الوقت - بعد سلسلة اللقاءات بين المسؤولين الإيرانيين وحكومة طالبان، أتاح مؤتمر طهران الدولي حول فلسطين هذه المرة فرصةً لمسؤولي البلدين للالتقاء مرةً أخرى، ومناقشة القضايا الثنائية والإقليمية.
حيث وصل أمير خان متقي، وزير خارجية حكومة طالبان المؤقتة، السبت الماضي، إلى إيران بدعوة من نظيره الإيراني للمشاركة في مؤتمر طهران الدولي، ووصف متقي خلال كلمته في هذا المؤتمر القضية الفلسطينية بأنها قضية عربية وإنسانية وإسلامية، وقال إنه لا يمكن لأي إنسان حر أن يشاهد جرائم الکيان الصهيوني.
وأكد متقي أن إمارة أفغانستان الإسلامية تريد من الدول المؤثرة في العالم، اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الجرائم، ومبادرة إيران جديرة بالثناء، ولكن من الضروري أن تتحرك المزيد من دول المنطقة لوقف قتل الشعب الفلسطيني.
ومع ذلك، بالإضافة إلى المشارکة في مؤتمر طهران، التقى وزير خارجية طالبان مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يوم الأحد الماضي في وزارة الخارجية الإيرانية، وشدد الجانب الإيراني في هذا اللقاء على ضرورة حل القضايا القائمة بين البلدين، بما في ذلك الحدود والمياه، وأعرب عن أمله في أن يقدّم المسؤولون في الهيئة الحاكمة في أفغانستان، التعاون اللازم بطريقة عملية لحل المشاكل القائمة في هذا المجال.
كما رحب متقي في هذا اللقاء بمواقف إيران المبدئية تجاه الشعب الفلسطيني المظلوم، وأكد على ضرورة واستمرار دعم مقاومة وجهاد الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني حتى تحقيق النصر النهائي.
وأشار إلى أهمية تعزيز العلاقات الثنائية، وطرح مختلف القضايا في العلاقات الثنائية، وأكد ضرورة استمرار التفاعل بين البلدين في كل المجالات، بما في ذلك المياه والحدود والتجارة والتعاون في الشؤون القضائية والقنصلية.
تجدر الإشارة إلى أن إيران عقدت خلال العامين الماضيين عدة اجتماعات مع الشركاء الإقليميين لحل مشاكل أفغانستان السياسية والاقتصادية، حتى يتمكنوا من إعادة الاستقرار والأمن إلى أفغانستان، لأن استمرار الأزمة في هذا البلد يشكل تهديداً كبيراً للجيران.
لطالما كانت "حقوق إيران المائية" من نهر هلمند، إحدى القضايا المتنازع عليها بين طهران وكابول في العامين الماضيين، وعلى الرغم من المفاوضات المكثفة بين مسؤولي الجانبين ووعد قادة طالبان بإعطاء حقوق إيران المائية، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء فعال في هذا الصدد من قبل الحكومة المؤقتة.
وقد خلق تقليص حقوق إيران المائية العديد من المشاكل للزراعة في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية وبيئة هذه المنطقة، الأمر الذي أدى إلى رد فعل حاد من قبل الحكومة الإيرانية.
وتشير الحكومة المؤقتة دائمًا إلى انخفاض هطول الأمطار باعتباره السبب الرئيسي لانخفاض حقوق إيران المائية، لکن تظهر صور الأقمار الصناعية أن بناء سد "كمال خان" على منبع نهر هلمند، هو العامل الرئيسي في تقليص حق المياه.
تطوير العلاقات التجارية في الأولوية
كما التقى متقي، استمرارًا للتشاور مع السلطات في طهران، مع الممثل الخاص للرئيس الإيراني لشؤون أفغانستان حسن كاظمي قمي، وتبادل الجانبان في هذا اللقاء وجهات النظر حول مسألة مجموعة الاتصال الإقليمية، مع مبادرات دول المنطقة التي دعمتها إيران دائماً في هذا الشأن.
في قمة "كازان" الروسية طرحت إيران هذا الموضوع، وقد ورد في بعض فقرات البيان الختامي لتلك القمة، ومرةً أخرى أثير هذا الموضوع مع الوفد الأفغاني، وطالب الجانب الإيراني بتسريع عملية تنفيذه، حتى يتم حل مشاكل أفغانستان في ظل تفعيل مجموعة الاتصال الإقليمية.
كما ناقش الوفدان المفاوضان وتبادلا الآراء بشأن التفاعلات التجارية، في مجال ممرات العبور والطاقة والكهرباء والغاز وغيرها من مجالات التعاون الاقتصادي.
