الوقت - مع المتغيرات والتطورات العالمية، فإن عملية التعاون والتكتلات السياسية والاقتصادية تتغير أيضاً، وفي الوقت نفسه، أصبحت بعض الدول النامية، التي أهمل المستثمرون الدوليون أهميتها ومكانتها، محط اهتمام.
أحد هؤلاء اللاعبين الجدد هو العراق، الذي اجتذب العديد من الدول في المنطقة، وتدفقت أموال الدول الخليجية إلى هذا البلد بمعدل أسرع في العامين الماضيين، وفي هذا الصدد، تم عقد اتفاقيات بين بغداد وعرب المنطقة لتسهيل عملية الاستثمار.
في نيسان/أبريل، أعلنت وزارة التخطيط العراقية عن توقيع 12 مذكرة تفاهم مع السعودية لمشاريع استثمارية محددة، تهدف إلى زيادة التعاون في عدد من المشاريع الاستثمارية النوعية في العراق.
وفي عام 2022 أيضاً، أعلن صندوق الاستثمار الحكومي السعودي عن تأسيس شركة جديدة برأسمال 3 مليارات دولار للاستثمار في العراق، وهو جزء من خطة السعودية للاستثمار في 5 دول عربية، وتغطي هذه الاستثمارات مجالات مختلفة، بما في ذلك البنية التحتية والتعدين والزراعة والتطوير العقاري والخدمات المالية.
كما وقّعت السعودية عقداً لتصدير الكهرباء إلى العراق عام 2022، لتلبية جزء من احتياجات جارتها الشمالية من الكهرباء.
وأعدّ العراق، الذي يحتاج إلى رأس المال الأجنبي للخروج من وضعه الاقتصادي الصعب، مشروع قانون لدعم الاستثمار السعودي، بحيث يؤدي في حال موافقة البرلمان عليه، إلى تعزيز عملية التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وقال أحمد صدام الخبير الاقتصادي لـ"الخليج أونلاين": "هناك 13 اتفاقية بين العراق والسعودية، وهذا يعني أن إقرار القانون أعلاه سيرفع مستوى الاستثمارات السعودية في المستقبل، لأنه سيكون ضمانةً ويقيناً للمستثمرين السعوديين في العراق".
کما كثّفت الإمارات، وهي عضو آخر في مجلس التعاون، مؤخراً استثماراتها في العراق، وأعلنت استعدادها لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع بغداد في كل المجالات.
وقال وزير الدولة للتجارة الخارجية في الإمارات ثاني الزيودي في وقت سابق: "هناك رغبة متبادلة في تطوير العلاقات الاقتصادية بما يوفّر المصالح المشتركة، ويتيح المزيد من الفرص لرجال الأعمال والمجتمعات الخاصة".
كما أفادت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (WAM)، بأن هذا القطاع في الإمارات والعراق انعكس بشكل إيجابي على البنية التحتية غير النفطية، وتدفقات الاستثمار المتبادل.
وفي عام 2021، أعلنت أبوظبي أنها ستضخ استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار في العراق، ضمن جهد جديد لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين الشقيقين.
بدورها تدفقت الموارد المالية القطرية إلى العراق، بعد زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لبغداد في يونيو/حزيران من العام الماضي، وبعد ذلك، اتفقت 3 شركات قطرية وهيئة الاستثمار الوطني العراقي على تطوير مشاريع بقيمة 9.5 مليارات دولار في العراق، من بينها بناء محطتين لتوليد الكهرباء بقدرة إجمالية تبلغ 2400 ميغاواط.
وفي يوليو/تموز من العام الماضي، أبرمت قطر صفقةً كبيرةً عبر العراق مع شركة توتال للطاقة، بقيمة 10 مليارات دولار، في مشروع يهدف إلى إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية والغاز المحترق في حقول النفط.
وستكون مشاريع قطر الاستثمارية في العراق في مجالات النفط والكهرباء والمصافي والغاز ومشروع "مسار التنمية"، بالإضافة إلى ذلك، تم أيضًا تضمين بناء مدينتين نموذجيتين تتسعان لـ 50 ألف شخص في جدول أعمال البلدين.
في هذه الأثناء، نهضت تركيا، التي تنافس العرب على نفوذ واسع في المنطقة، للاستثمار في العراق، ففي الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، وقّع الجانبان "مذكرة تعاون مشترك في مشروع مسار التنمية" واتفاقيات تعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك التجارة والسياحة والتعليم، والشؤون الدينية والثقافية والإعلامية، والطاقة والصحة والتكنولوجيا والنقل والاستثمار والدفاع.
وفي هذا الصدد، قال رئيس مجلس الأعمال التركي العراقي: إن الاتفاقيات والمذكرات الموقعة بين البلدين، تعزّز العلاقات التجارية والاقتصادية، وتشجّع رجال الأعمال من الجانبين على الاستثمار.
