الوقت– بعد العملية اليمنية دون طيار المفاجئة على عاصمة الأراضي المحتلة، زعمت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها يوم الأحد الماضي أن البيت الأبيض يقوم بحملة سرية لمنع موسكو من إرسال صواريخ إلى جماعة أنصار الله اليمنية، الذين ينفذون هجمات ضد السفن في البحر الأحمر، ونقلت هذه الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أن هذه الجهود الدبلوماسية تشمل الاستعانة بدولة ثالثة لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم مرافقة إيران في تقديم الأسلحة لليمنيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن المعلومات الواردة تشير إلى أن موسكو ربما تخطط لتقديم دعم عسكري لليمن، وأكد المسؤول الأمريكي أن التحذيرات التي أصدرها قائد القيادة المركزية الأمريكية تثير التساؤل حول ما إذا كان البيت الأبيض يفعل ما يكفي لوقف الهجمات على الممرات المائية.
وحسب هذه الصحيفة، فإن تعزيز علاقات روسيا مع كوريا الشمالية وإيران، والسعي للحصول على مساعدة الصين في تعزيز الصناعة الدفاعية، أثار قلق المسؤولين الأمريكيين العميق، ونقلت هذه الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين زعمهم أن قرار روسيا تسليح صنعاء يظهر تصاعد مواجهتها مع واشنطن، بعد أن كانت تدور فقط حول الصراع في أوكرانيا.
الادعاء بأن روسيا تقدم الدعم المسلح لجماعة أنصار الله اليمنية لتنفيذ عمليات بحرية وجوية ضد مصالح "إسرائيل" وبعض الدول الغربية في البحر الأحمر، في حين فشلت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى الداعمة للكيان الصهيوني في القيام بواجبها لتوفير الأمن لأسطول التجارة البحرية الصهيوني وهو أمر واضح للعالم في البحر الأحمر... قضية يبدو أنها حيرت المسؤولين في البيت الأبيض لدرجة أنهم وجهوا عدسة مكبرة إلى العلاقات بين صنعاء وموسكو لفك هذا اللغز.
ولم تقدم الولايات المتحدة أي وثائق تتهم فيها روسيا بدعم العمليات البحرية اليمنية في البحر الأحمر، والحجة الوحيدة للبيت الأبيض هي العلاقات السياسية بين صنعاء وموسكو، التي بعد الحرب في أوكرانيا، شهدت لقاءات بين قادة الجانبين، ويشار في هذا الصدد إلى زيارات مسؤولين يمنيين إلى موسكو، مثل زيارة وفد من أنصار الله إلى موسكو في يناير/كانون الثاني الماضي.
كما تم الاستشهاد ببعض التصريحات الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الرد على دعم الغرب الهائل للأسلحة لأوكرانيا، لإثبات دور موسكو في صراعات البحر الأحمر.
وفي تصريح له في يونيو/حزيران الماضي على هامش المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرغ، أكد بوتين: "إذا كان هناك من يعتقد أنه يستطيع إرسال أسلحة إلى منطقة العمليات القتالية لمهاجمة أراضينا بشكل مباشر والتسبب في مشاكل لنا، فلماذا لا نفعل مثله؟ لدينا الحق في شراء الأسلحة، وستتم مهاجمة تلك المناطق بنفس الطريقة التي قد يكون بها الرد غير متماثل مع مثل هذه التصرفات تجاه روسيا".
أمريكا تهدف إلى نشر الاتهامات ضد روسيا
ومن خلال اتهام روسيا بإثارة التوتر في البحر الأحمر، تحاول أمريكا تخفيف عبء هزيمتها أمام أنصار الله لأن فشل دولة تزعم أنها القوة العظمى في العالم منذ ثمانية عقود، من حركة ناشئة في اليمن تخضع لعقوبات واسعة النطاق منذ ما يقرب من عقد من الزمن، قد شوه الصورة العسكرية للولايات المتحدة في العالم، فأمريكا، التي اعترفت سابقًا بالقوة العسكرية لأنصار الله وتعتبر عملياتها في البحر الأحمر أكبر تحدٍ بحري لها بعد الحرب العالمية الثانية، تريد أن تقول للعالم إنها لا تقاتل اليمنيين في المنطقة، ولكنها تزعم أن روسيا متورطة بشكل غير مباشر في الحرب، لأنها بهذه الحجة الكاذبة، إذا لزم الأمر، يمكنها أن تنسب هزيمتها أمام اليمنيين إلى روسيا وهذا الأمر سيقلل من عبء هيبته إلى حد ما.
