الوقت- بعد ساعات فقط من توعد السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني بالانتقام لاغتيال نائب المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد صالح العاروري، قصفت صواريخ المقاومة قاعدة المراقبة الجوية التابعة للجيش الإسرائيلي المسماة "مارون" والتي تقع على قمة جبل الجرمق، والآن، وبعد أيام قليلة من هذا الهجوم، أصبحت أبعاد أهمية وتأثير هذه الضربة الاستراتيجية أكثر وضوحاً لتظهر تصميم حزب الله على تبني رد مناسب على هجمات الكيان على لبنان.
وخلال الأشهر الثلاثة التي مرت على حرب غزة وبالتوازي معها، شهد التوتر والصراع على الحدود الجنوبية للبنان بين حزب الله والجيش الصهيوني، تحول كامل المناطق الحدودية للأراضي المحتلة مع لبنان تقريباً إلى حرب وتعرضت العديد من القواعد والتحصينات العسكرية للجيش الصهيوني في هذه المناطق لهجوم من قبل مقاتلي المقاومة، لكن هذه كانت المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مركز الاستخبارات الاستراتيجية والقيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي في الجبهة الشمالية بهجوم صاروخي، حتى إن المراقبين السياسيين اعتبروا ذلك مؤشراً على دخول حزب الله إلى ساحة جديدة من المواجهة العسكرية مع الصهاينة.
قاعدة مارون: مركز الحرب الإلكترونية الإسرائيلي في المنطقة
وكتبت "الميادين الإنجليزية" عن موقع قاعدة مارون وأهميتها: "تقع قاعدة مارون على بعد 8 كيلومترات من الحدود الجنوبية للبنان وتطل على مدن رميش ويارون ومارون اللبنانية في الجزء الأوسط، وهي على قمة جبل الجرمق في شمال فلسطين المحتلة، وهو أعلى قمة في الأراضي المحتلة، وتعتبر هذه القاعدة المركز الوحيد لإدارة ومراقبة العمليات الجوية باتجاه سوريا ولبنان وتركيا وقبرص، بالإضافة إلى الجزء الشمالي من شرق البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه القاعدة قاعدة مركزية لتعطيل الحرب الإلكترونية على الطرق المذكورة بهدف تعطيل ومنع قوات المقاومة من استخدام معدات الاستطلاع لتنفيذ هجمات صاروخية أو طائرات مسيرة دقيقة ضد هذا الكيان، والتي تتم بتوجيهات ويعمل بها عدد كبير من نخبة الضباط والجنود الإسرائيليين".
ويقال إنه نتيجة لنشاط هذا المركز، تعطلت أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية بشكل كامل في الأسبوع الأول بعد عملية طوفان الأقصى.
كما أن الموقع الجغرافي لهذه القاعدة يوفر للنظام إمكانية المراقبة الرادارية والبث الإذاعي المباشر على جزء كبير من أراضي لبنان وسوريا، ونتيجة لذلك، تزايدت أهمية هذه القاعدة في السنوات الأخيرة بالنسبة للجبهة الشمالية للجيش الصهيوني، وخاصة مع توسع استخدام الطائرات دون طيار في العمليات العسكرية والتجسسية، وبرزت كمركز القيادة الأساسي للعمليات الجوية ضد "إسرائيل".
وتتيح الكاميرات العملاقة المتطورة وأجهزة المراقبة الحديثة لهذه القاعدة مراقبة استراتيجية لجزء كبير من الخط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة، كما تعتبر مركزا مهما لتتبع الاتصالات اللاسلكية لمقاتلي حزب الله والاستماع إليها، ولذلك فإن استهداف حزب الله لـ "مارون" يصبح ذا أهمية استراتيجية لإرساء الأساس لعمليات المقاومة القادمة وحتى تعطيل القدرة المحتملة للكيان الصهيوني على تنفيذ هجمات عسكرية وأنشطة تجسسية محددة في جنوب لبنان.
الأرستقراطية الاستخباراتية وشعار حزب الله الصاروخي
أكد الهجوم الناجح على قاعدة مارون بالجيل الجديد من الصواريخ الموجهة مرة أخرى قوة حزب الله الصاروخية وضعف قوة الدرع الدفاعي الصاروخي للكيان الصهيوني، ويقال إن صواريخ كورنيت التي يصل مداها إلى 10 كيلومترات استخدمت في هذا الهجوم. وكانت هذه الصواريخ قد أصبحت كابوسا لدبابات ميركافا الإسرائيلية في عام 2006، والآن يظهر حزب الله أنه اكتسب القدرة على الحصول على جيل جديد ومحسن من هذه الصواريخ.