الأهداف الاقتصادية أولوية العرب وتركيا
لا شك أن الموقع الجغرافي للعراق، يجعل هذا البلد في وضع جيد للمنافسة في التجارة العالمية ويربط أوروبا بآسيا، ومن هذا المنطلق، تحاول دول المنطقة استغلال إمكانيات بغداد لتولي زمام التجارة الإقليمية.
في العقد الأخير، بدأ نوع من المنافسة بين السعودية والإمارات، للتحول إلی القطب الاقتصادي الأول في المنطقة، ويحاول كل جانب التقدم على الآخر، من خلال جذب دول المنطقة إلى جانبهما في هذه الحملة.
من خلال تعزيز العلاقات مع العراق، تحاول السعودية بناء جسر نحو أوروبا، وتنفيذ جزء من التفاعلات التجارية من المحور الشمالي، حتى الآن، كان السعوديون يقومون بأعمالهم التجارية في جميع أنحاء العالم فقط من الخليج الفارسي والبحر الأحمر، ولكن الآن مع التغييرات والتطورات التي حدثت في العالم، فإنهم يخططون لتنويع ممراتهم التجارية، والعراق هو أحد هذه الخيارات، التي يمكن أن توصل السعوديين إلى تحقيق أهدافهم.
لقد استعادت ممرات السكك الحديدية مكانتها مرةً أخرى في عبور التجارة العالمية، ومن وجهة نظر الخبراء، فإن أي دولة تستولي على المزيد من الممرات يمكنها التحكم في التجارة العالمية، ولهذا السبب، استثمر الصينيون بكثافة في هذه الممرات، وتحاول الدول الأخرى أيضًا عدم التخلف عن الركب.
إن الاتصال الصناعي بين آسيا وأوروبا، يكمل جهود السعودية لربط التجارة الأفريقية مع آسيا وأوروبا، من خلال حزام العبور المعروف باسم "طريق التنمية"، الذي من شأنه أن يزيد التعاون والاستثمار الخليجي في العراق، وهذا الموضوع جعل السعوديين يفكرون في طرق بديلة، في وقت أصبح فيه البحر الأحمر غير آمن بسبب التوتر بين أنصار الله في اليمن والولايات المتحدة.
وقال سعد الحميد، الكاتب والمحلل السياسي السعودي، في هذا الصدد: "تتطلع المملكة العربية السعودية إلى تحقيق المناخ المناسب للاستثمار في دول الجوار، بما يساعد الرياض على تحقيق نتائج رؤية 2030".
کذلك، حاولت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت مركزاً اقتصادياً في الخليج الفارسي بفضل الاستثمارات الأجنبية، الاستفادة الكاملة من الممرات المختلفة في المنطقة في السنوات الماضية.
وکانت العضوية في الممر الممتد من الهند إلى أوروبا، ومحاولة استخدام الممرات البرية الإيرانية للوصول إلى آسيا الوسطى، جزءًا من جهود أبو ظبي لتنويع تجارتها مع دول المنطقة، وكان العراق الحلقة المفقودة الأخيرة لحكام الإمارات لتحسين وضعهم التجاري في المنطقة، من خلال الاستثمار في هذا البلد وتعزيز التجارة معه.
تتطلع أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية، إلى تعزيز وجودهما في مجال الطاقة المتجددة، حيث تريدان البقاء في اللعبة كشركتين عالميتين للطاقة، وخاصةً في إنتاج الطاقة الشمسية والهيدروجين للكهرباء ووقود وسائل النقل، ومن الضروري إيجاد سوق لهذه الأنشطة، ويمكن للعراق أن يكون عميلاً أولياً جيداً.
على الرغم من أن قطر دولة صغيرة في الخليج الفارسي، ولکن بفضل احتياطياتها الضخمة من النفط والغاز وكسب المزيد من الدخل من هذا القطاع، فإن الجيل الجديد من قادة هذا البلد، مثل الدول العربية الأخرى، يحاولون تحسين وضع الدوحة في النظام الدولي، ولهذا الغرض فإن موضوع الطاقة هو محور اهتمام حكام هذا البلد.
تعتزم شركة قطر للطاقة من خلال المشاركة في بعض المشاريع العالمية، أن تصبح أكبر شركة في العالم في مجال الغاز الطبيعي المسال خلال العقد المقبل.
ووقّعت قطر العديد من العقود مع دول كبيرة مثل الصين وألمانيا لنقل الغاز المسال، وتحاول السيطرة علی هذه السوق المربحة، وخطت خطوات كبيرة لتحقيق هذا الهدف من خلال تطوير بنيتها التحتية للطاقة.
