الوقت- ضجت وسائل الإعلام الإسرائيليّة بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي ادّعى فيها أن "إسرائيل" لا تتجه نحو حرب أهلية، وذلك في مقابلة مع شبكة إن بي سي نيوز، في ظل التوترات الداخلية الحالية في كيان الاحتلال، مثل الصراعات بين اليهود أنفسهم والخلافات المستعرة، ناهيك عن الخلافات السياسية بين الأحزاب والمجموعات المختلفة، والتي يمكن أن تشجع على حدوث تفجيرات عنيفة في المناطق الحساسة، ولذلك، تدعي الحكومة الإسرائيلية على لسان رئيسها العمل على تقليل هذه التوترات وتعزيز الحوار والتفاهم بين جميع الأطراف، لمحاولة تجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية في المستقبل القريب.
نتنياهو والحرب الأهلية
"لن تكون هناك حرب أهلية، أنا أضمن لك "، هذا ما ركّزت عليه مزاعم نتنياهو لمحاولة نفي رأي الإسرائيليين وغيرهم حول أن "إسرائيل" تتجه نحو حرب أهلية تحرق أخضر الاحتلال ويابسه، في وقت يواجه كيان الاحتلال الإسرائيلي خلافات داخلية عديدة، تتعلق بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة وغيرها من المجالات، ومن أبرز هذه الخلافات الداخلية، كالصراع العربي – الإسرائيلي، ويعتبر هذا الصراع القضية الأساسية التي تؤرق كيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتنازع الفلسطينيون مع الإسرائيليين –المحتلين- على الأرض والحدود والهوية وغيرها من القضايا السياسية.
أيضاً، الخلافات السياسية، وتتعلق هذه الخلافات بين الأحزاب السياسية المختلفة في كيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتنازعون على السلطة والقرارات الحكومية والسياسات العامة، هذا إذا ما تناسينا الصراعات الدينية، حيث توجد في كيان الاحتلال الإسرائيلي مجموعات دينية متناحرة، تتعلق بالإيمان والعقائد والشرائع الدينية، ما يؤدي إلى توترات وصراعات داخلية، ناهيك عن الخلافات الاجتماعية والتي تنشأ بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في كيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتنازعون على الثروة والدخل والفرص الاقتصادية والاجتماعية.
وإضافة إلى الخلافات الثقافية المتعلقة بالخلافات الشاسعة بين الثقافات والأعراف المختلفة في كيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتنازعون على الموروثات الثقافية واللغة والتراث والهوية الثقافية، يجب الإشارة إلى أن هذه الخلافات الداخلية في كيان الاحتلال الإسرائيلي تمثل تحديات كبيرة أمام الحكومة الإسرائيلية، لذا نجدها تحاول تقليل خوف الإسرائيليين المستوطنين المبرر من التوترات، لكنها بعيدة كل البعد عن أسلوب تعزيز الحوار والتفاهم بين جميع الأطراف التي تتسع بينها الفجوات أكثر فأكثر ويوماً بعد آخر.
وفي هذه المقابلة، دافع نتنياهو عن وجود وزراء متطرفين في حكومته، وهذا على الرغم من أن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" انتقد مؤخرًا بعض الوزراء المتطرفين في حكومة الكيان الصهيوني، وتأتي كلمات نتنياهو هذه في الوقت الذي حذر فيه يائير لابيد، زعيم أحزاب المعارضة في حكومة النظام الصهيوني المؤقت، مؤخراً، من أن هذا النظام ينهار ويتفكك من الداخل، وفي مقابلة مع قناة كان نيوز، قال لبيد إن الائتلاف الوزاري لنتنياهو يجر هذا الكيان ليس فقط إلى "أزمة دستورية" ولكن أيضًا إلى "أزمة وجودية"، كما حذر "إسحاق هرتسوغ"، رئيس الكيان الصهيوني، الأسبوع الماضي من أن كيانهم في حالة طوارئ داخلية بعد خطة التغيير القضائي لمجلس الوزراء في تل أبيب، وفي الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من الاحتجاج الشديد من قبل أحزاب المعارضة والتظاهرات الحاشدة لسكان الأراضي المحتلة، وافق البرلمان الصهيوني على خطة بعنوان إلغاء مبدأ "اللامعقولية"، ما أضعف بشكل كبير من سلطة محكمة القضاء العليا.
الكيان الإسرائيلي يتجه نحو الحرب الأهلية
لا شك أن وجهات النظر والتحليلات السياسية تختلف بشكل كبير حول العالم ولا يمكن تمثيل كل الآراء بصورة دقيقة، ولأنه من المهم الحفاظ على التوازن والحياد عند التحدث عن قضايا حساسة مثل هذه، يمكن القول إن أغلب وجهات النظر في الكيان وخارجه تتفق على احتمال حدوث حرب أهلية في "إسرائيل" قد تستند إلى عدة عوامل وأسباب محتملة، من بينها التوترات السياسية والاجتماعية التي قد يؤدي تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية داخل "إسرائيل" إلى تفاقم الانقسامات بين الفصائل والجماعات المختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي.
