الوقت - استأنفت الرباط وتل أبيب في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، علاقاتهما الدبلوماسية، بعد توقفها عام 2000، ليبدأ توافد المسؤولين الإسرائيليين إلى المغرب، وبمستويات رفيعة، وفي الشهر ذاته، وقعت الرباط إعلانا مشتركا مع تل أبيب وواشنطن خلال أول زيارة لوفد رسمي إسرائيلي أمريكي إلى المغرب.
وأعلن الديوان الملكي المغربي أن الملك محمد السادس دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة المملكة، بعد قرار حكومة الاحتلال في العام الحالي الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها، إذ وصفت الرباط القرار
بـ "الصائب والمتبصر"، ورأت أن من شأن هذه الزيارة أن تفتح إمكانيات جديدة للعلاقات الثنائية بين المغرب وكيان الاحتلال.
المغرب الشعبي والرسمي.. والتطبيع
لم يكن المغاربة في يوم من الأيام راغبين بالعلاقة مع الكيان الإسرائيلي وما إن طبع المغرب تلك العلاقة، حتى بدأت الأصوات تتعالى رافضة التطبيع ومنددة به، وداعية إلى إلغائه، إذ كانت الأحداث الأخيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية دافعاً مباشراً لحشد المواقف، وفي مقدمتها تأكيد الحق الفلسطيني ورفض التعامل مع المحتل، حيث شهد العديد من المدن المغربية، بينها العاصمة الرباط، مئات التظاهرات والمسيرات المليونية والوقفات الحاشدة للتنديد باستمرار الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وللمطالبة بدعم الشعب الفلسطيني، ووقف اتفاقية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
"التطبيع سقط شعبياً، وبقي أن يسقط رسمياً، حتى يكون هناك تناغم وانسجام بين الرسمي والشعبي"، هكذا وصف أحمد ويحمان رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، التعاطي الشعبي مع القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن "المسيرات المليونية والوقفات اليومية التي تنظم بالبلاد، دليل على سقوط التطبيع، وأن كل يوم يمر مع بقاء هذا التطبيع، هو إهانة للشعب المغربي"، إذ إن أبرز المطالب التي ترفع في المظاهرات، هي إسقاط التطبيع، ومحذراً من استمرار "المراهنة على هذا التطبيع، لأن /إسرائيل/ خطر على المغرب وباقي الدول العربية والإسلامية الأخرى، وإن الرهان عليها هو رهان أثبتت الأحداث فشله.
إن ضغط الشارع المغربي، والحالة الوجدانية للمجتمع المغربي، والتي كانت تقف في الصف الفلسطيني، وتسعى لدعمه، وتتطلع لانتصاره في تلك الحرب، ومع تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أدى إلى توقف مسار العلاقات التطبيعية بين المغرب والكيان الإسرائيلي، وتوقفت الزيارات المتوالية التي كان يقوم بها وزراء إسرائيليون إلى الرباط.
إن هذه الحرب الوحشية التي يشنها كيان الاحتلال على الفلسطينيين أحرجت الحكومات المطبعة أمام شعوبها، ما دفعها لاتخاذ خطوات عديدة ومتفاوتة التأثير، وأدى ذلك إلى تراجع مستوى التطبيع خلال هذه المرحلة من الحرب، فقد ساهمت في مطالبة كيان الاحتلال رعاياه بمغادرة المغرب، كما باقي الدول العربية التي تعرف مستويات من التطبيع معه، وذلك لانشغال سلطات الاحتلال بهذه الحرب التي منيت فيها بخسارة كبيرة، على المستويين الحربي والأخلاقي، وفق رأي محمد الرياحي الإدريسي، منسق الهيئة المغربية للدعم والنصرة.
وقد عبّرت الرباط في أكثر مناسبة عن قلقها البالغ من استمرار الأعمال العسكرية وتدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، مشيرة إلى أن الخطوات التصعيدية الإسرائيلية "تتنافى مع القانون الدولي الإنساني والقيم الإنسانية المشتركة وتنذر بتمدد الصراع واتساع رقعة العنف بشكل خطير"، ومنددة في الوقت ذاته بتقاعس مجلس الأمن والدول المؤثرة في القرار الدولي وعجزهم عن وضع حد لهذا الوضع الكارثي.
التطبيع المغربي من زاوية نظر أخرى
أورد موقع “وورد بوليتيكس ريفيو” المتخصص في الشؤون السياسية العالمية، أن موقف المغرب تجاه التطبيع بات “غير مقبول على الإطلاق” وذلك عقب التطورات الأخيرة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، إذ إن المغرب منذ أن قام بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" في أواخر عام 2020، اضطرت الحكومة والديوان الملكي للملك محمد السادس إلى الانخراط في “عملية توازن غريبة”، وفي الوقت الذي عززت فيه العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية سريعة النمو مع "إسرائيل"، كان على السلطات أن تصور الموقف الرسمي للرباط في الوقت نفسه على أنه يظل مؤيدًا للفلسطينيين.
