الوقت- لم يكن مستبعدا عن الولايات المتحدة الأمريكية استخدامها حق النقض (الفيتو) للمرة الثالثة في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة حيث أكدت واشنطن بهذا مدى انحيازها وتأييدها المطلق لهذا الكيان، حتى في انتهاكاته الصارخة للقانون الدولي وأمام أعين الدول التي طالما نادت ب"الديمقراطية" و"العدالة" و"حرية الشعوب".
وجدد المشروع دعوته إلى وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق إلى قطاع غزة وجميع أنحائه وتقديم ما يكفي من المساعدات الإنسانية بشكل عاجل ومستمر وبالحجم المناسب إلى المدنيين الفلسطينيين كما رفض مشروع قرار التهجير القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين، وكرر مطالبة جميع الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن.
من جهته شدد السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع على أن الوقت قد حان "لكي يتوقف العدوان"، ويتم تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء غزة، وأضاف: إن وقف إطلاق النار وحده هو ما يحقق الهدف المنشود، مشيرا إلى أن قراري مجلس الأمن السابقين 2712 و2720 لم يحققا النتائج المرجوة، متابعاً: إن رسالة بلاده هي أنه يتعين على المجموعة الدولية أن تتجاوب مع مطالب وقف القتل الذي يستهدف الفلسطينيين، من خلال المطالبة بوقف إطلاق النار فورا، مشيرا إلى أنه "على من يعرقل ذلك أن يراجع سياساته وحساباته لأن القرارات الخاطئة اليوم تحصد منطقتنا والعالم نتائجها غدا، عنفا وعدم استقرار".
في حين زعمت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد أن مشروع القرار الذي عُرض على المجلس، لم يكن ليحقق هدف السلام المستدام بل قد يتعارض مع ذلك، وأضافت إن "المضي قدما في التصويت اليوم كان مجرد تمنيات وغير مسؤول" مشيرة إلى المفاوضات الدائرة حول إطلاق سراح الرهائن، ومشروع القرار الأمريكي الذي من المتوقع أن يُعرض للتصويت لاحقا أمام المجلس قائلة: "بينما لا يمكننا دعم قرار من شأنه أن يعرض المفاوضات الحساسة للخطر، فإننا نتطلع إلى المشاركة في نص (مشروع قرار) نعتقد أنه سيعالج الكثير من المخاوف التي نشترك فيها جميعا، وهو نص يمكن وينبغي أن يعتمده المجلس بحيث يمكننا التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن بناء على صيغة تتضمن إطلاق سراح جميع الرهائن".
بينما قال السفير رياض منصور، المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة: إن استخدام حق النقض ضد مشروع القرار هذا ليس أمرا مؤسفا فحسب، وإنما أيضا هو "أمر متهور وخطير للغاية، فهو يحمي إسرائيل مرة أخرى حتى عندما ترتكب أكثر الجرائم إثارة للصدمة، بينما يعرض الملايين من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء لغضبها والمزيد من الفظائع التي لا توصف".
وأضاف: إن "إسرائيل" ليست هي من ينبغي أن تحظى بحماية حق النقض، بل إن الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين هم الذين يجب أن يتمتعوا بالحماية من خلال تحرك هذا المجلس الآن مؤكدا أنه فقط من خلال وقف إطلاق النار "يمكننا أن نعطي فرصة للحياة"، ولتنفيذ قراري مجلس الأمن 2712 و2720، ولوصول المساعدة الإنسانية إلى الملايين من الأشخاص اليائسين المحتاجين، وللسماح للأونروا ووكالات الأمم المتحدة الأخرى لإيصال المساعدات المنقذة للحياة، "وفرصة لجهودنا الجماعية لرسم طريق نحو العدالة والسلام".
وشدد منصور على أنه من دون وقف إطلاق النار، "لن تنتهي أي من الفظائع، وستستمر إسرائيل في نشر الموت والدمار والخراب" مؤكدا على أن مجلس الأمن، بفشله في المطالبة بوقف إطلاق النار، "فإنه لن يعتبر مقصرا في أداء واجباته فحسب، بل سيعتبر أيضا عاملا في تمكين ارتكاب أفظع الجرائم التي نشهدها هذه الأيام في غزة".
من جانبه، قال سفير الكيان الصهيوني "جلعاد إردان" إن وقف إطلاق النار في غزة سيحقق "شيئا واحدا فقط هو بقاء حماس وسيمثل حكما بالإعدام على العديد من الغزاويين والفلسطينيين" حسب قوله، زاعما أن وقف إطلاق النار اليوم من شأنه أن يبقي حماس في السلطة ويسمح للحركة بإعادة تنظيم صفوفها، وبذلك ستكون "محاولتها التالية لارتكاب إبادة جماعية ضد الإسرائيليين مجرد مسألة وقت وليس إذا ما كانت ستحدث".
من جهته أعرب السفير جانغ جون الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة عن خيبة أمل بلاده وعدم رضاها بشأن نتيجة التصويت. وقال إن "ما دعا إليه مشروع القرار المقدم من الجزائر نيابة عن مجموعة الدول العربية، قائم على أدنى متطلبات الإنسانية وكان يستحق دعم جميع أعضاء المجلس" لافتا إلى أن نتيجة التصويت تظهر بشكل جلي أن المشكلة تتمثل في استخدام الولايات المتحدة للفيتو بما يحول دون تحقيق إجماع في المجلس، وأضاف: إن الفيتو الأمريكي يوجه رسالة خاطئة تدفع الوضع في غزة ليصبح أكثر خطورة.
ورفض السفير الصيني "الادعاء" بأن مشروع القرار يقوض المفاوضات الجارية لإطلاق سراح الرهائن، وقال "بالنظر إلى الوضع على الأرض فإن استمرار التجنب السلبي للوقف الفوري لإطلاق النار لا يختلف عن منح الضوء الأخضر لاستمرار القتل".
في حين رأى السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن "الولايات المتحدة تسعى إلى التستر على أقرب حليف لها في الشرق الأوسط وكسب الوقت حتى يتمكن من استكمال خططه غير الإنسانية في غزة لإخراج الفلسطينيين من القطاع وتطهيره بشكل كامل"، مضيفاً: إن المسؤولية الكاملة عن العواقب تقع على عاتق واشنطن، مهما حاولت الولايات المتحدة "التهرب منها من خلال الحديث عن جهود الوساطة المهمة" التي تقوم بها.
بدا جليا أن المطالبات والتوقعات بأن تقوم امريكا بالضغط على "إسرائيل" أو التخلي عنها لا تتعدى كونها أمنيات لا تستند إلى معطيات سياسية، وإدراك لطبيعة العلاقة الخاصة التي تحكم البلدين فهي غير قادرة على وقف الحرب في غزة، أو وقف إمداد الكيان الصهيوني بالأسلحة والمساعدات، والوقوف معها في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار يهدف إلى إدانتها.
