الوقت- قبل ساعات، أكد متحدثان باسم الجيش الإسرائيلي اليوم أن الجيش ينتظر "قرارًا سياسيًا" بشأن توقيت الهجوم البري الكبير على قطاع غزة، وفي الوقت نفسه، يقوم آلاف من سكان شمال القطاع بمحاولة الفرار، واستعدادًا للهجوم البري المزمع، دعا الجيش يوم الجمعة المدنيين في شمال القطاع - والذين يمثلون نسبة 1.1 مليون من إجمالي عدد السكان في القطاع البالغ 2.4 مليون نسمة - إلى التوجه جنوبًا، وناشدوهم السبت بعدم التأخير في ذلك.
وأشار المتحدثان، ريتشارد هيشت ودانيال هاغاري، خلال إحاطتين صحفيتين، إلى أن "القرار السياسي" سيكون العامل الحاسم في تحديد توقيت أي إجراء عسكري، وقد أوضح هيشت، قائلاً: "سنجري محادثات مع قيادتنا السياسية" في ظل محاولة إبادة الشعب الفلسطينيّ التي ربما تصل لحرب إقليميّة مدمرة للكيان قبل أي أحد.
غزو الكيان لغزة وورطة تل أبيب
من الضروري التذكير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أشار يوم السبت إلى استمرار الحرب على قطاع غزة، قائلاً "سيأتي المزيد". ولم يُعلن نتانياهو عن موعد بدء أي عملية برية، ويجري بشكل منتظم اجتماعات أمنية مع وزراء رئيسيين وقادة عسكريين.
ومن جهة أخرى، أوردت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن وزير الدفاع يوآف غالانت ناقش مسائل إجلاء المدنيين من قطاع غزة والقضايا الإنسانية في محادثات أجراها مع أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأكدت الوزارة في بيانها أن غالانت أكد "قوة القوات المسلحة الإسرائيلية وتصميمها على تدمير العدو" حسب زعمها.
من ناحية ثانية، أوضح المتحدثان العسكريان خلال محادثاتهما مع الصحفيين أن أي عملية برية ستستهدف القضاء على بنية تنظيم حماس المسلحة وقادتها، وذلك لمنعها من شن المزيد من الهجمات، وفيما يتعلق بشخصيات معينة، تناول الجيش بشكل خاص قائد حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، الذي يعتبرونه مسؤولاً عن هجوم السابع من تشرين الأول الماضي، وأشار هيشت إلى أن "هذا الرجل محاصر وسيتم الوصول إليه في النهاية".
ويأتي هذا في سياق استعداد الجيش الإسرائيلي لشن هجوم بري كبير على قطاع غزة، حيث ينوي نشر عشرات الآلاف من الجنود بهدف السيطرة على مدينة غزة وضرب قيادة حركة حماس، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية استنادًا إلى مصادر عسكرية مرموقة، فإن هذا الهجوم البري سيكون الأكبر من نوعه الذي تشنه قوات الاحتلال منذ غزو لبنان في عام 2006، وسيمثل هذا أيضًا المرة الأولى منذ عام 2008 التي تسعى فيها "إسرائيل" للاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها، ولو مؤقتًا.
وتشير التقارير إلى أن هناك عدم وضوح حيال ما تخطط تل أبيب للقيام به داخل قطاع غزة، وما إذا كانت تنوي الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، إضافة إلى ذلك، فإن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الكبار حول تدمير قيادة حركة حماس ليست واضحة بشكل دقيق، حيث وصلت العلاقات بين الكيان ومصر إلى نقطة حرجة في هذا السياق، والحرب الحالية تضع مصر أمام ثلاث تحديات رئيسية، وهي تحديات لم تواجهها بالحدة نفسها من قبل. الأمر الأول يتعلق بالقلق من أن الآلاف، وربما المزيد، من الفلسطينيين (من إجمالي عدد سكان قطاع غزة البالغ 2.2 مليون نسمة) قد يحاولون الفرار إلى سيناء عبر معبر رفح، على الرغم من إغلاق المعبر حاليًا، إلا أنه من الصعب على مصر إغلاق المعبر إذا بدأ الآلاف في الفرار، نتيجة للأزمة الإنسانية في غزة.
التحدي الثاني، وفقًا للقناة 12 الإسرائيلية، يتعلق بموقع مصر ودورها في الأزمة الحالية، من المألوف أن مصر تواجه احتمال تدخل دول أخرى، مثل قطر وتركيا وربما دول خليجية أخرى، في الدور التاريخي لمصر، وبالتالي، يمكن أن يكون هذا التدخل تحديًا آخر لصورة مصر كدولة رائدة في العالم العربي، وأما التحدي الثالث، فيتعلق بحاجة القيادة المصرية إلى تهدئة الرأي العام الذي يدعم الفلسطينيين، حتى وإن لم يكن هذا الدعم موجهًا حصراً لحركة حماس، فمع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، ستزداد الأصوات داخل مصر، وأيضا في العالم العربي عمومًا، التي تطالب بالتدخل وربما حتى بتعليق أو قطع العلاقات مع الكيان.