وقال الكاتب والمحلل فرانسيسكو سيرانو: إن موقف المغرب، مثل موقف الدول الأخرى التي وقعت على اتفاقيات أبراهام، كان سيشكل دائما تحديا، إذ اتسم الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين لسنوات باشتباكات متفرقة بين "القوات الإسرائيلية" و"الجماعات المسلحة في غزة"، و”التعدي” المستمر على المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وسط أعمال العنف في الضفة الغربية، وتضاؤل الأمل في التوصل إلى حل سياسي حقيقي، وإن التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة، والأهم من ذلك، الديوان الملكي، هو أن أغلبية سكان المغرب تدعم تقليدياً القضية الفلسطينية، وأنه بالفعل، لم يكن كثيرون يؤيدون التطبيع مع "إسرائيل" في المقام الأول.
ويرى الكاتب، أنه بالنسبة للسلطات المغربية، كان الأمر بمثابة مغامرة تستحق المخاطرة، وأن الملك محمد السادس جعل إضفاء الشرعية على “سيطرة المغرب على الصحراء الغربية الهدف الرئيسي لسياسة الرباط الخارجية”، وأنه كان يعلم دائمًا أن مصادقة "إسرائيل" ستقابل بالرفض المجتمعي.
ويرى الموقع أنه قبل الحرب الحالية، نجح الملك والحكومة في جعل الروابط مع "إسرائيل" حقيقة جديدة لا تقبل الجدل، فقد تسارعت وتيرة المشاركة الدبلوماسية بعد عام 2020 ، حيث قام الوزراء ووفود الأعمال والقادة العسكريون من كلا البلدين برحلات مكوكية بين الرباط وتل أبيب، وفي يوليو/تموز، اعترفت "إسرائيل" بسيادة المغرب على الصحراء، ما فتح الباب أمام زيارة محتملة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الرباط، أما الآن، ونظراً للأزمة الإنسانية الحالية في غزة، فيبدو أن التطبيع بين البلدين سوف يتجمد، إن لم يكن قد انعكس تماماً.
وأشار الكاتب إلى أن قادة المغرب كان من طموحهم دائمًا أن تظل العلاقات مع "إسرائيل" خارج التساؤل في كل مرة يشتعل فيها التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير أن حجم العنف الحالي يجعل موقف نظام المغرب غير محتمل لشعبه.
واعتبر الكاتب أن السلطات سمحت بتنظيم التظاهرات نظرا لمعرفتها بتعمق دعم القضية الفلسطينية لدى المجتمع المغربي، موضحا أن “ما كان غير مقبول لسياسي واحد أن يقوله علنيًا، يصرخ به الآن الآلاف من المواطنين المغاربة في الشوارع”، مضيفا إنه “ليس من العجب أن ينتقد بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، مرة أخرى خيارات السياسة الخارجية للمغرب، داعيًا الحكومة إلى قطع العلاقات مع /إسرائيل/ تمامًا”.
وبين الكاتب أن خيارات السلطات المغربية بدأت تتقلص، وليس أمامها سوى الأمل في أن ينتهي هذا النزاع قريبًا، وأن المملكة حاولت أن تطرح نفسها كوسيط في أزمة غزة، غير أنه ”من غير الموضوعي الاعتقاد أن الرباط قد يكون لديها تأثير كبير على نتنياهو أو الرأسمال الدبلوماسي لإقناع "إسرائيل" بتقليل هجماتها، أو الاختيار بين التوقف عن القتال أو الانسحاب تمامًا من غزة.
وحسب الكاتب، فيبدو أن المغرب يعول على أن مسيرة نتنياهو السياسية من المرجح أن تنتهي مع الحرب، اذ من المؤكد أن السلطات ستؤكد حقيقة أن الروابط التاريخية مع الجالية اليهودية المغربية في "إسرائيل" تبرر العلاقات بين المملكة ودولة الاحتلال بطريقة تتجاوز سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وذكر الكاتب أنه بسبب الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية، كانت العلاقات بين المغرب و"إسرائيل" دوما عرضة لفترات من التقلبات، إذ أدى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية إلى إغلاق المكاتب في الرباط وتل أبيب إنه في عام 2000.
وانتهى الكاتب إلى أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة في غزة ستترك أثرًا أعمق بكثير، متوقعا أن تضعف العلاقات بين المغرب و"إسرائيل"، على المدى القصير، ولكن الصراع الطويل والرد الضعيف للرباط “قد يعرض الرابط بين الدولة المغربية وشعبها للتآكل”.
ستبقى القضية الفلسطينية تسبب حرجاً كبيراً بين الشعوب والحكومات التي تسعى لعلاقات طبيعية مع كيان الاحتلال، وذلك لاندماج هذه القضية في الوجدان الجمعي العربي، واستحالة تجاهل ارتداداتها على مستوى المجتمعات العربية، فهل ستدفع الحرب العدوانية الحالية، وتفاعل الشعوب معها، الحكومات المطبعة للإقلاع عن خطوات التطبيع، وإعادة الكيان الصهيوني إلى خانة المحتل الذي لا اتفاق معه قبل إعادة الأرض والحقوق؟.