الوقت- في مثل هذه الأيام قبل سبع سنوات، كانت العلاقات الروسية التركية تشهد زخماً وتحركات مهدت لانتعاشة غير مسبوقة، بعد أشهر من الجفاف على إثر واقعة إسقاط قاذفة "سوخوي 24" من قبل سلاح الجو التركي على الحدود السورية التركية نهاية 2015.
حينها، أفسح اعتذار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن واقعة إسقاط الطائرة، والانحياز الروسي له أثناء المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف 2016، الطريق نحو الاستعادة الكاملة للعلاقات في مجالات التجارة والسياحة والطاقة، بل وتوسيعها لتشمل التنسيق في سورية، عبر آلية أستانة، وحتى التعاون العسكري التقني، لتصبح تركيا أول بلد عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يحصل على منظومة صواريخ "إس-400" الروسية للدفاع الجوي.
وبعد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، التزمت تركيا حياداً إيجابياً ساهم في أدائها أدواراً رئيسية في الوساطة في بعض الملفات، مثل إخراج مقاتلي كتيبة "آزوف" القومية المتشددة الأوكرانية من مصنع "آزوفستال" في مدينة ماريوبول الساحلية، وإبرام "صفقة الحبوب" لإخراج الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، إلا أن شبح الخلاف الروسي التركي يعود إلى الواجهة اليوم، بعد تسليم أنقرة قادة كتيبة "آزوف" لأوكرانيا أمس الأول السبت، رغم الاتفاق القاضي ببقائهم في تركيا حتى انتهاء الحرب، وسط تساؤلات حول تداعيات الواقعة التي يفاقمها عدم تلقي روسيا أي إخطار مسبق بتسليم المقاتلين إلى كييف.
عودة قادة من "كتيبة آزورفستال" مع زيلينسكي من تركيا
من المعروف أن هناك زياردة مرتقبة للرئيس الروسي فلادمير بوتين إلى تركيا خلال الفترة القادمة ولكن وخلال الايام الاخيرة تناقلت العديد من المصادر الاخبارية العديد من التكهنات حول حدوث الزيارة، فهل يُلغي الرئيس الروسي فلادمير بوتين زيارته المُرتقبة إلى أنقرة، حيث أعلن نظيره التركي رجب طيّب أردوغان موعد اللقاء بينهما الشّهر المُقبل (الكرملين قال بأن موعد اللقاء لم يتحدّد)، هذا تساؤلٌ مطروح، بعد عُنوان عريض اسمه “آزوف” أثار عتب روسيا وحتى احتجاجها وربّما يقود لأزمة لاحقاً، بين البلدين، حيث عاد خمسة من قادة كتيبة “آزوف” الأوكرانيّة من تركيا إلى أوكرانيا برفقة رئيسها فولوديمير زيلينسكي، في أعقاب زيارة الأخير لإسطنبول.
وكان قال أردوغان حول لقائه المُرتقب مع بوتين: خلال لقائنا وجهًا لوجه الشهر المُقبل سنبحث تبادل الأسرى بين موسكو وكييف، وتمديد اتفاق صفقة الحبوب ثلاثة أشهر وليس لشهر أو شهرين، وغيرها من الملفّات.
“آزوف” كتيبة أوكرانيّة، ووفقاً للأدبيّات الروسيّة، هي جماعة إرهابيّة، جرى نقلها إلى أوكرانيا برفقة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو ما أغضب موسكو، وأعلنت حسب مُتحدّث الرئاسة الروسيّة ديمتري بيسكوف، بأن أحدًا لم يُبلغ روسيا بنقل قادة “آزوف” والتي وصفها بيسكوف بالإرهابيّة.
وحسب بيسكوف، كان من المُفترض وفق الاتفاق بين موسكو وأنقرة، أن يبقى قادة الكتيبة في تركيا حتى انتهاء الصراع، وهو ما لم يحدث، وفقاً لمقطع فيديو مُصوّر أرفقه زيلينسكي بتغريدة على حسابه عن استقباله للقياديين في الكتيبة وتبادل معهم أطراف الحديث في الطائرة.
