الوقت- وصل القنصل السوري إحسان رمان أمس إلى مقر السفارة السورية في الرياض في حي السفارات في العاصمة السعودية لاستئناف العمل الدبلوماسي في السفارة، وذلك تنفيذاً لقرار البلدين استئناف عمل بعثتيهما الدبلوماسيتين في الدولتين.
وفي تصريح له لدى وصوله إلى مقر السفارة بحضور عدد من أبناء الجالية السورية، وعدد من المستثمرين والوجهاء وشيوخ العشائر في الرياض والدمام، قال رمان: إن السفارة في الرياض هي بيت لكل السوريين ولخدمة كل أبناء الجالية السورية في السعودية وتقديم أفضل الخدمات لكل أبناء الشعب السوري المقيمين في السعودية.
وأشار في تصريحه الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن افتتاح السفارة رسمياً أمام المواطنين يتطلب إجراءات لوجستية وترتيبات وتجهيزات لكون السفارة كانت مغلقة منذ أكثر من عشر سنوات، وهناك حاجة للمزيد من الوقت للقيام بهذه الأعمال ومن ثم البدء باستقبال المواطنين السوريين والمراجعين.
علاقات دبلوماسيّة متناميّة
بوضوح تحدث القنصل السوريّ أنهم يسعون للعمل بأسرع وقت من أجل فتح أبواب السفارة لاستقبال المواطنين من أجل تقديم أفضل الخدمات المتعلقة بالأمور القنصلية وما يخص جوازات السفر، ولا سيما تلك منتهية الصلاحية وفقاً لتوجيهات الرئيس بشار الأسد بالعمل دائماً على خدمة المواطن.
وفي التاسع من أيار الماضي أعلنت سورية استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في المملكة العربية السعودية بعد ساعات من إعلان الرياض استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية لدى دمشق.
ومؤخراً، تم الإعلان عن تعيين السفير أيمن سوسان، نائب وزير الخارجية السوري، سفيرًا لسوريا في الرياض، وفقًا لمصادر مطلعة في سوريا.
وأشارت مصادر دمشق إلى أنه تمت إجراءات التعيين والتصديق على هذا التعيين بين السعودية وسوريا، دون الكشف عن هوية السفير السعودي القادم إلى سوريا في هذا السياق، ويتوقع أن تتحقق الخطوة النهائية في إعادة إعمار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد عودة الرئيس السوري بشار الأسد من زيارته إلى الصين.
الجدير بالذكر أن أيمن سوسان، الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية السوري منذ عام 2014، يمتلك خبرة واسعة في المجال الدبلوماسي والسياسي، و سبق له أن شغل منصب سفير سوريا في بلجيكا والاتحاد الأوروبي حتى عام 2014، ما يشير إلى أهمية تلك الخطوة في تطوير العلاقات بين البلدين بعد فترة من التوترات.
وتمت إعادة العلاقات السياسية بين السعودية وسوريا إلى وضعها الطبيعي وفُتِحَت سفارتا البلدين قبل بضعة أشهر.
وفي شهر يونيو من هذا العام، قام وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بزيارة إلى المملكة العربية السعودية بدعوة من نظيره السعودي، فيصل بن فرحان.
وكان وزير الخارجية السوري قد قام بزيارة إلى السعودية في 17 مايو الماضي للمشاركة في قمة للجامعة العربية، يُذكر أن هذه هي الزيارة الثالثة لوزير الخارجية السوري إلى السعودية خلال الأشهر القليلة الماضية، ما يشير إلى استعادة التواصل الدبلوماسي بين البلدين.
سبق وأن أعلن باسم منصور، مدير عام الخطوط الجوية السورية، أن السعودية وافقت على طلب سوريا استئناف الرحلات الجوية بين البلدين.
وأوضح منصور أن الخطوط الجوية السورية وأجنحتها الشام ستتخذان الإجراءات اللازمة لاستئناف الرحلات الجوية، وأشار إلى أن المنظمة العربية للطيران التابعة للجامعة العربية قد أعلنت عن استئناف جميع أنشطتها بشكل كامل، ما سيسهم في تفعيل الرحلات الجوية إلى دمشق وتشجيع شركات الطيران على استخدام الأجواء السورية.
واليوم، مع تعيين سفيرين في الرياض ودمشق، يشهد العالم عودة سوريا بقوة إلى الساحة العربية، هذه الخطوة تُعتبر إيجابية بشكل كبير وتشير إلى وجود فرص كبيرة لتحسين التدريجي للعلاقات بين سوريا والدول العربية والمجتمع الإقليمي.
تسعى الدول العربية والجهات المعنية بشكل كبير من خلال الصراع إلى بناء توافق حول كيفية تطوير هذه العلاقات بعد مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في قمة الجامعة العربية.
هذا التواصل والتفاهم يعكسان الحاجة الملحة إلى التعاون المشترك للتغلب على التحديات المشتركة وتحقيق استقرار المنطقة.
حالياً، يظهر أن هناك إجماعًا عربيًا قويًا على دعم سوريا ومؤسساتها في جهودها الشرعية لاستعادة سيطرتها على الأراضي السورية بعد سنوات من الحرب الدموية التي تركت آثارًا كارثية على البلاد.
سوريا تمتلك اليوم فرصة جديدة لإعادة بناء البلاد وتعزيز الاستقرار بمساعدة الدول العربية والمجتمع الدولي.
