الوقت - ما من حكومة أو منظمة أو هيئة أو أي فعالية أخرى إلا وسجلت موقفاً لها من العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة، وهناك هيئات إسلامية عدة في مقدمتها جامع الأزهر واتحاد علماء المسلمين، أعلنت عن دعمها الكامل للشعب الفلسطيني ونضاله، وذلك فور إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى".
الأزهر الشريف سارع لتأكيد موقفه بأنه "يعزي العالم الصامت في ضحايا فلسطين الأبرياء ويحيي صمود الشعب الفلسطيني الأبي ويدعو الله أن يلهمهم الصمود في وجه طغيان الصهاينة وإرهابهم والصمت المخجل للمجتمع الدولي".
موقف الأزهر من العدوان
في بيان للأزهر نشره على صفحته بموقع إكس، قال: إنه "يتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة في شهداء الأمة الإسلامية والعربية شهداء فلسطين الأبية الذين نالوا الشهادة دفاعا عن وطنهم وأمتهم وقضيتنا وقضيتهم قضية شرفاء العالم القضية الفلسطينية ويدعو الله أن يلهم الشعب الفلسطيني الصمود في وجه طغيان الصهاينة وإرهابهم"، مطالباً المجتمع الدولي "بالنظر بعين العقل والحكمة في أطول احتلال عرفه التاريخ الحديث احتلال الصهاينة لفلسطين"، ومؤكدا أنه "وصمة عار في جبين الإنسانية والمجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين حينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية".
وقد دعا الأزهر الشريف بعد عملية طوفان الأقصى حكومات الدول العربية والإسلامية إلى المسارعة لمد يد العون للفلسطينيين في مواجهة الحرب التي تشنها "إسرائيل" عليهم، وأن تسخر تلك الحكومات إمكاناتها وثرواتها ومصادر قوتها لنصرة غزة، مشيدا بالأبطال في غزة، ومخاطباً إياهم بالقول: "تواجهون بإيمانكم البوارج وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ وتتصدون لها من منصة الإيمان بالله غير خائفين ولا متذللين".
موقف الأزهر من الاحتلال وقواته كان واضحا وحاسما، إذ يصف جيش الاحتلال بالإرهابي الذي تجرد من كل معاني الأخلاق والإنسانية، واستباح شتى الجرائم الوحشية؛ من قصف للمستشفيات، وتدمير المساجد والكنائس، وقتل الأطفال والنساء ومراسلي الصحف والمواطنين الأبرياء.
ودعا الأزهر الشريف في أعقاب المجزرة التي اقترفها جيش الاحتلال بمستشفى المعمداني في غزة، الأمة الإسلامية إلى أن تستثمر ما حباها الله به من قوة وأموال وثروات، وما تملكه من عُدة وعتاد، وأن تقف به خلف فلسطين وشعبها المظلوم، الذي يواجه عدوا فقد الضمير والشعور والإحساس، وأدار ظهره للإنسانية والأخلاق، وكل تعاليم الرسل والأنبياء.
علماء الأزهر على ثقة بهزيمة المحتل وداعميه، وقد أكدوا على أنه يتوجب على الفلسطينيين أن يثقوا بأن الغرب بكل ما يملك من طاقات عسكرية وآلات تدميرية ضعيف وخائف حين يلقاكم أو تلقونه، فهو يُقاتل على أرض غير أرضه، ويدافع عن عقائد و(أيديولوجيات) بالية، داعيا الفلسطينيين إلى الصمود في وجه هجمات إسرائيل "الوحشية البربرية"، وعدم السقوط في فخ "الوهن" أمام من وصفهم بـ"وحوش الأدغال".
الهجوم على الأزهر
مواقف مثل مواقف الأزهر تجاه الصهاينة لن تروق إطلاقا لكيان الاحتلال، لذا بدا طبيعيا أن تُشنّ الحملات ويبدأ التحريض على إمام الأزهر وعلمائه، إذ شكل دور الأزهر في دعم القضية الفلسطينية منذ "طوفان الأقصى" وحتى قبله في رفض التطبيع مبررا لهجوم إسرائيلي على المشيخة، وصل حد اتهام شيخ الأزهر بـ"الحض على الكراهية"، وأن الأزهر الذي يقود نظاما تعليميا فيه حوالي مليوني طالب "يشجع على الخطاب العدائي لإسرائيل"، وفق ما ذكرت وسائل إعلام تابعة للكيان.