ولذلك، ونظراً لامتلاكه احتياطيات نفطية كبيرة، يعدّ العراق إحدى المناطق التي تحاول الشركة القطرية السيطرة على قطاع الطاقة فيه، وحسب الخبراء، فإن قطر تمتلك الكثير من الإمكانيات المالية والعملية، وتستطيع أن تساهم كثيراً في نجاح مشاريع الطاقة في العراق، وسيكون لها الحصة الاستثمارية المطلوبة في المشاريع.
وبما أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قد وضع أيضًا سياسة التكامل العربي على جدول الأعمال في الأشهر الأخيرة، فإن هذه القضية تجعل الطريق أكثر سلاسةً أمام الشركات القطرية للتغلغل في العراق.
كان التوتر بين قطر ودول مجلس التعاون في يونيو/حزيران 2017، والذي أدى حتى إلى قطع العلاقات السياسية التي دامت أربع سنوات، تجربةً جيدةً لحكام الدوحة، الذين توصلوا إلى نتيجة مفادها بأن عليهم إخراج أنفسهم من قبضة سياسات السعودية والإمارات، ولتحقيق هذا الهدف دخلوا من البوابات المالية.
كما صممت تركيا خططًا لدخول العراق، وتحاول هذه الدولة استخدام موارد هذا البلد من النفط والغاز لتطوير اقتصادها الضعيف، من خلال الاستثمار في قطاعات مختلفة من العراق.
تركيا بحاجة ماسة إلى النفط والغاز العراقي، وتحاول إقناع الحكومة المركزية بتصدير النفط والغاز من خلال الاستثمار في هذا القطاع، وتستطيع تلبية جزء من احتياجاتها بهذه الطريقة، وأيضًا، بسبب تحسن العلاقات مع الدول العربية، تتطلع تركيا إلى الاتصال بالخليج الفارسي عبر الممرات العراقية، وتسهيل التجارة مع الشركاء العرب.
ومن ناحية أخرى، فإن مشروع طريق التنموية، الذي سيربط البصرة بالموصل بشبكة واسعة ويتصل في النهاية بتركيا، سيحدث تحولاً في التجارة الإقليمية.
تلعب تركيا دورًا رئيسيًا في ربط الممرات الشرقية والغربية، ويمكنها تحسين موقعها الجيوسياسي من خلال ربط طرق النقل العربية بأوروبا، وتحقيق أرباح ضخمة من التجارة بين الدول.
ومن ناحية أخرى، فإن تركيا التي تعارض الخطة الأمريكية لبناء ممر "الهند-الشرق الأوسط-أوروبا"، تحاول ربط عرب الخليج الفارسي بأوروبا باستخدام ممرات السكك الحديدية العراقية، وإفشال المشروع الأمريكي الذي كان يهدف إلى تجاوز تركيا.
الأهداف السياسية للعرب
على الرغم من أن نية مشيخات الخليج الفارسي هي تطوير البنية التحتية في العراق، إلا أن وراء هذه الخطط الاقتصادية هناك أيضًا مصالح سياسية.
إن عرب المنطقة الذين يلعبون في الملعب الأمريكي، بدؤوا مشروع تقليص نفوذ إيران في العراق منذ سنوات، والبرنامج الذي فشلوا في تنفيذه عبر "داعش" في العراق، يريدون الآن إعادته إلى الواجهة من خلال الاستثمار في البنية التحتية، وجعل العراق معتمداً على مشيخات الخليج الفارسي، لتخفيف عبء اعتماد هذا البلد على إيران.
ويعدّ التعاون في قطاع إمدادات الكهرباء في العراق، والذي ظلّ على جدول أعمال مجلس التعاون لعدة سنوات، جزءاً من مشروع الحدّ من نفوذ إيران، التي تزوّد العراق حالياً بمعظم كهربائه.
تحاول أمريكا عرقلة العلاقات الاقتصادية الكبيرة بين إيران والعراق، ودفع بغداد نحو إمداد الكهرباء عبر الدول الخليجية، وكذلك دخول المستثمرين العرب إلى السوق العراقية، هو سيناريو واشنطن المتمثل في قطع 3 مليارات دولار من دخل إيران من مبيعات الكهرباء إلى العراق، لكن حتى الآن لم ينجح هذا الأمر.
ومن ناحية أخرى، فإن الدول الخليجية تعتبر نفوذ إيران وجماعات المقاومة في العراق، تهديداً لمصالحهم ومصالح الغرب، ولذلك يحاولون الدخول من البوابة الاقتصادية وتنفيذ مخططاتهم.
وهذه القضية تثير قلق الجبهة العربية-الغربية بعد حرب غزة، حيث اكتسبت جماعات المقاومة المزيد من القوة في المنطقة، وبالتالي يحاولون عرقلة نفوذ طهران في المنطقة.