إلا أن اللجوء إلى هذه السياسة الرثّة لن ينقذ أمريكا من الدوامة التي تعيشها لأن أنصار الله أثبتوا أنهم لا يتلقون مساعدة من أي دولة، وأن إنجازاتهم العسكرية تعتمد على القدرات المحلية التي تمكنوا من خلالها من تعزيز موقفهم ضد أعدائهم. وعلى الرغم من العقوبات واسعة النطاق على اليمن، فقد تمكن أنصار الله من تحقيق نجاح كبير في المجالات البحرية والبرية والجوية، والآن، بالاعتماد على هذه القوة العسكرية، قاموا بتضييق المجال أمام الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين.
فاليمنيون، الذين كانوا حتى سنوات قليلة مضت مسلحين فقط بالأسلحة الخفيفة ويقاتلون المعتدين، وصلوا الآن إلى النقطة التي يمكنهم فيها استهداف السفن الصهيونية وحتى السفن الأمريكية في البحر الأحمر، ويُظهر الكشف عن الصواريخ فوق الصوتية والغواصات المسيرة في الأشهر الأخيرة السرعة المذهلة لتطور الصناعات العسكرية في اليمن، الأمر الذي أذهل العالم تمامًا.
وأظهر هجوم الطائرات دون طيار على تل أبيب، والذي مر عبر منظومة القبة الحديدية، أن أنصار الله لديهم القدرة على استهداف عمق الأراضي المحتلة، وإن هذا الفشل المشين لأمريكا وحلفائها من حركة لا يمكن مقارنتها بالجبهة العبرية الغربية من حيث القوة العسكرية هو وصمة عار ستبقى على جبين واشنطن و"إسرائيل"، والهدف الآخر الذي تسعى أمريكا إلى اتهام روسيا به هو أنها تريد تجميل العلاقات بين موسكو والدول العربية في الخليج الفارسي، وتشعر أمريكا بالقلق من أن السعودية والإمارات طورتا علاقاتهما مع روسيا وحتى الصين في السنوات الأخيرة، وسلكتا طريق الابتعاد عن الغرب، ولهذا تحاول واشنطن خلق فجوة في هذه التحالفات بأي طريقة ممكنة.
بعد الحرب في أوكرانيا، كانت السعودية والإمارات العربية المتحدة تقف بشكل أكبر إلى جانب روسيا، وفي شكل أوبك+، رفضتا طلب الولايات المتحدة زيادة إنتاج النفط، ما أدى إلى ارتفاع أسعار ناقلات الطاقة في أوكرانيا، حتى إن بعض المصادر أعلنت أن الإمارات العربية المتحدة وقعت سراً اتفاقية أمنية مع الروس وتساعد الشركات الروسية على التحايل على العقوبات، ما يدل على أن علاقات موسكو مع شيوخ الخليج الفارسي أصبحت تحالفاً استراتيجياً.
ولذلك، يحاول مسؤولو البيت الأبيض التظاهر بأن روسيا عرضت أمن ومصالح العرب للخطر من خلال دعمها الكامل لأنصار الله، إن قيام أنصار الله بتنفيذ عمليات صاروخية في البحر الأحمر ضد السفن الصهيونية وداعميها الغربيين في خضم حرب غزة يشكل تهديدا لأمن الملاحة والتجارة العالمية في نظر الشيوخ العرب والغربيين، باعتبار أن التوتر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب يعتبر تهديدا كبيرا لصادرات الإمارات والسعودية النفطية، لذلك يحاول الأمريكيون إرسال رسالة للعرب بأن السبب الرئيسي للتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة هو روسيا وليس أمريكا.
ومع ذلك، فإن الجهود الأمريكية لاتهام روسيا بزعزعة الاستقرار في البحر الأحمر لن تنجح، لأنه ثبت للجميع أن السبب الرئيسي للترويج للحرب في المنطقة هو الولايات المتحدة التي تعمل على تأجيج نيران عدم الاستقرار في المنطقة بدعمها الواسع للكيان الصهيوني، لقد قال قادة صنعاء دائما إن المذنب الرئيسي للأزمة هي الولايات المتحدة، التي بدلا من تخفيف التوترات من خلال إيقاف الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، تساهم في انتشار الأزمة اكثر واكثر في الاراضي الفلسطينية.