الوقت– رغم أنه يمكن تشجيع قادة السعودية بعدم إفراغ خزائن الدولة من إيداع أموال النفط من مكاسب النفط غير المتوقعة، إلا أن سلطات الرياض أدركت تدريجياً حقيقة أن هذه الدورة التي تدوم مئة عام تقريباً لن تستمر حتى وقت طويل ومع كل المحيط النفطي تحت أقدامهم، فإن انخفاض قيمة وأهمية الذهب الأسود في السوق ليس ببعيد بعد تطوير الطاقة المتجددة، ولهذا السبب، بدأت سلطات الرياض، في عهد محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وفي إطار برامج التنمية الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط، بإيجاد طرق بديلة للعائدات النفطية الغنية، لكن هذا السؤال الجوهري كان دائما أمام المخططين الاقتصاديين السعوديين، كيف يمكن إيجاد بديل لمليارات الدولارات من النفط والصناعات المرتبطة به مثل البتروكيماويات في هذا المناخ الجاف الذي يفتقر إلى الماء؟
ورداً على هذا السؤال، فإن أحد الخيارات الرئيسية التي تحظى باهتمام القادة السعوديين، والتي تم تناولها أيضاً بالتفصيل في وثيقة رؤية البلاد 2030، هو مسألة السياحة وإيرادات السياحة، والتي تهدف إلى تحويل السياحة إلى المصدر الثاني من الدخل بحلول عام 2030، والآن تطور الوضع إلى درجة أن السلطات السعودية تعلن عن تقدم سريع في تحقيق أهداف الرؤية حتى أكثر من التوقعات الأولية التي وردت في الخطط.
وفي 30 أكتوبر 2023 (10 شعبان 1402) أعلنت وزارة السياحة السعودية أن هذه الدولة وصلت إلى المركز الثاني على مستوى العالم من حيث معدل نمو عدد السياح القادمين في الأشهر السبعة الأولى من عام 2023 ، وفي هذا الصدد، أعلن وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب أن المملكة ستختتم العام (2023) بنحو 30 مليون سائح دولي، وهو ما يقارب نصف هدفها المتمثل في جذب 70 مليون سائح أجنبي بحلول عام 2030، وفيما يتعلق بتعزيز هذا الهدف لعدد الرحلات السياحية السنوية حتى عام 2030، قال الخطيب إن المملكة وصلت إلى هدفها المتمثل في 150 مليون رحلة سنويا مقارنة بـ 100 مليون رحلة في البرامج السابقة، وهدف آخر هو تحقيق توزيع متساو حيث تم الإبلاغ عن 75 مليون سائح دولي و 75 مليون زائر محلي.
وفي وقت سابق، قال في كلمته في حفل افتتاح يوم السياحة العالمي في سبتمبر 2023، إن المملكة تخطط أيضًا لزيادة حصة هذا القطاع من 70 إلى 80 مليار دولار في الاقتصاد بحلول عام 2030. وحسب إحصاءات البنك المركزي السعودي، فقد بلغ هذا الفائض نحو 37 مليار ريال في الربع الأول من العام الجاري نتيجة النمو الكبير في إيرادات السياحة الواردة بنحو 225 في المئة مقارنة بالربع الأول من عام 2022.
السعودية تصل إلى 65 مليون سائح في 2022
ووفقا لتقرير منظمة السياحة العالمية الصادر في مايو 2023، سجلت السعودية نموا بمقدار 16 نقطة في مؤشر دخل السياحة الدولي ووصلت إلى المركز 11 في عام 2022، فيما احتلت المرتبة 27 عالميا في عام 2019، وعليه، فقد بلغت حصة السياحة في محفظة دخل الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدولة 6% في عام 2023، وهو ما يظهر اتجاها تصاعديا مقارنة بـ 4% في عام 2022 و3% في عام 2019، وذلك للوصول إلى الهدف الرئيسي المتمثل في الوصول إلى 10 نسبة الناتج المحلي الإجمالي في تحقيق وثيقة رؤية 2023.
ورغم أن القادة السعوديين يتحدثون حاليا عن تقدم كبير في جذب السياح ونظروا في ترتيبات مختلفة، بما في ذلك تسهيل إصدار التأشيرات السياحية وتنظيم مهرجانات دولية مختلفة بحضور فنانين غربيين وأمريكيين بارزين، إلا أن معظم السياح ما زالوا في القائمة، وحسب إحصائيات سلطات الرياض، فإن السياح المحليين هم إجمالي عدد السياح الدوليين الذين سافروا إلى السعودية عام 2022، حسب التقرير الذي نشرته منظمة السياحة العالمية، 16.6 مليون سائح.
