الوقت- تزعم صحيفة وول ستريت جورنال أن "إسرائيل" تحاول تنفيذ "عملية إرهابية على مدى سنوات" لتصفية قادة حماس جسديًا بعد انتهاء حرب غزة.
وزعمت الصحيفة نقلا عن مسؤولين إسرائيليين لم تذكر أسماءهم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمر وكالات المخابرات التابعة له بإعداد خطط لاغتيال قادة حماس في لبنان وتركيا وقطر.
إن سياسة اغتيال قادة المقاومة يقترحها الصهاينة منذ فترة طويلة، وفي آخر خطاب من هذا النوع في شهر مايو الماضي، دعا مسؤولون عسكريون ومخابرات إسرائيليون إلى اغتيال "صالح العاروري"، كما يعد يحيى السنوار، زعيم حركة حماس في غزة، أحد الشخصيات الرئيسية في المقاومة الفلسطينية، والذي هدد الصهاينة مراراً باغتياله في السنوات الأخيرة، ولا تقتصر التهديدات على فلسطين فحسب، بل إن زعماء تل أبيب يتحدثون أيضاً عن مواصلة هذه السياسة خارج فلسطين وغزة.
سجلات اغتيال قادة المقاومة
إن الكيان الصهيوني، الذي يعتبر قادة المقاومة تهديداً خطيراً لأمنه، جعل سياسة اغتيال القادة المسلحين على رأس خطط عمله منذ البداية وسجل سجلاً أسود في هذا الصدد.
وفي العقود القليلة الماضية، تعرض عدد من قادة المقاومة الفلسطينية المؤثرين للاغتيال على يد الموساد، ومن بينهم خليل الوزير، الشخصية الثانية في حركة التحرير الفلسطينية، الذي قُتل في منزله بتونس عام 1988، وحسب وسائل إعلام صهيونية فإن 24 عنصرا من الموساد هاجموا منزل الوزير من الساحل التونسي وقتلوه.
وفتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، كان أيضًا أحد القادة الفلسطينيين الذين اغتالهم الموساد عام 1995، وفي عام 2004 أيضًا، اغتيل الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، على يد الموساد، الأمر الذي أثار ردود فعل دولية واسعة النطاق، وقد اغتيل عبد العزيز الرنتيسي، الذي تولى رئاسة حماس بعد أحمد ياسين، على يد قوات الأمن الإسرائيلية بعد شهر من رئاسته.
وقُتل عز الدين الشيخ خليل، عضو حماس، في انفجار سيارة في دمشق عام 2004، وحملت حماس "إسرائيل" مسؤولية هذا الانفجار، وكان "محمود المبوح" أحد قيادات حماس الذي قُتل في دبي عام 2010، وأعلن رئيس شرطة دبي في هذا الصدد أن التحقيقات تظهر تورط الموساد في عملية الاغتيال، واتهمت حماس الكيان الصهيوني باغتيال أحد قادة حماس "محمد الزواري" في تونس، وكان "محمد الزواري" هو المشرف على مشروع أبابيل للطائرات دون طيار، والذي لعب دورا مهما في حرب 2014 على قطاع غزة.
وكان عمر النايف عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي قُتل في السفارة الفلسطينية في بلغاريا عام 2016، واتهمت هذه الجماعة "إسرائيل" باغتيال النايف.
استعادة سمعة المخابرات الصهيونية
ورغم أن الصهاينة نجحوا في اغتيال قادة المقاومة في الماضي، إلا أنه في السنوات الأخيرة، رغم صعود قيادات من منظمة حماس العسكرية، الأمر الذي أدى إلى المزيد من العمليات العسكرية المناهضة للصهيونية في غزة والضفة الغربية، ولكي يتمكن جيش المقاومة من توجيه المزيد من الضربات الموجعة للعدو الصهيوني، فقد فشل قادة تل أبيب في تنفيذ سياسة اغتيال هؤلاء القادة.
وحتى الغارات الجوية المكثفة على غزة خلال 59 يوما من الحرب المتواصلة أثبتت ضعف بنك الاستخبارات الإسرائيلي في تحديد موقف قادة المقاومة، وللتعويض عن هذا الفشل والتغطية عليه، لجأ الصهاينة إلى الحرب النفسية في عدة مناسبات، وأعلنت سلطات تل أبيب لأول مرة أن سبب عدم قدرتها على تقديم شهداء من قادة المقاومة في العمليات الجوية والبرية هو هروبهم من غزة، وفي هذا الاتجاه، وللأسف، اتخذ زعيم السلطة الفلسطينية أيضا مواقف مماثلة لتعزيز هذه الإشاعة، لكن هذا الجزء من الحرب النفسية فشل تماما عندما ظهرت صور قادة المقاومة على جبهة القتال، فضلا عن اعتراف الأسرى الصهاينة بأنهم التقوا مباشرة مع يحيى السنوار داخل أنفاق حماس وأنه كان يتحدث العبرية.
