الوقت- على ضوء التقرير الذي نشرته تلفزيون "إن بي سي نيوز"، نقلاً عن مسؤول أمريكي كبير مرافق لوزير الخارجية أنتوني بلينكن في جولته بالشرق الأوسط، يُتوقع أن يشهد قطاع غزة انتهاء الحرب خلال الأسابيع القادمة، وذلك وفقًا لتصريحات المسؤول الأمريكي، وأكد المصدر الأمريكي أن وزير الخارجية سيطلع الحكومة الإسرائيلية خلال اجتماعات هذا الأسبوع على ضرورة إنهاء النزاع "في أقرب وقت"، مشددًا على ضرورة استخدام وسائل استهداف دقيقة لتقليل الخسائر المدنية، وعلى النقيض، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في بيان مشترك في وقت سابق أن الحرب في قطاع غزة لن تتوقف قريبًا، وستستمر لعدة "شهور"، في وقت سقطت فيه الولايات المتحدة و"إسرائيل" في بثر إجرامهما أمام العالم، بعد ارتكاب مثات المجازر التي أبادت أحياء بكاملها على رؤوس سكانها في غزة.
تناقض سياسيّ أمريكيّ
إنّ جولة وزير الخارجية الأمريكي تشمل السعودية والإمارات وقطر والأردن و"إسرائيل" والضفة الغربية ومصر، حيث يتناول بلينكن قضايا الحرب في قطاع غزة ويسعى للتوصل إلى حلول للتصعيد الحالي، وقد أعرب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض في تصريحاته الأخيرة عن رفضه لفكرة وقف إطلاق النار النهائي مع قطاع غزة، مع تأكيده على رفض التصعيد في النزاع في لبنان، وفي ظل التوترات بين حزب الله والكيان الصهيوني، وأعلن المتحدث عن قلق متجدد من تصاعد الصراعات في المنطقة، فيما أكد جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي، أن الولايات المتحدة تسعى إلى تجنب انتشار الصراع إلى لبنان، وأنها لا تدعم فكرة وقف إطلاق النار النهائي في قطاع غزة، ولكنها تؤيد وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.
لكن وفي تصريحاته، أشار كيربي إلى أن الولايات المتحدة تجري مفاوضات يومية مع شركائها في المنطقة بهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار إنساني جديد، مع التأكيد على أهمية التحرك في هذا الاتجاه، ورغم ذلك، لم يحدث أي تطور جديد حتى اللحظة، وفي سياق متصل، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن أكد استمرار دعمه العسكري للكيان، مع تعهده بتقديم الدعم حتى إزالة ما أسماه "تهديد" حماس في قطاع غزة، وبايدن قام بجهود حثيثة مع القطريين والمصريين والإسرائيليين لضمان إطلاق سراح الأسرى، مُعربًا عن استمرار التعاون في هذا السياق، مع التأكيد على مزاعم الحرص على الحفاظ على الأرواح وحذر من ازدياد الخسائر المدنية الكبيرة نتيجة للهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة، وفي تصريحه، قال بايدن حرفيا: "على إسرائيل أن تكون حذرة لأن الرأي العام العالمي قد يتغير بين عشية وضحاها"، وأضاف: "إن الولايات المتحدة نجحت في إخراج أكثر من 100 رهينة من غزة وستواصل الجهود لاستعادة الجميع".
ومن جهة أخرى، أقرت وزارة الخارجية الأمريكية بالبيع الطارئ لـ 14 ألف قذيفة دبابة بقيمة تزيد على 106 ملايين دولار لمصلحة "إسرائيل"، وفي إطار دعمها المستمر للكيان الصهيوني، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة، الذي قدمه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ورغم استمرار الهجمات الإسرائيلية والتصاعد الكبير في عدد الضحايا الفلسطينيين، يزعم بايدن أن إدارته تبذل جهودًا للتأثير على تل أبيب بهدف تقليل الخسائر المدنية، وفي هذا السياق، يسعى الرئيس الأمريكي لتحقيق هذا الهدف دون اللجوء إلى إجراءات قاطعة تجاه "إسرائيل" حليفه الأهم.
وعلى الجانب الآخر، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث أن رئيس الوزراء لا يواجه ضغوطًا دولية تؤثر على سياسات الكيان، وفي تصريحاته، حث المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك نائبة الرئيس كاملا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، تل أبيب على تنفيذ ضربات دقيقة أكثر، وخاصة في جنوب قطاع غزة، بهدف تجنب تكرار الخسائر الكبيرة بين المدنيين كما حدث في الهجمات السابقة، وبناءً على تقارير وزارة الصحة في غزة، ارتفعت حصيلة الشهداء إلى آلاف الأبرياء خلال الغارات الجوية الإسرائيلية منذ نهاية فترة الهدنة، وتشير الإحصائيات إلى زيادة هذا الرقم بشكل خطير، وذلك بعشرات أضعاف الضحايا خلال الأيام الأربعة التي تلت العملية العسكرية "طوفان الأقصى"، مع حديث مسؤولين أمريكيين أن الولايات المتحدة حاليًا لا تنوي فرض حظر على تسليم الأسلحة إلى "إسرائيل" أو الانتقاد الشديد لها، معتبرة استراتيجية التفاوض الهادئة وسيلة فعّالة لتحقيق تغيير في الأوضاع.