وفي السنوات الأخيرة، تحدثت مؤسسات إعلامية وأبحاث غربية وصهيونية بارزة عن توسيع قدرة حزب الله الصاروخية في تحقيق التكنولوجيا الدقيقة، وفي فبراير 2022، أكد السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان، أن المقاومة اللبنانية حولت صواريخها إلى صواريخ نقطية على مر السنين، وهذه التكنولوجيا أصبحت الآن محلية وهي في أيدي مهندسي حزب الله.
والحقيقة أن الاستهداف الدقيق لقاعدة بهذه الأهمية تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات، والتي يتردد عليها قادة الجيش الصهيوني بانتظام، يظهر أنه لم يعد هناك أي مكان آمن داخل الأراضي المحتلة من صواريخ حزب الله.
وفي السنوات الماضية، أنفقت "إسرائيل" الكثير من الأموال لتطوير قدرة الدرع الدفاعي الصاروخي بطبقات مختلفة، والذي يسمى عمومًا بالقبة الحديدية، لكن رغم مليارات الدولارات التي أنفقها الصهاينة لتحديث وتطوير القدرة الدفاعية الصاروخية، بالتوازي مع التقدم السريع لفصائل المقاومة في المجال الصاروخي، إلا أن القبة الحديدية أظهرت نفاذية وضعفاً كبيراً في حروب السنوات الأخيرة، وعلى سبيل المثال، خلال الـ90 يوماً التي تلت الحرب، منذ بداية عملية اقتحام الأقصى، تمكنت صواريخ فصائل المقاومة الفلسطينية من اختراق الأجواء واستهداف عمق الأراضي المحتلة عدة مرات.
ومن أوضح حالات العيوب التي سجلتها كفاءة منظومة القبة الحديدية في الحرب الأخيرة على غزة، عدم القدرة على استهداف قذائف الهاون عيار 120 ملم أو أقل، وذلك بسبب قصر مسافة هذه القذائف، ومن الطبيعي أن ترسانة حزب الله الصاروخية لا يمكن مقارنتها بقدرات حماس والجهاد الإسلامي، كما أن السلطات اللبنانية لديها قدرة أعلى على تحدي أنظمة الدفاع الإسرائيلية، حيث تسبب هجوم حزب الله الأخير على قاعدة ميرون في استفزاز أفيغدور ليبرمان، رئيس الحزب الصهيوني" إسرائيل هي وطننا"، والذي بدوره قال: يجب أن نستعيد قوة الردع الإسرائيلية التي وصلت إلى الصفر.
إن حزب الله أظهر قدرته على تدمير منظومات القبة الحديدية، وعلى سبيل المثال، أعلن حزب الله يوم الاثنين 19 كانون الأول (ديسمبر) (29 كانون الأول) أنه استهدف منصتين للقبة الحديدية في مستعمرة كابري شمال "إسرائيل" بالمدفعية و"الصواريخ" بكل دقة وحققت أهدافها، وهناك مسألة أخرى فقد أربك حزب الله قادة الجيش الصهيوني بشأن استهداف قاعدة المارون، لعدم فهم كيفية تحديد حزب الله للموقع الدقيق لهذه القاعدة على عمق 8 كيلومترات في الأراضي المحتلة.
واعتقد الجنرالات الإسرائيليون أن مقراتهم كانت بعيدة عن متناول المقاومة إلى حد كبير، لكن الهجوم على القاعدة وفشل الصهاينة في التحليل الصحيح لقدرات قوة المراقبة والمراقبة وثراء البنك أثبت أهداف حزب الله، إلى جانب قوته الصاروخية، أظهر حزب الله أيضًا أنه حقق تقدمًا كبيرًا في مجال الطائرات دون طيار، وكمثال على قدراته في خضم التوترات الحدودية بين حزب الله والكيان الصهيوني، نفذت المقاومة بثلاث طائرات مسيرة عملية استطلاع ناجحة على حقل غاز صهيوني كبير.
لذلك، ونظراً لأبعاد الهجوم الصاروخي الذي شنته المقاومة وأعمت عين المراقبة الإسرائيلية في الحدود الشمالية، فإن على الصهاينة الآن أن يختاروا بين الصمت في مواجهة هذا الهجوم المهين أو التحرك نحو رد لا يعرفون عواقبه ونتائجه.