الحل السياسي والتعاون الإقليمي يمكن أن يلعبا دورًا حاسمًا في إنهاء الأزمة في سوريا وتوفير الظروف لعودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. دعم الدول العربية لعودة سوريا إلى المحيط العربي يمثل نقلة دبلوماسية مهمة تعزز الوضع الدبلوماسي لدمشق وتنهي عزلتها السياسية بشكل رسمي.
هذا القرار يعبر عن رغبة الدول العربية في التعاون مع سوريا والمساهمة في إعادة بناء البلاد والمساعدة في تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وإن التحرك الدبلوماسي السريع من جانب سوريا والسعودية يعكس رغبتهما الجادة في استعادة دورهما الإقليمي والدولي، وهذا يأتي في وقت تحتاج فيه المنطقة بشدة إلى دول قوية ومؤثرة تلعب دورًا إيجابيًا في تحقيق الاستقرار وحماية الأمن القومي العربي.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه سوريا بسبب الحرب والدمار الهائل الذي خلفته، إلا أن عودتها إلى الحضن العربي تمثل فرصة لتعزيز التعاون الإقليمي والتواصل الدبلوماسي.
يجب أن تكون هناك جهود عربية إنسانية مشتركة لدعم الشعب السوري ومساعدته على التغلب على آثار الحرب والصراع، هذه الخطوات تمثل فرصة حقيقية للعمل العربي المشترك وتحقيق الاستقرار في المنطقة، إضافة إلى تعزيز دور سوريا كعضو نشط بين العرب وكمحور أساسي في الحياة العربية.
10 سنوات من القطيعة
شهدت العلاقات السورية السعودية تقلبات كبيرة في السنوات الأخيرة، تأثرت إلى حد كبير بالديناميكيات الجيوسياسية والصراعات الإقليمية، واتسمت هذه العلاقات بالتوتر والتعقيدات، حيث اتخذ البلدان مواقف متعارضة بشأن مختلف القضايا الإقليمية. بينها دعم الفصائل المسلحة في سوريا، وكان أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في توتر العلاقات بين سوريا والمملكة العربية السعودية هو مواقفهما المتباينة في الحرب على سوريا، فقد تلقت سوريا، بقيادة الرئيس بشار الأسد، الدعم من إيران وروسيا، في حين دعمت المملكة العربية السعودية بنشاط جماعات المعارضة التي تسعى إلى الإطاحة بالحكومة السورية، وأدى هذا الدعم للفصائل المتعارضة إلى تأجيج العداء وتعميق الانقسام بين البلدين.
كذلك، كان للتطورات في أوائل عام 2010 تأثير كبير على العلاقات السورية السعودية، حيث دعمت المملكة العربية السعودية الاحتجاجات ضد الحكومة السورية، داعية إلى التغيير السياسي، في حين اتهمت سوريا المملكة العربية السعودية بالتدخل في شؤونها الداخلية، وأدى ذلك إلى تداعيات دبلوماسية، حيث استدعى البلدان سفراءهما وأغلقا سفارتيهما في عام 2012، ولعب التنافس على النفوذ الإقليمي أيضاً دوراً في تشكيل هذه العلاقات، وكانت المملكة العربية السعودية، باعتبارها قوة إسلامية كبرى، تنظر إلى نفسها باعتبارها قوة كبيرة جداً في المنطقة، وأصبحت سوريا، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع حلفاء قدام، نقطة محورية في هذا التنافس الإقليمي الأوسع، وقد أدت الصراعات المستمرة بالوكالة في الشرق الأوسط، إلى تفاقم هذه التوترات.
وعلى الرغم من الأعمال العدائية، كانت هناك محاولات متقطعة لتحسين العلاقات وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وقد تمت إعادة تنشيط القنوات الدبلوماسية بين البلدين، ما يشير إلى إمكانية المصالحة التامة، ومع ذلك، ظل التقدم الكبير يسعى البلدان إلى تحسين العلاقة رغم الخلافات السياسية العميقة الجذور والمصالح الإقليمية المتضاربة، ولا يزال مستقبل العلاقات السورية السعودية غير واضح رغم المرحلة المهمة اليوم، لأنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالديناميكيات الإقليمية الأوسع وحل الصراع السوري.
ومع استمرار تطور الديناميكيات الإقليمية، قد تكون هناك فرص وجهود دبلوماسية لتخفيف التوترات وتسهيل إقامة علاقة أكثر إيجابية عقب تعيين السفيرين، ومع ذلك، فإن تحقيق التقارب الشامل سيتطلب تنازلات كبيرة وإعادة تقييم الأولويات الإقليمية من قبل كلا البلدين.
وبالتأكيد، تُعقد العلاقات السورية السعودية بشبكة معقدة من العوامل السياسية والأيديولوجية والإقليمية، ورغم أن القنوات الدبلوماسية أظهرت علامات المصالحة، إلا أن الخلافات العميقة والمصالح المتضاربة قد تؤثر بشكل محدود على التقدم الكبير في تحسين العلاقات بين البلدين، ومن المرجح أن يلعب ذلك دورًا إيجابيًا في حل الصراع السوري والتحولات في الديناميكيات الإقليمية، وله دور حاسم في تحديد المسار المستقبلي للعلاقات السورية - السعودية.