ما هي الأسباب التي دفعت تركيا للإخلال بالاتفاق مع موسكو؟
تطرح الخطوة التركيّة تساؤلات حول أسباب تركيا التي دفعتها للإخلال بالاتفاق مع موسكو، والسماح لزيلنسكي بتسجيل هدف في الشباك الروسيّة، وهو المهزوم وجيشه على أرض الواقع بعد لجوء الولايات المتحدة لتزويده بقنابل عنقويّة مُحرّمة دوليّاً، وفشل الهُجوم المُضاد الأوكراني، والمُباهاة بذلك عبر حسابه على “تويتر” قائلاً: “نعود من تركيا إلى الوطن، ونُعيد أبطالنا إلى وطننا، وأخيرًا الجنود الأوكرانيون دنيس بروكوبينكو، وسوياتوسلاف بالامار، وسيرخي فولينسكي، وأولي خومينكو، ودنيس شليها سيكونون إلى جانب أقاربهم”.وصمتت السلطات التركيّة عن تقديم أسباب، أو تعليق رسمي حول موقفها من السّماح للضباط بمُغادرة أنقرة حتى كتابة هذه السّطور، وما إذا كانت هذه الخطوة، مُقدّمة لخطوات تميل فيها أنقرة بالأكثر نحو الغرب، وتتخلّى عن لعب دورها الإيجابي كما تصفه أنقرة بين روسيا، وأوكرانيا، ضمن صفقات ترعاها مِثل تبادل الأسرى بين موسكو وكييف، واتفاق صفقة الحبوب والعمل على تمديدها أشهر، وغيرها من الملفّات التي يقول الرئيس أردوغان بأنها خطوات مُهمّة تقودها بلاده “نحو إنهاء الحرب”.
احتجاج روسي على عودة قادة "كتيبة آزورفستال"
اعتبرت موسكو عودة قادة من "كتيبة آزوفستال" من تركيا إلى أوكرانيا مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي "خرقا مباشرا جديدا لشروط اتفاقات مبرمة". وكان اتفاق توسط فيه رجب طيب أردوغان أفضى إلى إطلاق سراحهم في سبتمبر الماضي مع شرط بقائهم في تركيا حتى نهاية الحرب، حيث احتجت الرئاسة الروسية على عودة عدد من قادة "كتيبة آزوفستال" التي تصنفها موسكو "إرهابية"، من تركيا إلى أوكرانيا برفقة رئيسها فولوديمير زيلينسكي، في خرق لاتفاق كان يقضي ببقائهم هناك حتى نهاية النزاع.
واعتبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن "عودة قادة كتيبة آزوف من تركيا إلى أوكرانيا هي خرق مباشر جديد لشروط اتفاقات مبرمة"، وفق ما أوردت وكالات الأنباء الروسية.واعتبر أن هذه المخالفة تتحمل مسؤوليتها أنقرة كما كييف لأن الاتفاق الذي أفرجت بموجبه روسيا عن هؤلاء العام الماضي، كان ينص على بقائهم في تركيا إلى أن تنتهي الحرب.
في السياق نفسه تبدو موسكو عاتبة على أنقرة جرّاء “آزوف”، وكان ذلك جليّاً فبعثت الحكومة الروسية برسالة عتب إلى أنقرة، بعد السّماح لضباط كتيبة “آزوف” بالمُغادرة رفقة زيلينسكي، هذا العتب الروسي يضع تساؤلات حول إمكانيّة تطوّره إلى أكثر من ذلك، رغم أن الناطق بيسكوف أظهر تفهمّاً روسيّاً وهو يعتب على أنقرة، وقال: “نتفهّم تضامن تركيا مع حلف شمال الأطلسي بصفتها عُضوًا فيه”.