وكانت قضية تعزيز العلاقات التجارية، محور التركيز الرئيسي للمحادثات الثنائية في العام الماضي، وفي هذا الصدد، قام وفد اقتصادي أفغاني رفيع المستوى برئاسة ملا عبد الغني برادر، النائب الاقتصادي لرئيس وزراء حكومة طالبان، بزيارة طهران في منتصف نوفمبر من العام الجاري.
والتقی هذا الوفد وتشاور مع المسؤولين الاقتصاديين الإيرانيين، من أجل تحسين مستوى التعاون التجاري والاقتصادي وتطوير العلاقات الثنائية، وبحث مجال مواصلة التعاون في مجال التجارة والعبور والاستثمار والتعاون الجمركي والمعاملات المالية.
لقد زار المسؤولون السياسيون والاقتصاديون من طالبان طهران عدة مرات، وناقشوا التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ورغم أن إيران، كغيرها من الدول، لم تعترف بعد بحكومة طالبان، إلا أنها سلمت السفارة الأفغانية إلى حكومة طالبان المؤقتة، کما أن العلاقات التجارية بين البلدين الجارين تسير على طريق النمو والتطور، وحسب الإحصائيات تصل حصة إيران من السوق الأفغانية إلى 35%.
تريد حكومة طالبان استخدام ممرات السكك الحديدية الإيرانية لنقل بضائعها إلى المحيط الهندي والخليج الفارسي، لكي تتمكن من كسب الدخل في هذا الوضع الاقتصادي الحرج والمضطرب في أفغانستان، وتسوية الوضع الداخلي إلى حد ما.
وقد أعلنت إيران مراراً وتكراراً عن استعدادها لمساعدة الشعب الأفغاني، وزيادة التعاون التجاري مع جارتها الشرقية، حتى أن الانتهاء من خط السكة الحديد خواف-هرات تمت متابعته بجدية في العام الماضي، وإذا تم الانتهاء من خط السكة الحديدية هذا، فسيتم تنفيذ العملية التجارية بين البلدين بسهولة.
أفغانستان حلمت دائمًا بالوصول إلى المياه المفتوحة، ولذلك مع إنشاء ممر الشمال-الجنوب، سيتم توفير هذه الفرصة للأفغان لتطوير أعمالهم التجارية من خلال ميناء تشابهار.
لقد أدركت سلطات طالبان حقيقة أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لن يعترفوا بالحكومة المؤقتة في المستقبل القريب، ولهذا السبب يحاولون حل جزء من مشاكلهم الاقتصادية بمساعدة إيران.
قضية المهاجرين على جدول أعمال الجانبين
كانت قضية المهاجرين الأفغان، إحدى القضايا التي أثيرت في لقاء وزير خارجية طالبان مع كاظمي، وأكد الجانبان على تخطيط وتنفيذ آليات لحل مشاكل المهاجرين.
حالياً، وفقاً لسلطات الجمهورية الإسلامية، يعيش حوالي 5 ملايين مهاجر أفغاني في إيران، وتحاول إيران إعادة ملايين الأفغان إلى بلادهم، وفي ديسمبر من العام الماضي، عُقد في طهران اجتماع تعاون بين أفغانستان وإيران وباكستان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ووعد وفد طالبان بدراسة طلب الأطراف المشاركة في هذا الاجتماع بإعادة ملايين اللاجئين الأفغان.
منذ أغسطس 2021، عندما استولت حركة طالبان على كابول، فرّ مئات الآلاف من الأفغان من بلادهم إلى إيران وباكستان، خوفًا من اضطهاد حركة طالبان والتهديدات الأمنية والفقر وارتفاع معدلات البطالة.
وبينما تحاول إيران وحكومة طالبان المؤقتة إعادة المهاجرين الأفغان إلى أراضيهم، يبدو أن الظروف داخل أفغانستان تبعد المهاجرين بدلاً من جذبهم، ويفضل بعض الناس العيش في بلدان أخرى على العيش في أفغانستان.
وقال حشمت الله فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي التابعة للبرلمان الإيراني، في أغسطس الماضي، إن 10 آلاف أفغاني يدخلون البلاد يومياً، وحذّر من افتقارهم إلى التنظيم وعدم وجود إقرارات مسجلة.
إن وجود ملايين المهاجرين الأفغان في إيران ودول المنطقة، جعل الوضع صعباً على هذه الحكومات، ولهذا السبب تطالب بعودتهم إلى أفغانستان، لكن طالبان، خلافاً لوعودها، لم تتخذ خطوةً أساسيةً في هذا الصدد.