كذلك، الصراعات الإقليمية، حيث قد تتأثر "إسرائيل" بالصراعات الداخلية العميقة وحتى الإقليمية المحيطة بكيان احتلالها، مثل الأزمة في سوريا، والتوترات مع المقاومة اللبنانية وإيران، والتطورات في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وهذه الصراعات قد تؤدي إلى تصاعد التوترات داخل الكيان نفسه، إضافة إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث يعد من أكثر القضايا التي تشكل تحديًا للأمن والاستقرار على الكيان مع إصرار هذا الشعب على تحرير أرضه والعودة إلى بلاده، وقد تؤدي التوترات المستمرة بين الجانبين إلى تفاقم الصراعات الداخلية في الكيان ومستوطنيه الذين جُمعوا من أصقاع الأرض.
ويعترف الإسرائيليون أن "إسرائيل" في وضع سيء للغاية، والصراعات الداخلية تمزقها، وهذا ما جاء حرفيّاً على لسان هرتسوغ الذي لخص الحالة الصهيونيّة باختصار، وذلك بالاستناد إلى أن الكيان الغاصب ليس لديه دستور، ويمكن للمحكمة العليا إلغاء قوانين يقرّها البرلمان إذا اعتبرتها تمييزية، لكن حكومة الاحتلال الجديدة أقرت “بند الاستثناء” بما يسمح لها بإعادة وضع قانون رفضه القضاة قيد التطبيق، في وقت تلوح فيه “معركة” كبيرة في الأفق بين المحكمة العليا وأنصار هذا التعديل القانونيّ، ومؤخراً أصدر البرلمان التابع للعدو بشكل مستعجل قانوناً يسمح لأي شخص مدان في جريمة ولم يصدر بحقه حكم بالسجن الفعلي، بأن يكون وزيراً، ومن ناحية أُخرى إذا صوّت النواب على إلغاء محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد على سبيل المثال، وألغت المحكمة بعد ذلك هذا التصويت، فإن “بند الاستثناء” سيجعل من الممكن تعليق قرار المحكمة بإلغاء المحاكمة.
ولم تخف وسائل الإعلام العبرية، أن "إسرائيل" تواجه أزمة تاريخية تنذر بالانهيار من الداخل، وأنّ الصهاينة يعيشون في أصعب اللحظات التي مروا بها ويعلمون جميعًا من أعماق قلوبهم أن هذه الأزمة تشكل خطرًا داخليًا على الصهاينة، مع وجود احتجاجات وخوف وقلق من الإصلاحات القضائية، وهذا يمكن أن يقود تل أبيب إلى الهاوية الصعبة، وخاصة مع تعميق الأزمة الداخلية وحالة الانقسام بين الإسرائيليين، و تزايد الشروخ بشكل يهدد "المجتمع الإسرائيليّ"، رغم الضغوط الخارجية والداخلية المستمرة على حكومة الاحتلال العنصرية لوقف أو إبطاء عملية التشريعات الإشكالية للغاية، وذلك بالنظر إلى أنّ كيان الاحتلال أصبح مستعبداً بشكل كامل لاحتياجات الجماعات الإسرائيليّة المتطرفة، وبالتالي سيدفع الإسرائيليون أثماناً باهظة، وخاصة أنّ مؤسسات الكيان باتت مسخرة بالمطلق لخدمة الصهاينة المتطرفين.
في النهاية، كذب نتنياهو ولو صدق، هذا ما يقوله الإسرائيليون الذين فقدوا أدنى ثقة بحكومتهم وكيانهم، في الوقت الذي تسيطر فيه الخلافات الإسرائيلية الداخلية على المشهد، بالأخص في الأشهر الأخيرة حول استقلالية الجهاز القضائي، وحماية السلطات الثلاث، والدفاع عن مكانة المحكمة العليا، وحماية ما يسمونه "منظومة الديمقراطية"، لكن الأصل في الانشقاقات ضمن بنية الكيان السياسيّة والاجتماعية التي تعاني في الجوهر من مشكلات أعمق وأكبر بكثير من هذا السجال حول الجهاز القضائي، حيث تعكس هذه الخلافات تغيرات عميقة في صفوف الإسرائيليين واختلافات مستترة في السياسة والمجتمع ومجمل التوجهات، بين شرقيين وغربيين، بين متدينين وعلمانيين، بين مؤيدين ومعارضين لبعض الملفات كالضم وهكذا.