس شرطة تل أبيب مساء الاثنين خلال مؤتمر صحفي أنه بسبب نقص المعلومات، لم يتم استجواب أي شخص في هذا الصدد، وأنهم يعتمدون كلياً على الأدوات التكنولوجية لمعرفة المسار الذي سلكه منفذ الهجوم للوصول إلى مكان الحادث.
وأكد أنه لم يكن لمنفذ الهجوم أي سجل في قواعد بياناتهم، ومع ذلك، لا يعتقدون أن هناك شركاء له وأن لديه نية لتنفيذ عملية أخرى، ومع ذلك، شدد على أنه لو انفجرت القنبلة في مكان مغلق، لكنا شهدنا خسائر فادحة، وكان من الممكن أن تتحول إلى حادثة مروعة للغاية.
الضفة تكشف المستور
"فشل ذريع" هي الكلمات التي يمكن أن تصف بها حالة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الصهيونية في ظل العمليات الأخيرة في الضفة الغربية، ولقد أصبح من الواضح أن الكيان الصهيوني، رغم كل ادعاءاته بالتفوق الأمني والاستخباراتي، قد فشل فشلاً ذريعاً في منع هذه العمليات، ما يثير تساؤلات حول قدراته الاستخباراتية ومدى فعالية أجهزته الأمنية.
ففي الأسابيع الأخيرة، شهدت الضفة الغربية سلسلة من العمليات النوعية ضد أهداف صهيونية، والمثير للاهتمام أن معظم هذه العمليات نفذها أفراد لم يكونوا على رادار الأجهزة الأمنية الصهيونية، ما يشير إلى وجود ثغرات استخباراتية كبيرة، ويعزو الخبراء هذا الفشل إلى عدة عوامل، منها أولاً قدرة المقاومة الفلسطينية على التخفي وتجنيد عناصر جديدة غير معروفة للأجهزة الأمنية.
ثانياً، فشل الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية في اختراق صفوف المقاومة والحصول على معلومات استخباراتية دقيقة. ثالثاً، ضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية الصهيونية المختلفة، ما يؤدي إلى ثغرات أمنية يستغلها المنفذون، كما أن العمليات الأخيرة كشفت أيضاً عن قصور في التعامل مع المعلومات الاستخباراتية، ففي بعض الحالات، كانت هناك معلومات مسبقة عن نية تنفيذ عمليات، ولكن الأجهزة الأمنية فشلت في اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنعها، وهذا يثير تساؤلات حول مدى كفاءة هذه الأجهزة وقدرتها على التعامل مع التهديدات الأمنية.
إن فشل الاستخبارات الصهيونية في الضفة الغربية له تداعيات خطيرة على الكيان الصهيوني، فهو أولاً يهز صورة الردع التي يحاول الاحتلال ترويجها، ويثبت أن المقاومة الفلسطينية قادرة على اختراق منظومته الأمنية، وثانياً، يزيد من حالة الذعر والقلق لدى المستوطنين، الذين يشعرون بأنهم غير محميين من قبل أجهزتهم الأمنية.
وفي الختام، يبدو أن الكيان الصهيوني، رغم كل ادعاءاته بالتفوق الأمني، قد فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وإن هذه العمليات البطولية هي دليل على أن إرادة المقاومة أقوى من أي إجراءات أمنية، وأن تحرير فلسطين هو مسألة وقت لا أكثر.