الوقت– لقد مر أكثر من عامين منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، والآن أصبحت الصين أول دولة كبرى تتخذ خطوات حاسمة فيما يتعلق بالوضع القانوني للحكومة الأفغانية الجديدة، وبعد استقباله ممثلا لطالبان، قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ رسميا أوراق اعتماد سفير ممثل أفغانستان، وإن لقاء ممثل طالبان بالرئيس الصيني واستلام أوراق الاعتماد يعني في الواقع اعتراف بكين بحكم طالبان في كابول، والآن، أعلنت وزارة خارجية حركة طالبان في أفغانستان أن "مولوي أسد الله" أصبح سفيرًا فوق العادة ومفوضًا لأفغانستان في الصين.
في الوقت نفسه، رفض "وانغ وين بين"، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، موضحا أن بكين حافظت دائما على علاقات دبلوماسية مع كابول، ورفض القول ما إذا كانت بكين اعترفت بحكم طالبان أم لا، واصفا ذلك بأنه " الترتيبات الدبلوماسية العادية".
منذ سيطرة طالبان على كابول، أبقت الصين وباكستان وروسيا والعديد من الدول الأخرى في المنطقة سفاراتها نشطة في أفغانستان، وفي الوقت نفسه، سيطرت حركة طالبان تدريجياً على مختلف البعثات الدبلوماسية الأفغانية في الخارج، وخاصة في الدول المجاورة، ونتيجة لهذا فإن حركة طالبان الأفغانية لديها حالياً سفارات نشطة في 14 دولة، بما في ذلك باكستان وأوزبكستان وطاجيكستان، رغم أن الحكومات المضيفة لا تزال صامتة بشأن الاعتراف بحركة طالبان.
تقدم الصين في المنطقة
ومع اعتراف الحكومات الأجنبية بطالبان، هناك احتمال أن يتم رفع العقوبات المصرفية المفروضة على الحكومة التي تتخذ من أفغانستان مقرا لها والتي تقودها طالبان، وأن تتمكن طالبان من الوصول إلى أصول البنك المركزي الافغاني التي تبلغ قيمتها حوالي 7 مليارات دولار، وفي خضم هذا الاحتمال، أعلنت بكين للدول الأخرى أن حكم طالبان في أفغانستان لا يمكن إنكاره، وأن أفغانستان لا يمكن عزلها عن المجتمع الدولي، والحقيقة أن الصين، من خلال توليها زمام المبادرة باعتبارها واحدة من الدول الست المجاورة لأفغانستان وكقوة كبرى، أظهرت لبلدان أخرى أنها تتحرك في الاتجاه المعاكس للغرب، وفي الوقت نفسه، تخضع حكومة طالبان لأشد العقوبات من الغرب، لكن الصين تتجه نحو الاعتراف بطالبان.
ويأتي تقارب الصين مع حركة طالبان الأفغانية في الوقت نفسه الذي تشهد فيه العلاقات بين حركة طالبان الأفغانية وباكستان توتراً شديداً، ومع الهجمات التي يشنها المسلحون داخل باكستان وعبر الحدود مع أفغانستان وفي أعقاب طرد اللاجئين الأفغان من باكستان، أصبحت العلاقات بين حكومتي إسلام أباد وكابول الآن متوترة بشدة، ومن الواضح أن أحد أسباب عدم سعي طالبان إلى فرض سيطرتها على الحدود الباكستانية كان طرد اللاجئين الأفغان من باكستان وغضب حكومة طالبان من هذا الإجراء، وبهذه الشروط، أعلنت باكستان أيضاً أنها لن تدافع عن قضية الاعتراف بحركة طالبان الأفغانية على المستوى الدولي، وفي هذه الأثناء، يبدو أن الصين هي الجارة الرائدة لأفغانستان، التي تتجه نحو الاعتراف بحكم طالبان، كما أن طالبان سعيدة أيضاً بالتحرك الصيني.
