الوقت - يعيش الصهاينة حالياً أسوأ فترة في تاريخهم الذي يبلغ سبعين عاماً، حيث قلبت عملية طوفان الأقصى كل معادلات الصهاينة، وألحقت بهم هزيمةً ثقيلةً ويمكن القول من الناحية الواقعية إن هذه الهزيمة لا يمكن تعويضها أبداً.
إن الجوانب الأمنية والعسكرية لهذا الفشل عميقةً جداً، لدرجة أن قادة الکيان الصهيوني وكبار مسؤوليه لن يستطيعوا أبدًا التعويض عنها، وستكون هذه الهزيمة دائماً مع الصهاينة.
لكن هناك قضايا لم تظهر بشكل واضح بعد، إن عواقب الحرب ستكشف بعد انتهاء الحرب على غزة، وبمعنى آخر، بعد انتهاء الحرب في غزة، سيدخل الکيان الصهيوني مرحلةً أخرى، لن تقل عن الحرب بالنسبة للصهاينة.
الصراعات السياسية
لقد عانى الکيان الصهيوني دائمًا من صراعات سياسية واسعة النطاق، وإن نظرةً إلى تاريخ هذا الکيان تثبت هذه المسألة.
هناك اختلافات سياسية في جميع دول العالم، لكن في الکيان الصهيوني فإن الصراعات السياسية لها معنى مختلف، ويظهر اغتيال إسحاق رابين، رئيس الوزراء اليساري لهذا الکيان، أن الصراعات السياسية الشديدة كانت أحد التحديات المستمرة للکيان، والتي يمكن أن تأخذ حتى الطابع الأمني.
في الأشهر الأحد عشر التي سبقت السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مرت الأراضي المحتلة بواحدة من أكثر النزاعات والصراعات الداخلية غير المسبوقة، حيث قادت حركة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو من جهة، وحركة اليسار بقيادة لابيد وغانتس من جهة أخرى، الصراع السياسي الداخلي الأكثر حدةً في تاريخ الکيان الصهيوني.
وبلغ هذا الصراع والخلافات درجةً أن معارضي نتنياهو حذروا من سقوط "إسرائيل" وانهيارها إذا استمر الوضع على ما هو عليه، حيث دخلت الخلافات إلى الجسم السياسي للكيان الصهيوني، وأصبح جزء كبير من قوات الاحتياط للكيان الصهيوني من منتقدي حكومة نتنياهو.
وكان أحد التحذيرات المستمرة لمعارضي نتنياهو هو إمكانية مهاجمة الکيان الإسرائيلي، وأعلنوا أن نتنياهو جعل وضع "إسرائيل" الأمني حرجاً من خلال إضعاف الجيش الصهيوني بسبب ميوله السياسية، لكنه لا يعير هذا الموضوع أي اهتمام.
وأخيراً، ومع وقوع عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والهزيمة الثقيلة وغير المسبوقة التي مني بها الکيان الصهيوني أمام الفلسطينيين، تحققت تحذيرات معارضي نتنياهو، وأدرك الصهاينة ما كانوا يخشونه.
وهذا الأمر لم يقلل من الخلافات السياسية قبل العملية فحسب، بل زادها حدةً، والآن يعتبر الصهاينة نتنياهو مسؤولاً عن مقتل العديد من قتلى الکيان الصهيوني ويريدون إقالته، وتستمر المواجهات بين تياري اليمين واليسار في الکيان الصهيوني، ومن المتوقع أنه مع انتهاء الحرب في غزة، سيعم التوتر السياسي والفوضى الأراضي المحتلة مثل تسونامي عظيم.
تآکل عسكري للكيان الصهيوني وتقليص مساحة الأمن
كان جنود وضباط صهاينة سابقون حذروا من وضع جيش هذا الکيان منذ أشهر، ووفقهم فإن جيش هذا الکيان يقتصر على القوات الجوية فقط، والقوات البرية ليست على استعداد تام لمواجهة العدو.
وقد أظهرت مفاجأة 7 أكتوبر بوضوح أن هذا الأمر صحيح، ولولا مساعدة الأمريكيين، ربما لم يكن جيش هذا الکيان ليتمكن من تنفيذ عمليات برية في غزة، لكن القضية الأساسية الآن هي خسائر وأضرار الکيان خلال المعارك الدائرة حالياً في غزة وشمال فلسطين المحتلة.
حيث تكبد جيش هذا الکيان الكثير من الخسائر في الصراعات على الأراضي في غزة وشمال فلسطين، وحسب الصحفيين الصهاينة أنفسهم فإن خسائر وأضرار الکيان أكثر مما يعلن.
