الوقت- ليس هناك أفق واضح لتنفيذ خطة مصر الثلاثية لوقف الحرب في غزة وتبادل الأسرى بسبب اختلاف الرأي بين فصائل المقاومة والكيان الصهيوني حول مستقبل هذا القطاع وإصرار الاحتلال على مواصلة المعركة حتى تحقيق الأهداف المعلنة، وفي الوقت نفسه الذي يدور فيه الصراع بين الجيش الصهيوني وحركة حماس في غزة، والذي خلف عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، تتواصل أيضا المشاورات الإقليمية لوقف الحرب، وفي واحدة من أحدث التحركات السياسية لهذا الغرض، قامت مصر باتخاذ مبادرة جديدة لدفع محادثات السلام، وطرحها على الأرض لتنفيذ خطتها للسلام "ذات المراحل الثلاث" إذا وافقت سلطات تل أبيب وقادة المقاومة الفلسطينية.
وفيما يتعلق بتفاصيل هذه الخطة، لم يرغب المصريون في الاعلان عن تفاصيل كاملة علناً، لكن مصدراً فلسطيني قال لصحيفة الشرق عن خطة القاهرة للسلام: "المرحلة الأولى تتضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النار في جميع أنحاء غزة من الجانبين، ستستمر خلاله القوات الإسرائيلية وستكون بعيدة عن التجمعات السكنية وتسمح للمواطنين والسيارات والشاحنات بالانتقال من جنوب غزة إلى شمالها. وأوضح المسؤول الفلسطيني أن هذا الإجراء يشمل أيضًا تعليق جميع أنواع الرحلات الجوية الإسرائيلية، بما في ذلك طائرات الاستطلاع، وتتزامن هذه الخطوة مع زيادة تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، بما في ذلك إلى المناطق الشمالية من قطاع غزة.
وتشمل المرحلة الثانية إطلاق سراح جميع المجندات المحتجزات لدى حماس مقابل إطلاق "إسرائيل" سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، وتشمل المرحلة الثالثة من الاقتراح المعدل إجراء مفاوضات لمدة شهر بشأن إطلاق سراح جميع الجنود الذين أسرتهم حماس مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، وستتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وإمكانية عودة اللاجئين، وحول العوامل التي تحدد تنفيذ هذه المبادرة، قال المصدر إنها تتضمن وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة قبل بدء تنفيذها لإتاحة الفرصة للاتفاق على أسماء المفرج عنهم في المرحلة الأولى والثانية.
وحسب رويترز، تتضمن الخطة أيضًا تشكيل "حكومة تكنوقراط" تكون مسؤولة عن إدارة المساعدات وإعادة بناء غزة وإجراء انتخابات تشريعية، وستحكم غزة والضفة الغربية "لفترة انتقالية" حتى تحل الفصائل الفلسطينية مشاكلها، وقد أثيرت الخطة المصرية بينما جرت محادثات غير مباشرة بين تل أبيب وقادة حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة في الأيام الأخيرة، وفي هذا الصدد، قال مسؤول في حماس لوكالة فرانس برس: "سيتوجه الجمعة القادمة وفد رفيع المستوى من المكتب السياسي لحماس إلى القاهرة للقاء المسؤولين المصريين وتقديم إجابات للفصائل الفلسطينية، بما في ذلك الاعتبارات المتعلقة بهذه الخطة".
الترحيب الواضح من الصهاينة ورفض الفلسطينيين
وبما أن بنود خطة السلام المصرية جاءت أكثر لمصلحة الكيان الصهيوني، فقد رحبت بها سلطات هذا الكيان، وعقدت حكومة الحرب الإسرائيلية اجتماعا مساء الاثنين الماضي لمراجعة الاقتراح المصري لإنهاء الحرب في غزة، حسبما صرح مسؤولون إسرائيليون لصحيفة وول ستريت جورنال، كما قال داني دانون، الممثل السابق للكيان الصهيوني في الأمم المتحدة، إن تل أبيب مستعدة لمناقشة الجزء الأول من الخطة فيما يتعلق بإطلاق سراح الأسرى مقابل أسرى فلسطينيين، وأكد دانون أن "الحكومة الإسرائيلية تدرس بجدية الاقتراح المصري، لأنها ترحب بفرصة إطلاق سراح السجناء".
ونظراً لأن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من العثور على معلومات حول مكان احتجاز أسراه في غزة خلال الأشهر الثلاثة الماضية وليس لديه أمل في إعادتهم، فإنه يحاول تحرير الأسرى الصهاينة من خلال وقف إطلاق النار، لأن موجة الضغوط الداخلية الرامية إلى إعادة الأسرى المتبقين في غزة، وعددهم 129 أسيراً، فضلاً عن العدد المرتفع من الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في العمليات البرية، والذي وصل إلى 160 جندياً، آخذة في التزايد، ولأن حكومة نتنياهو تتعرض لانتقادات واسعة النطاق.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقائه مع أهالي الأسرى، الخميس الماضي، أن هناك اتصالات مستمرة بشأن المفاوضات لإعادة الأسرى من غزة، لكنه لم يتمكن من الكشف عن التفاصيل، وقبل بضعة أيام، كشف الجيش الإسرائيلي أن حكومة نتنياهو أرسلت مؤخرا مسؤولا كبيرا إلى القاهرة للتفاوض على صفقة تبادل أسرى مع حماس.