ثقة الصين في السيطرة على الإرهاب
وتستطيع الصين أن تعمل على زيادة قوتها الناعمة في أفغانستان من خلال تحركها الجريء بقبول سفير طالبان في بكين رسمياً، وأكد ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرسمي باسم طالبان، على قناة إكس أن الصين فهمت شيئًا ما، لكن بقية العالم لم يفهمه، وسيحدد الوقت مدى أهمية دعم بكين.
ومن ناحية أخرى، من خلال التقرب من طالبان، ستقضي بكين على إمكانية استخدام الأراضي الأفغانية ضد الصين، ويشعر جميع جيران أفغانستان بالقلق إزاء وجود مجموعات إرهابية مختلفة في مناطق مختلفة من هذا البلد، وخاصة بالقرب من الحدود، ولذلك فكرت الصين في تحسين أمن حدودها مع أفغانستان من خلال تعزيز علاقاتها مع حركة طالبان، حيث إن منع التهديدات الأمنية المحتملة من أفغانستان هو أولوية بكين، وحتى دول مثل روسيا والولايات المتحدة أعربت عن مخاوفها بشأن الجماعات الإرهابية المتمركزة في أفغانستان، والصين لديها مخاوف مماثلة، والآن، ستكون هذه المخاوف أقل بالنسبة لبكين بسبب قربها من طالبان.
ومن خلال التفاعل النشط مع طالبان وزيادة نفوذها في كابول، تستطيع بكين أن تبدأ تعاونًا ثنائيًا في الحرب ضد الإرهاب بين الصين وأفغانستان كلما لزم الأمر، حتى أن بكين، التي تشعر بالقلق إزاء حركة تركستان الشرقية الإسلامية، طلبت المساعدة من الحكومة الأفغانية السابقة، وفي الأساس، تريد الصين منع أي عدوى للأنشطة المسلحة من أفغانستان إلى منطقة شينجيانغ داخل حدودها.
حصة بكين الاقتصادية
وتهتم بكين أيضًا بقطاعات التعدين والتصنيع والزراعة والخدمات، وتمتلك أفغانستان موارد معدنية قيمة مثل النحاس والليثيوم والعناصر الأرضية النادرة، وهي ضرورية للصناعات الصينية، ومع الاعتراف الأجنبي بطالبان، تأمل الصين أن يتم رفع العقوبات المفروضة على حكومة طالبان حتى يتمكن رجال الأعمال الصينيون من التحرك نحو الاتفاقيات والعقود الدولية في أفغانستان، ومن الناحية الإستراتيجية، تستطيع أفغانستان أن تربط الصين بغرب ووسط آسيا، والواقع أن حكومة طالبان الحالية في أفغانستان تخطط لإنشاء طريق للوصول إلى الصين على طول ممر واخان، وهو طريق قد يكون أقصر من الطرق الحالية القادمة من الأراضي الباكستانية.
وفي الوقت نفسه، على مدى السنوات القليلة الماضية، حاولت بكين توسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) في مبادرة الحزام والطريق (BRI) لزيادة الروابط التجارية مع أفغانستان، وقال نويد علي شيخ، الباحث ومحلل العلاقات العسكرية، لـ”العربي الجديد”، إنه بسبب تأخر مشاريع الصين الاقتصادية في باكستان والقضايا الأمنية في أفغانستان، سارع الصينيون إلى الاتصال بطالبان بعد سقوط حكومة أشرف غني، وبعد هذه المكالمة أيضاً حصل أول تصدير من أفغانستان إلى الصين في أكتوبر 2021، والمفاجأة أن 40 طنا من بذور الصنوبر الأفغاني وصلت إلى الصين جوا.
وتتطلع الصين أيضًا إلى بعض موارد الطاقة في أفغانستان، حيث وضعت شركة شينجيانغ للنفط والغاز في آسيا الوسطى (CAPIEC) الصينية أنظارها على حقول النفط والغاز آمودريا في غرب أفغانستان، والتي تخلت عنها الولايات المتحدة، ووقعت اتفاقية استكشاف مدتها 25 عامًا مع طالبان.