والآن، في مرحلة أخرى من هذه الحرب النفسية، يسعى الصهاينة، في مخيلتهم الفجة، إلى إضعاف معنويات قيادات المقاومة السياسية والميدانية، وأيضا للتغطية على ضعف نظامهم الاستخباراتي والتجسسي المتعدد الطبقات، والذي فشل في توقع عملية 7 تشرين الكبرى، ومرة أخرى طرح خيار اغتيال قادة المقاومة على الطاولة؛ وكأن الصهاينة، الذين لا يحافظون على حياة الأطفال الخدج في المستشفيات، لم تكن لديهم بعد خطة لقتل قادة المقاومة!
وجزء آخر من هذه الحرب النفسية هو نشر معلومات كاذبة عبر وسائل الإعلام الغربية الكبيرة والشعبية، مثل خبر صحيفة نيويورك تايمز بأن وكالة المخابرات العسكرية الإسرائيلية تلقت تحذيرات حول تنفيذ مثل هذه العملية قبل عام من هجوم 7 أكتوبر، لكنه تجاهله، وهي محاولات فاشلة للتعويض عن الكرامة المفقودة والتي لا يمكن تعويضها لجهاز المخابرات والأمن التابع للكيان.
الأهداف السياسية
وفي تهديد الصهاينة الأخير باغتيال قادة المقاومة، تم التأكيد على استمرار هذه السياسة خارج فلسطين وفي الدول الأجنبية، وفي السنوات الماضية، نجحت مقاومة حماس في تعزيز شبكتها الدبلوماسية والاتصالات الإقليمية، وفتحت مكاتب سياسية في دول أخرى، خلافا لرغبات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ومن المؤكد أن وجود هذه المكاتب السياسية يلعب دوراً مهماً في إمكانية إجراء مشاورات دولية بين قيادات المقاومة وسلطات الدول الأخرى لتعزيز الحملة السياسية لإدانة هجمات الكيان الوحشية على المدنيين، ومواجهة الجبهة الإعلامية، وسيناريوهات الحرب النفسية والألاعيب السياسية للداعمين الغربيين للكيان، وحشد الرأي العام في الدول الإسلامية ودعم قضية فلسطين والحصول أيضاً على دعم خارجي مختلف لمقاومة الحرب.
وقد أظهر ذلك أحد آثاره المهمة خلال اتفاق تبادل الأسرى الأخير بوساطة قطرية ومصرية، وفي حين رفض الصهاينة في البداية أي مفاوضات بشأن الأسرى وطالبوا بالإفراج الكامل عنهم لوقف هجماتهم الوحشية، فإن الدبلوماسية القوية لقادة المقاومة هي التي أدارت الوضع السياسي بطريقة جعلت الصهاينة على استعداد لقبول شروط المقاومة والهزيمة.
كما أن وجود رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطر سهّل على قيادات جبهة المقاومة الاجتماع وإجراء الترتيبات اللازمة لدفع الحرب، كما يتضح من رحلات وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان العديدة إلى الدوحة وقطر، وحضور اسماعيل هنية في طهران.
وفي هذا الوضع، لا شك أن تهديدات الصهاينة هي للضغط على الدول التي إما تستضيف المكاتب السياسية وقادة حماس، أو تفكر باستضافتهم في المستقبل، مع الأخذ في الاعتبار تعزيز الموقف الدولي لحماس، وقد تنفذ مثل هذه الخطة للمشاركة في القضية الفلسطينية، ومؤخراً أبدت قوى مثل روسيا والصين رغبتها المتزايدة في زيادة المشاركة في القضية الفلسطينية، وبطبيعة الحال تشكيل علاقات حماس مع هذه القوى وزيارة مسؤولي الحركة لهذه الدول (مثل زيارة موسى أبو مرزوق الأخيرة لموسكو)، والتي كانت بمثابة كابوس للصهاينة.
قادة حماس، مقاتلون غير مرئيين
لكن، وبغض النظر عن أهداف الكيان الصهيوني من استئناف سياسة الإرهاب، فإن هذه التصريحات المتكررة لم تخلق ذرة من الخوف في قلوب قادة المقاومة، وفي شهر مايو من الشهر الماضي، عندما هدد الصهاينة بقتل صالح العاروري، نشرت وسائل الإعلام صورة جديدة للعاروري بملابس قتالية، ما دفع الإعلام الصهيوني إلى الاعتراف بأن نشر هذه الصورة أراد منها العاروري القول إنه يدير المعركة وهو أحد المقاتلين، وهو مقاوم ومستعد للشهادة.
وفي الوقت نفسه قال العاروري في مقابلة تلفزيونية: "نحن مؤمنون ونتمنى أن تنتهي حياتنا بالشهادة، الاستشهاد انتصار عظيم في نظر قادة المقاومة، وقادة المقاومة جزء من الشعب الفلسطيني"، وأضاف إن "جميع فصائل المقاومة الفلسطينية ضحت بقادتها".
لكن في المقابل، فإن سنوات من الاختلاط بالوضع الحربي جعلت من قادة المقاومة مقاتلين أقوياء وخبراء، يظهرون في الحرب الأخيرة أمام أعين الصهاينة في قلب شبكة الأنفاق والجبهات المعقدة من خط الحرب، ولكن أجهزة الكيان الاستخباراتية والأمنية بكل أبهتها وظروفها، قد فشلت في التعرف على هؤلاء القادة الشجعان واستهدافهم.