وكل هذا فيما يرى محللون أن المعركة في غزة لن تنتهي قريباً. ومع استمرار الحرب في الشمال والجنوب واستمرار الخسائر البشرية، سيصبح الجيش الصهيوني أكثر استنزافاً، وسيكون تعويض الخسائر أكثر صعوبةً وأكثر تكلفةً.
وستكون نتيجة هذا الموقف تقليص وإضعاف القوات العسكرية الصهيونية في المستقبل بعد الحرب، ولذلك، في الأشهر المقبلة بعد انتهاء الحرب، ينبغي للمرء أن يتوقع زيادةً في الإجراءات المناهضة للصهيونية في الأراضي المحتلة، على خلفية إضعاف القوات العسكرية لهذا الکيان.
وهذا يمكن أن يغير أيضاً ميزان القوى بين الکيان الصهيوني ومحور المقاومة، وسيكون لهذه القضية تأثير مباشر على تقليل عدد المهاجرين إلى "إسرائيل" وزيادة الهجرة العكسية.
العواقب الاقتصادية
إحدى المشاكل الرئيسية التي سيعاني منها الصهاينة بعد انتهاء حرب غزة، والتي أظهرت وجهها من الآن، هي الأضرار الاقتصادية الفادحة التي خلفتها هذه الحرب على الکيان.
لم يكن الوضع الاقتصادي للکيان قبل الحرب جيداً، والآن مع اندلاع هذه الحرب، ينبغي للمرء أن يتوقع ظروفاً اقتصاديةً غير مواتية للصهاينة، ورداً على آثار الحرب مع غزة، كتب موقع رويترز: "الحرب في غزة تأخذ الاقتصاد الإسرائيلي إلى اتجاه مجهول".
کما كتب موقع themarker الصهيوني في هذا الصدد: "في كل يوم يمر على الحرب، يصبح من الواضح أن الآثار الاقتصادية الكلية لحرب غزة على إسرائيل، ستكون أكثر إيلاماً وشدةً بكثير من آثار أزمة كورونا، ومن الأضرار الاقتصادية المتوقعة: قفزة في تكاليف المعيشة بسبب ضعف الشيكل (عملة الكيان الصهيوني)، وانخفاض حاد في الخدمات الاجتماعية، وتعليق الإصلاحات الضرورية".
ويضيف الموقع: "ربما كانت الاجتماعات الأولى التي عقدها كبار المسؤولين الماليين في إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) تعكس المرحلة الأولى، أي مرحلة الإنكار، في نموذج كوبلر-روس ذي المراحل الخمس، يوضح هذا النموذج أنه عند التعامل مع الموت وخسارة الأشخاص، يظهر الأشخاص 5 حالات هي الإنكار والغضب والمساومة والاكتئاب والقبول".
وحسب هذا الموقع: "قال كبار المسؤولين في وزارة الاقتصاد والمالية في ذلك الاجتماع، إن التوتر الأمني الحالي ليس حدثًا اقتصاديًا كليًا، وإن النظام الأمني سيغطي التكاليف من ميزانيته الخاصة! وسرعان ما أصبح من الواضح مدى خطئهم، فبعد مرور شهر، يصبح من الواضح أن التأثيرات الاقتصادية الكلية لهذا الحدث ستكون مؤلمةً".
وأوضح الموقع: "معظم المديرين الماليين الذين يشغلون مناصب عليا حاليًا، كانوا في المنصب نفسه أو في مناصب عليا أخرى حتى أثناء أزمة كورونا، ويقولون إن الوضع الاقتصادي هذه المرة من المرجح أن يكون أسوأ بكثير، والقلق الأكبر هو أن مجموعة هذه الظروف قد تخلق وضعاً مشابهاً لما حدث في العالم وفي إسرائيل بعد حرب يوم الغفران: أي الركود التضخمي، وهذا عبارة عن مزيج من الركود (أي تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة)، وارتفاع الأسعار الذي يحدث على الرغم من انخفاض الطلب فعليًا، وأعلن رئيس دائرة الميزانية أن الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من الحرب، كان لها أثر مالي قدره 30 مليار شيكل على إسرائيل".
وهذا الأمر، إلى جانب العناصر الأخرى، هو أحد الأشياء التي يمكن أن يكون لها مساهمة كبيرة في الحد من انجذاب المهاجرين إلى الأراضي المحتلة، وزيادة الهجرة العكسية.
في الوضع الذي تسير فيه الظروف الاقتصادية الحالية إلی الوضع الحرج، وتعرض الوضع الأمني لضربة خطيرة، سيكون هناك توقع لأي نوع من الحوادث، مثل السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وهو الوضع الذي أصبح الكيان الصهيوني في طريقه إليه.