الوقت- بينما يعيش أهل غزة وضعاً كارثياً جراء الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني منذ مئة يوم، ومع تحذيرات المنظمات الدولية من وضع إنساني أحمر وضرورة التعامل سريعاً مع مسألة تسهيل أمر إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الذي مزقته الحرب، يقوم الصهاينة في هذه الأثناء بتوجيه أصابع الاتهام إلى مصر، من أجل تبرئة أنفسهم في المحافل القضائية الدولية.
والشكوى التي قدمتها جنوب أفريقيا مؤخرا إلى محكمة لاهاي كانت مدرجة على جدول أعمال قضاة هذه المحكمة منذ يوم الجمعة، وفي مضمون هذه الشكوى، فإن الجرائم البشعة التي ارتكبتها تل أبيب منذ الهجوم لمنع دخول أي مساعدات إنسانية، سواء أكانت غذائية أو دوائية، لأكثر من مليونين من سكان غزة، تُذكر على أنها جرائم حرب وإبادة جماعية.
والآن، تشعر حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، بالقلق من إصدار حكم مؤقت ضد هذا الكيان، ولهذا السبب، لجأت إلى اتهام جهات أخرى من أجل تهميش جلسات محكمة لاهاي.
ولذلك، ففي جلسة محكمة لاهاي يوم الجمعة، زعم أحد أعضاء الفريق القانوني للكيان الصهيوني خلال التماسه أن مصر مسؤولة عن معبر رفح وتفاقم الوضع الإنساني في غزة، وادعى هذا المحامي الصهيوني أن "إسرائيل" لم تمنع دخول المساعدات، وأن مصر كان بإمكانها مساعدة غزة منذ اليوم الأول للحرب.
وقد أثار مثل هذا الادعاء رد فعل حادًا من قبل السلطات في القاهرة، التي اعتبرت هذا الكلام بمثابة افتراء لا أساس له من الصحة، وفي هذا الصدد، رد ضياء رشوان، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، على ادعاء الصهاينة، قائلا: "لقد أكد جميع المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، عشرات المرات في تصريحات علنية منذ بداية غزو غزة، أنه لن يُسمح بدخول المساعدات إلى غزة، وعلى وجه الخصوص، لن يقدموا الوقود".
وأشار رشوان إلى أن حكومة الاحتلال عندما وجدت نفسها متهمة أمام محكمة العدل الدولية، التي وثقت الأدلة على هذه الجرائم، لجأت إلى اتهام مصر في محاولة للهروب من إدانتها المحتملة من قبل المحكمة، ومن المعروف أن مصر لها السيادة فقط على الجانب المصري من معبر رفح، بينما الجانب الآخر منه في غزة يقع تحت سيطرة "إسرائيل"، التي توقف دخول المساعدات منه فعلياً.
وأكد هذا المسؤول المصري أن "ما يؤكد سيطرة الجيش الإسرائيلي على تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة وعرقلتها المتعمدة هو طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن [من تل أبيب] فتح معبر كرم أبو سالم في غزة لتسهيل دخولها"، وفي نهاية تصريحه قال رشوان: "إذا كانت السلطات الإسرائيلية تريد حقاً دخول الغذاء والمعدات الطبية والوقود إلى غزة، فإن لديها ستة معابر من أراضيها مع قطاع غزة، وعليها فتحها فوراً لدخول المساعدات الإنسانية وليس للتجارة".
كما نفت السلطات الفلسطينية مزاعم الصهاينة، وحسب وكالة سبوتنيك، قال فاسيل أبو يوسف، عضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن الكيان الصهيوني مسؤول عن حصار الشعب الفلسطيني وعدم إدخال المعدات الطبية والغذاء والوقود إلى غزة، وأكد: "حكومة نتنياهو مسؤولة عن كل الكوارث الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، بما في ذلك سياسة القتل والدمار والتجويع والإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية والقدس، لكنها تحاول الهروب من مسؤوليتها في محكمة لاهاي".
تفنيد الحجة ضد مصر
ومن أجل الهروب من اتهامات محكمة لاهاي، رمى الكيان الصهيوني الكرة في أرض مصر ليتظاهر بأن السبب الرئيسي للأزمة الإنسانية في غزة هو المصريون، ولتبرئة نفسه، ورغم أن أحكام محكمة العدل الدولية نهائية وغير قابلة للاستئناف، إلا أنه لا سبيل لتنفيذها أو إلزامها بالامتثال لها، إلا أن إصدار حكم ضد الكيان الصهيوني سيكون له سابقة قانونية، ما يعمق عزلة الكيان الصهيوني، ويشوه صورة تل أبيب أكثر من أي وقت مضى، وسوف تكون في مكروهة بين العالم.
ولذلك، ومع ادعاء تل أبيب واتهام الجانب المصري، فقد طرح التساؤل حول ما إذا كانت القاهرة ستفتح أبواب رفح لغزة من أجل إثبات بطلان اتهامات الكيان الصهيوني أم لا؟
منذ بداية اجتياح الجيش الصهيوني لغزة، ثارت التساؤلات حول قرار مصر بعدم إعادة فتح معبر رفح وتقديم المساعدات لسكان غزة، حتى مع حصار غزة حتى نفى وزير الخارجية المصري سامح شكري ذلك في في مقابلة مع شبكة سي إن إن، وأكد أن معبر رفح كان مفتوحا دائما، لكن تل أبيب لا تسمح بدخول المساعدات.