إلى ذلك، تظهر تصريحات الصهاينة في الأيام الأخيرة أن سلطات تل أبيب تتشاور مع قيادات القاهرة لإضافة بعض البنود الأخرى إلى المبادرة المصرية، وفي هذا الصدد، زعم يوآف جالانت، وزير الحرب الصهيوني، الأربعاء الماضي، أنهم يتفاوضون مع الحكومة المصرية لبناء جدار خرساني ذكي بين غزة ومصر، وسيتم بناؤه بمساعدة مالية أمريكية، وكتبت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أيضًا في هذا الصدد: "سيكون هذا الجدار الذي يبلغ طوله 13 كيلومترًا مزودًا بتقنيات استشعار وكاميرات متقدمة وأدوات أخرى لمنع حفر الأنفاق بين غزة ومصر وسيوفر معلومات يومية عن حركة المرور حول الجدار والنفق المحتمل وعمليات الحفر، وستسلم للطرفين الإسرائيلي والمصري.
ورغم أن المصريين يحاولون وقف الحرب في غزة ومنع المزيد من تدهور الوضع الإنساني وتفاقم الأزمة، إلا أنه يبدو أن الحكومة الصهيونية المتشددة، التي تواجه انتقادات وضغوطات داخلية واسعة النطاق، ليست مستعدة للتحرك، ولهذا السبب، وعلى الرغم من الهزائم المتكررة للجيش الصهيوني ضد حماس، طرح نتنياهو مؤخراً ثلاثة شروط خيالية "تدمير حماس، ونزع السلاح الكامل، والقضاء على التطرف"، لوقف الهجمات على غزة، فإن احتمالات تحقيق السلام في الأيام المقبلة تواجه المستقبل بشكوك خطيرة.
لكن في المقابل، لم ترحب فصائل المقاومة الفلسطينية بالخطة المصرية، وحسب صحيفة الشرق الأوسط، قال عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحركة حماس: "لن تجري أي مفاوضات مع إسرائيل إلا بعد الوقف الشامل للحرب في غزة"، وأوضح الرشق في بيان له أن قيادة حماس تسعى إلى وقف حرب إسرائيل على غزة بشكل كامل وليس مؤقتا، وأشار إلى أن "الشعب الفلسطيني لا ينتظر وقف إطلاق نار مؤقت وسلاماً نسبياً لفترة قصيرة من الزمن، وبعد ذلك سيستمر العدوان".
وقال مصدران أمنيان مصريان لرويترز إن حماس والجهاد الإسلامي رفضتا عرض مصر بالتخلي عن السيطرة على غزة مقابل وقف دائم لإطلاق النار، وقال المصدران إن مصر عرضت إجراء الانتخابات مع ضمانات لحماس بعدم محاكمة أعضائها، لكن حماس رفضت تقديم أي تنازلات سوى إطلاق سراح السجناء، وقال مسؤول مصري أيضًا إن حركة الجهاد الإسلامي تصر على أن أي تبادل للأسرى يجب أن يرتكز على مبدأ "الكل مقابل الكل"، أي "الإفراج عن جميع السجناء في غزة مقابل إطلاق سراح جميع الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل"، وقال أسامة حمدان، عضو حركة حماس في لبنان، إن هناك العديد من الأفكار التي ستتعامل معها حماس وفق رغبتها، وإن الحركة ترحب بكل الأفكار التي قد تؤدي إلى وقف كامل للأعمال العدائية.
قراءة المقاومة للخطة المصرية... السلام على حساب الاستسلام
إحدى النقاط المهمة في الخطة المصرية هي إضعاف فصائل المقاومة في غزة، ويصر قادة الحركتين على أن مستقبل غزة بعد الحرب يجب أن يقرره الفلسطينيون أنفسهم، وليس الإملاءات الأجنبية، وقال مصدران أمنيان مصريان لرويترز إن مصر تقترح أن تتخلى حماس والجهاد الإسلامي عن السلطة في غزة مقابل وقف دائم لإطلاق النار، ولهذا السبب لم تسفر المفاوضات بين قادة حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة عن أي نتائج ملموسة، وقال ضياء رشوان، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، اليوم الخميس، إن القاهرة لم تتلق حتى الآن أي رد من المقاومة الفلسطينية والإسرائيلية على مقترحها لوقف إراقة الدماء في غزة.
وتريد "إسرائيل" تدمير الحركتين، ويقول مساعدو نتنياهو إن ذلك يعني تدمير القدرات العسكرية والإدارية للجماعتين و"نزع التطرف" عن سكان قطاع غزة، وتوصل الصهاينة إلى نتيجة مفادها بأنه ما دام الفلسطينيون يملكون السلاح في أيديهم، فإن الأمن سيكون حلما بعيد المنال بالنسبة للمستوطنين، وهم يحاولون التخلص من فصائل المقاومة إلى الأبد، لكن نتائج 75 عاما من الجرائم الصهيونية في الأراضي المحتلة جعلت جميع الفلسطينيين على يقين من أن السبيل الوحيد لطرد المحتلين من وطنهم هو الكفاح المسلح.