وعن الزيارات الترفيهية (غير الحج) أوضح عبد الهادي أنها تشكل نسبة كبيرة من الزيارات في المملكة، وأضاف: هذا النوع من الزيارات نما بسرعة كبيرة منذ عام 2020، بحيث ارتفع بنسبة 119% تقريبًا، وتبلغ حصة هذه الفئة من الزيارات حوالي 38% من إجمالي الزيارات، ما يوضح أهمية الزيارات الترفيهية في المنطقة واستراتيجية السياحة السعودية ورغم أن هذه الإحصائية تظهر نمو الدخل من السياحة الترفيهية السعودية، إلا أنها تظهر حقيقة أن سياحة الحج لا تزال تضم حصة كبيرة من محفظة دخل السياحة السعودية.
مشاريع سياحية ترفيهية كبيرة في المملكة العربية السعودية
يتجه قطاع الترفيه في المملكة العربية السعودية بقيادة تركي آل الشيخ نحو تحول كبير لجعل المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر الوجهات السياحية في العالم وفقًا لغالبية سكان هذا البلد من الشباب (أحدث دولة في العالم)، والإمكانات الطبيعية للسياحة السعودية ليست قليلة، مثل المدن الساحلية الكبيرة على شواطئ البحر الأحمر، والمناطق الجبلية العالية، والمراكز التاريخية القديمة مثل مدينة العلا والصحاري البكر، ومع ذلك، ومن أجل تحقيق أهداف رؤية 2030، وضعت السلطات السعودية خططًا ترفيهية طموحة على جدول الأعمال.
بالإضافة إلى المواسم الترفيهية مثل موسم الرياض وموسم جدة والعديد من الفعاليات الأخرى، مشاريع مثل مدينة نيوم المستقبلية، ومشروع البحر الأحمر، وحديقة الملك سلمان، ومشروع "الدرعية" العملاق الذي تبلغ مساحته 7 كيلومترات مربعة في غرب المدينة، ريا، مشروع الكدية، الهيكل المتقدم أعلاه، مركز الترفيه الكبير "الابن"، وما إلى ذلك، كلها مدرجة على جدول أعمال البناء، وتحاول السعودية أيضًا إنشاء مدن منتجعية وتطوير الجزر والوجهات السياحية لتناسب السياح الأجانب، وتم اتخاذ العديد من المبادرات لتطوير الجزر السياحية القديمة مثل جزر فرسان وتطوير الشواطئ.
ومن بين أمور أخرى، أدرج محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، مؤخراً، المخطط العام لمشروع تطوير منطقة السودة (جنوب غرب) تحت عنوان قمم السودة كوجهة سياحية متقدمة على أعلى المستويات، قمة المملكة على ارتفاع 3015 متراً فوق سطح البحر، ويتضمن المخطط العام لمشروع السودة 3 مراحل رئيسية، ومن المتوقع الانتهاء من المرحلة الأولى في عام 2027. وتشمل المرحلة الأولى تطوير 940 غرفة فندقية و391 وحدة سكنية و32 ألف متر مربع من المساحات التجارية.
لكن بالإضافة إلى إجراءات البنية التحتية في مجال تسهيل وصول السياح، اتخذ السعوديون أيضًا إجراءات مهمة، بما في ذلك برنامج الربط الجوي برحلات مباشرة جديدة بين جدة والرياض مع مراكز حول العالم مثل الدار البيضاء وبروكسل وبكين، وحسب وزير السياحة السعودي الخطيب: "إن توسع الطبقة المتوسطة في الهند والصين سيشجع بالتأكيد المزيد من السفر"، وفي أكتوبر/تشرين الأول، كشفت المديرية العامة للطيران المدني في المملكة العربية السعودية عن استراتيجية جديدة تسعى إلى جذب استثمارات بقيمة 100 مليار دولار بحلول عام 2030.
وهذا الأداء جعل تحقيق أهداف الرؤية 2030 في مجال السياحة أكثر تقدما من المجالات الأخرى في هذه الوثيقة، وأصبح جزءا متميزا من سياسات الإصلاح الاقتصادي التي ينتهجها ابن سلمان، وفي هذا الصدد، أكد زوراب بولوليكاشفيلي، الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية، في كلمته أمام مؤتمر يوم السياحة العالمي 2023 المنعقد بالرياض، أن السياحة السعودية تعد مثالاً ملهماً للدول الأخرى.