أمريكا والكيان عدو واحد
لا شك أنّ الفضائح والجنايات البشعة والجرائم وحملات الإبادة في غزة وضعت أمريكا وتل أبيب في موقف محرج أمام العالم، والغريب في الأمر أن تلك التسريبات تأتي في سياق استمرار الهجمات الجوية على غزة، حيث يستمر السكان في انتشال الجثث من تحت الأنقاض، ورغم هذا، تقوم الولايات المتحدة، بزيادة المساعدات المقدمة لتل أبيب، وتعتبر الولايات المتحدة دعمها للكيان غير قابل للتزعزع، ما يعني دعمًا غير محدود للأفعال التي تستهدف المدنيين.
والدليل ما أكدته منظمة العفو الدولية مرارًا أن الذخائر الأمريكية الصنع قادت إلى مقتل عشرات –إن نقل آلاف- من المدنيين في غارات جوية إسرائيلية في قطاع غزة، وأشارت المنظمة إلى تزويد الولايات المتحدة ل"إسرائيل" مئة قنبلة خارقة للتحصينات، بالإضافة إلى آلاف الأسلحة الأخرى، كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن القنابل الخارقة للتحصينات من نوع "بي ال يو-109" تم تزويد الكيان بها للاستخدام في الحرب ضد حركة حماس في غزة، ويبرز هذا الواقع التناقض بين الدور الأمريكي في تسليح "إسرائيل" وبين الالتزام بقيم حقوق الإنسان والأخلاق.
على الرغم من الانتقادات الموجهة إلى هذا الدعم، يظهر أن الدعم الأمريكي ل"إسرائيل" لا يزال قويًا ومستمرًا، ويشكل هذا الدعم جزءًا لا يتجزأ من العلاقات الثنائية التي تمتد على مدى العقود الستة عشر الماضية، والتي تعتبر واحدة من القضايا الرئيسية في الساحة السياسية في الشرق الأوسط، ويشمل هذا الدعم مساعدات مالية وعسكرية واسعة النطاق، منها الإمدادات العسكرية وبرامج التدريب والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، ويتم تبرير هذا الدعم بمراعاة تعزيز الأمان الإسرائيلي ودعم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في المنطقة، وهي أسباب تعكس التباين بين النهج الأمريكي والمواقف الإنسانية وحقوق الإنسان في هذا السياق.
واليوم، تحاول أمريكا الخروج من مستنقع غزة عبر التمهيد لانتهاء الحرب بعد أسابيع، لكن في نفس الوقت تعترف الإدارة الأمريكية بالدور المهم الذي تلعبه "إسرائيل" كحليف استراتيجي في المنطقة، ويثير الدعم الأمريكي ل"إسرائيل" استنكاراً واسعاً في الساحة الدولية، حيث يتهم بعض المنتقدين الولايات المتحدة بتقديم الدعم ل"إسرائيل" على حساب الحقوق الفلسطينية والعدالة الاجتماعية في المنطقة، وتتأرجح هذه القضية بين التأكيد على التزام الولايات المتحدة بأمان الكيان وارتكابه المجازر بحق الأبرياء وبين الانتقادات العارمة التي تطالب بالاهتمام بحقوق الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال.
النتيجة، إن هذه الحرب قد ألحقت ضرراً فادحاً بكرامة الصهاينة والأمريكيين، واستمرارها يمكن أن يوسع نطاق هذه الأضرار الجسيمة ل"إسرائيل" والولايات المتحدة، ويشعرون أنهم إذا لم يتراجعوا سيكونون أمام عواقب تاريخية، وإن التصريحات الأمريكية المسربة لا تعني أنهم مهتمون بأرواح الأبرياء، حيث يُعتبر الارتباط التاريخي بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" علاقة ذات تأثير كبير، وتظل الولايات المتحدة تقدم دعمًا قويًا ل"إسرائيل" على مستوى السياسة والجوانب العسكرية والاقتصادية، ويظهر هذا الدعم بوضوح من خلال مساعدات مالية كبيرة وتزويد بتكنولوجيا ومعدات عسكرية متقدمة، وهذا التحالف القوي على حساب دول المنطقة، فيما يستمر الصراع الفلسطيني مع الاحتلال لتحقيق الحرية والعدالة، ويثير هذا الدعم الأمريكي تساؤلات حول تأثيره على الوضع الإقليمي والدولي، حيث يسهم في استمرار الصراع وتصاعد التوترات في المنطقة، وفي حين تستمر هذه العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، يظل الشعب الفلسطيني يسعى إلى تحقيق حقوقه وتحرير أراضيه، في حين تعاني غزة من تأثيرات الدعم الأمريكي للكيان وتواصل الصراع وتدفع الثمن بالدم.