وفيما يتعلق بتدهور العلاقات، يمكن أن يتطور هذا التدهور من عدة اتجاهات، أولاً، قد تكون هناك تصريحات غير مسؤولة من جانب "إسرائيل"، مثل توصية وزير التعليم يوآف كيش للفلسطينيين بمغادرة غزة إلى مصر، ثانياً، قد تنشر معلومات غير واضحة المعالم، ما يؤدي إلى الارتباك، كما حدث مع الأنباء التي تفيد بأن مصر حذرت تل أبيب من عملية تابعة لحماس، والتي نفى المسؤولون المصريون وجودها، ثالثًا، قد تفضل "إسرائيل" وسيطًا عربيًا آخر بدلاً من مصر، وأخيرًا، وهذا هو الأهم، تسبب تصاعد أزمة الوضع الإنساني في غزة في زيادة الضغوط على النظام المصري لاتخاذ إجراءات ضد تل أبيب، وأيضًا يمكن أن يؤدي تدهور العلاقات بين الاحتلال ومصر إلى الإضرار بعلاقات تل أبيب مع ما يطلق عليها "الدول العربية المعتدلة" الأخرى وإلى فرض قيود كبيرة على نطاق عمل الصهاينة في غزة.
حرب شاملة من عدّة جبهات
وفق متحدثين باسم الجيش الإسرائيلي فإن الجيش ينتظر "قرارًا سياسيًا" بشأن توقيت الهجوم البري الكبير على قطاع غزة، وفي الوقت نفسه، يقوم آلاف من سكان شمال القطاع بمحاولة الفرار، ويظل الأهالي في قطاع غزة هم الضغط الأكبر على "إسرائيل"، حيث تقتل تل أبيب عشرات الفلسطينيين كل يوم، ورغم تلك التصريحات يبدو قلق العدو يرتكز على الصراع في عدة جبهات، وزعم أن تل أبيب مستعدة لحرب متزامنة على هذه الجبهات مجرد كذبة، مع عدم استعداداتها لمواجهات مستقبلية محتملة مع المقاومة.
وتل أبيب تخشى التصعيد مع محور المقاومة، والخبراء والمحللون في "إسرائيل" يُعبِّرون عن قلقهم العميق إزاء أي حرب جديدة مع المحور ويُشير كثيرون إلى أنّ "إسرائيل" قد فقدت قوتها الردعية ضد المقاومة، ويعتبرون أن القرارات المستقبلية لم تعد مناسبة لاستعادة الردع الإسرائيلي وقد فات الأوان، وبالمقارنة مع الأساليب التي استخدمها الجيش الإسرائيلي خلال هجماته الأخيرة على غزة، لا يمكن بالضرورة تطبيق كل طريقة في الحرب البرية مع تهديدات محور المقاومة.
ومع ارتفاع احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية كبرى مع العدو الإسرائيلي، يتزايد القلق في الكيان بشكل كبير بسبب تنامي القوة الصاروخية لمحور المقاومة بشكل عام، وينبع هذا القلق من استمرار تطوير مشروع الصواريخ الدقيقة للمقاومة، الذي يهدد الجبهة الداخلية للكيان والبنية التحتية الاستراتيجية للعدو، وهذا المشروع الصاروخي تم وصفه عدة مرات بأنه "تهديد استراتيجي" لـ"إسرائيل"، وباتت تل أبيب تدرك عملياً خطورة هذا الواقع.
ولا شك أن قوة "محور المقاومة" تصاعدت بشكل لا يمكن تجاهله في السنوات الأخيرة، وتحقيق انتصارات ملحوظة في مناطق متعددة بدءًا من إيران وصولاً إلى العراق وسوريا ولبنان، وتمتدّ حتى اليمن، فيما تعيش "إسرائيل" حالة من القلق الشديد بشأن وجودها أكثر من أي وقت مضى، هذا القلق ينبع من التطورات في المنطقة والأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية، ولا سيما بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها فلسطين وأثرت بشكل كبير على تل أبيب وأجهزتها العسكرية.
من جهة أخرى، يزداد تنبؤ الحدوث لـ "حرب كبرى" في ظل الحكومة الحالية للكيان، برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهذا يدفع العديد من المحللين والخبراء للتحذير من "أمطار الصواريخ" المحتملة، تأتي هذه التوترات وسط استمرار الإجرام والعنصرية الوحشية من قبل العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وخاصة مع تنفيذ خطة "الإبادة الجماعية" التي تستخدمها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين في غزة، إضافة إلى اعتداءاتها المستمرة على مقدسات وممتلكات المدنيين، ومحاولتها التطهير العرقي والتهجير القسري لمصلحة المستوطنين، جميع هذه العوامل تشكل تهديدًا واضحًا، ما يدفع القوى الفلسطينية والمقاومة إلى تعزيز استعدادها لمواجهة التحديات السياسية والأمنية بكل جدية واستعداد.
وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن التصعيد الإسرائيلي قد يؤدي إلى اشتعال "مقاومة شاملة" في فلسطين والمنطقة بأسرها، هذا التصعيد قد يهدف إلى ردع الكيان الإسرائيلي، واستعادة الحقوق الفلسطينية، وتحرير الأرض والمقدسات، وقد أظهرت انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، التي شنها شبان ثائرون رداً على الهمجية الإسرائيلية ضد الأبرياء، إن الوقت قد حان لوضع حد لهذا العدوان، وإن المقاومة في منطقتنا قد حققت انتصارات كبيرة على الكيان وغيّرت مجريات الأمور، وقد أثرت بقوة على المستوى المحلي والإقليمي، وتل أبيب لم تعد قادرة على حسم المعركة ضد حركة حماس في غزة، ولا يمكنها فرض قوتها على كامل محور المقاومة، وخاصةً مع وجود الخلافات الحادة داخل أوساط الصهاينة.