الأزهر الشريف سجل مواقف داعمة للقضية الفلسطينية بعد عملية "طوفان الأقصى"، ففي اليوم الأول من العملية أصدر بيانًا أعرب فيه عن دعمه لجهود المقاومة، مطالبًا بـ "تقوية أيادي الشعب الفلسطيني"، كما تواصل شيخ الأزهر هاتفيًا في اليوم الثاني للعملية مع رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية، وأكد له وقوفه إلى جانب القضية.
وفي اليوم العاشر من العملية، أطلق بيت الزكاة والصدقات التابع للأزهر حملة "أغيثوا غزة"، تحت شعار "جاهدوا بأموالكم و انصروا فلسطين"، كما نظم المصلون في الجامع الأزهر بالقاهرة مظاهرة حاشدة دعمًا للقضية الفلسطينية.
ويطالب الأزهر بشكل متواصل بـ"إجراء تحقيق دولي في جرائم الاحتلال"، يؤكد على الدوام أن "ترك الفلسطينيين أرضهم يمثل زوالا للقضية إلى الأبد"، ويستمر بتوجيه نداءات دولية لوقف العدوان، إدانة محاولات التهجير والتطهير العرقي والإبادة الجماعية واستهداف النازحين العزل.
مجلة الأزهر نظمت بدورها ندوات لدعم فلسطين، منها ندوة "الصمود الفلسطيني في مواجهة البطش الصهيوني، ودور الأزهر الشريف في دعم القضية"، وندوة "واقع القضية الفلسطينية بين التهجير والتصفية"، ونشرت أعدادا خاصة عن القضية، وأصدرت مطبوعات عديدة، منها: توصيف عداوة اليهود، والموجز في تاريخ القدس، والصهيونية العالمية.
كما أعلن مجمع البحوث الإسلامية عن إطلاق مبادرة عالمية لدعاة العالم الإسلامي ومبعوثي الأزهر لدول العالم، وأطلق حملة توعية بعنوان "وعد الله" لدعم المسجد الأقصى والمقدسات والوقوف ضد محاولات تهويدها، ونشر تحت اسم "كتاب وكاتب" سلسلة من الكتب لدعم القضية الفلسطينية، كان منها: "القدس بين الحق الإسلامي والمزاعم الصهيونية" و "عودة القدس" و"القدس بين اليهودية والإسلام"، كما نظم المجمع حملات توعوية وأكاديمية لتوعية الأئمة والدعاة ووعاظ الأزهر وواعظاته عن القدس والقضية الفلسطينية.
كان آخر الإصدارات كتاب "الإمام ورد المزاعم الصهيونية"، الذي قدم توثيقًا لمقولات شيخ الأزهر أحمد الطيب، في صورة ردود على 18 من "المزاعم الصهيونية" حول القضية الفلسطينية، وكان هذا الكتاب أحد الأسباب الرئيسة الدافعة للهجوم الصهيوني على الأزهر.
يقول عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الدكتور محمود مهنا عن أسباب الهجوم الإسرائيلي مؤخرًا على الأزهر وشيخه أحمد الطيب، إن "إسرائيل تحاربنا حربًا دينية، وهي تعلم تمامًا سمعة الأزهر العالمية ودوره الوطني في دعم القضية، ومن هنا يحاربون الأزهر وشيخه وكل من ينصر فلسطين أو له موقف جاد ومجاهد في سبيل الدين والقضية".
وأضاف مهنا إن "موقف الأزهر من فلسطين يبقى شوكة في ظهر إسرائيل، التي تعتبره أقوى من يحمل موقفًا مناصرًا لفلسطين، من شيخ الأزهر لأصغر تلاميذه، وبالتالي هم يريدون القضاء على هذا الدور".
وقد رد مهنا على الادعاءات الإسرائيلية بشأن المناهج التعليمية الأزهرية، وبأنها تحض على الكراهية والعنف، فقال إن "الأزهر جامع وجامعة، يدرس علوم الدين والتاريخ والفلسفة والجغرافيا وغيرها، ومن هذا المنطلق تسعى إسرائيل للقضاء على هذا الدور وعلى جيل الأزهر"، مشيرًا إلى أن "المناهج الأزهرية كلها تدرس بالأدلة على أن إسرائيل دولة احتلال، والقضاء عليها واجب لا بد أن يكون".
هذا الدور الذي ينهض به الأزهر في التصدي للصهاينة والحض على التصدي لهم ومقاومتهم دفع بهيئة صهيونية كمعهد دراسات وأبحاث الأمن القومي الإسرائيلي ليطالب في تقرير له بـ"كبح جماح الأزهر، وتقويض سمعته دوليًا، ووقف دعمه وتمويله، بما في ذلك التلويح بالمساعدات الأمريكية المقدمة لمصر".