وبعد أن اتهم الفريق القانوني للكيان الصهيوني مصر بمنع دخول المساعدات إلى غزة، بادر عدد كبير من الشخصيات العربية البارزة إلى نشر منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي وطالبت القاهرة بإجبار المساعدات المصرية على دخول غزة، وإذا حال دون ذلك، فسوف يكون من الواضح أن المذنبين الرئيسيين للأزمة الإنسانية في غزة هم المحتلون.
وفي السياق نفسه، قال علاء الخيام، رئيس الحزب الدستوري السابق، لـ”العربي الجديد”، إن “مصر، بالنظر إلى موقعها ودورها التاريخي، يجب أن تتخذ القرار المناسب لدعم ومساعدة قضية فلسطين. كلنا نعلم أن حكومة الاحتلال تكذب، لكن هذه الفرصة أتيحت لمصر لفتح المعبر وإرسال مساعدات إنسانية وطبية ومعالجة الجرحى وفرض قرارها المستقل على الحدود، دون أن يكون لحكومة الاحتلال أي رد فعل".
وقال الكاتب الفلسطيني طلال عوكل في حديث لـ”العربي الجديد”: “من الواضح أن إسرائيل فقدت توازنها وتبحث عن لوح خشبي للنجاة من فضيحة جرائمها. يجب الرد علنا على هذه الافتراءات".
ونظرا لموجة المعارضة العالمية لجرائم الكيان الصهيوني واحتمال صدور حكم مؤقت من محكمة لاهاي ضد الإبادة الجماعية في غزة، تحاول سلطات تل أبيب تخفيف الضغوط القضائية ضدها من خلال تقديم مثل هذه الادعاءات وفتح طريق المساعدات من رفح.
وحسب ادعاء السلطات الصهيونية في محكمة لاهاي، فإن أي ذريعة قد أزيلت عن كاهل المصريين، وهم الذين كانوا حتى الآن يعتبرون الصهاينة عقبة كبيرة في طريق إرسال المساعدات الإنسانية، يمكنهم الآن، بإعادة فتح معبر رفح، إيقاف البضائع خلف أبواب هذا المعبر، ووصولها إلى أهل غزة، وفي هذه الحالة، إذا استمر الصهاينة في التعطيل، فإن الهجوم العالمي ضد هذا الكيان سيزداد في محكمة لاهاي، وإصدار حكم مؤقت بشأن الإبادة الجماعية في غزة ليس بعيدا، كما أعربت وسائل الإعلام العبرية عن قلقها بشأن هذه المسألة، لأن غزة الآن في أسوأ حالة إنسانية والصور ومقاطع الفيديو المنشورة تستحضر في الأذهان مشاهد مروعة، ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، فقد تم تهجير ما يقرب من مليوني شخص.
ووصف مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، المشاهد المروعة التي شهدها زملاؤه في شمال غزة، في كلمته أمام مجلس الأمن الجمعة، داعيا إلى اتخاذ قرارات عاجلة لإنهاء الحرب في غزة، وقال إن الجثث المتروكة على الطرق، والأشخاص الذين تظهر عليهم علامات المجاعة الواضحة ويوقفون الشاحنات بحثًا عن أي شيء للبقاء على قيد الحياة، هي الحياة اليومية لسكان غزة.
أكثر من 23 ألف شهيد، ومليوني و300 ألف مشرد، وتدمير معظم البنية التحتية المدنية، والنقص الحاد في المياه والغذاء والدواء، هي من تبعات حرب 98 يوماً التي يشنها الكيان الصهيوني ضد شعب غزة في عام 2018، حيث إن إرسال المساعدات الإنسانية إلى شمال هذه المنطقة محدود والمساعدات الأجنبية لا تصل عمليا إلى المدنيين، الأمر الذي أكده غريفيث أيضًا، وقال إن جهود فريقه لإرسال قوافل إنسانية إلى شمال غزة قوبلت بالتأخير والنفي، وتعرضت سلامة عمال الإغاثة للخطر، ووصف كيان الرعاية الصحية في غزة بأنه "منهار"، وقال: "لا تستطيع النساء الولادة بأمان، والأطفال لا يتم تطعيمهم، والأمراض المعدية آخذة في الارتفاع، والناس يبحثون عن مأوى في ساحات المستشفيات".
أكدت معظم منظمات حقوق الإنسان والإغاثة مثل منظمة العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، أطباء بلا حدود، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، منظمة الصحة العالمية، الطبيعة الإجرامية للأعمال العسكرية التي يقوم بها الكيان الصهيوني، وأكد ذلك مدنيون وحتى موظفو المنظمات الدولية في غزة من خلال أدلة واضحة وموثقة تؤكد أن الصهاينة يتعمدون التسبب في معاناة وأضرار جسيمة للصحة الجسدية أو العقلية للسكان المدنيين في غزة.
إن قضية الإبادة الجماعية في غزة، التي فتحت أمام محكمة لاهاي ضد تل أبيب، هي فرصة جيدة لإدانة هذا الكيان في المحافل الدولية، والنظر في الأثر الإنساني والسياسي للأحداث في غزة والتحديات القانونية المعقدة الناشئة عن شكوى جنوب أفريقيا، ومن المرجح أن تكون هذه القضية في مركز الاهتمام الدولي، ومع صدور حكم مؤقت سيصبح الوجه الدموي للمحتلين أكثر وضوحا أمام العالم.