هل هناك ضغوط من قبل حلف شمال الأطلسي على تركيا؟
بعد عودة قادة من "كتيبة آزوفستال" من تركيا إلى أوكرانيا مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، أكّد بيسكوف أن الغرب مارس ضُغوطًا كبيرةً على تركيا قبل قمّة حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) التي ستُعقد في ليتوانيا ، فما هي هذه الضّغوط التي دفعت تركيا للسّماح لكتيبة آزوف بالعودة مع زيلينسكي لدرجة إزعاج موسكو، وهل يُمكن لضغوط أكثر قسوة أن تدفعها لخطوات أكثر إزعاجاً، وإغضاباً لروسيا، وإلى أى مدى ستبقى موسكو مُتفهّمة لعضويّة تركيا في “الناتو”، والضّغوضات على أنقرة المُوصلة للتنازلات المُضرّة بمصالح موسكو، وهل تلجأ الأخيرة لإلغاء اتفاق تصدير الحبوب في رد أوّلي على “الانتهاك التركي” للاتّفاق، ثم تُقدم روسيا على طرد تركيا من سورية، حيث تصريح لافت للمبعوث الروسي لسورية الذي قال بالتزامن مع عودة كتيبة “آزوف” لأوكرانيا والذي قال فيه: الوجود العسكري التركي في سوريا يُعرقل التطبيع بين البلدين، فهل حان وقت إنهاء هذا الوجود التركي؟هذه الخطوة “الآزوفيّة” التركيّة، لا بد لها أن تُثير علامات استفهام بين المُراقبين، نظرًا لتوقيتها في ظل ما تقول تركيا بأنه حراكٌ تقوده يتعلّق بشَكلٍ مُباشر وغير مُباشر بالحرب الأوكرانيّة، كما تزامن مع اتصال وزير الخارجيّة التركي السبت، هاكان فيدان مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، حيث ناقشا آخر التطوّرات في أوكرانيا، وحسب بيان للخارجيّة التركيّة قال بأنهما ناقشا خلال المُحادثة قضايا توسيع الناتو، والقمّة القادمة لقادة الناتو في فيلنيوس، وتمديد آليّة مُساعدات الأمم المتحدة العابرة للحدود لسوريا، والأحداث الأخيرة في أوكرانيا.ولم يكتف زيلينسكي باستعراضه عودة قادة كتيبته، بل أقام لهم مراسم في مدينة لفيف بغرب أوكرانيا، حيث شكر زيلينسكي أردوغان للمُساعدة في إطلاق سراحهم، وتعهّد بإعادة بقيّة السجناء.
وفي مقطع فيديو مّتداول يبدو أن سمة الاستفزاز لروسيا كانت فيه مُتعمّدة، سأل صحفي زعيم مجموعة “آزوف” دينيس بروكوبينكو: هل ستعود للجبهة فأجاب بالتأكيد لهذا السبب عُدنا إلى أوكرانيا، هذا هو هدفنا الرئيسي، ما يطرح تساؤل هُنا: هل كانت تركيا تعلم بأن هدف المُقاتلين الخمسة من العودة لبلادهم، هو القتال ضدّ روسيا، وهُم الذين أفرجت عنهم روسيا ضِمن صفقة تبادل أسرى، تشترط عليهم البقاء في بلدٍ ثالث (تركيا)، ما يعني أن الإفراج ليس قانونيّاً، تساؤلٌ مطروح.
العلاقات الروسية التركية بعد السماح بعودة قادة في كتيبة "آزوف" إلى أوكرانيا
بعد الخطوة الاخيرة التي قامت بها تركيا من المتوقع أن تشهد العلاقات التركية الروسية تاثراً حيث إن الجانب الرسمي في روسيا اعتبر أن الخطوة التي قامت بها تركيا هي إخلال لاتفاق ومن خلال هذا يمكن أن يتضح المشهد أكثر لدى روسيا بان أردوغان شخص لا يمكن الوثوق به ولا يمكن الوثوق بوعوده، وما تجدر الاشارة اليه ان هناك تساؤلات كبيرة عن الاسباب التي دفعت الرئيس التركي للقيام بهذه الخطوة، وفي السياق نفسه يتضح أن الخطوة التي قام بها الرئيس التركي هي خطوة استفزازية حيث إن هناك اتفاقا بين روسيا وتركيا "اتفاق الحبوب" سينتهي خلال الشهر المقبل لذلك يمكن القول ان أحد الاسباب التي دفعت الرئيس التركي للقيام بمثل هكذا خطوة هو أن الرئيس التركي يريد ان يظهر بمظهر القوة قبل موعد انتهاء الاتفاقية.
وفي هذا الصدد يمكن القول ان هناك احتمالات كبيرة لعودة العلاقات الامريكية التركية الى مسارها وربما قرر الامريكان إعطاء شيئ للرئيس التركي لذلك فعل هذا. حيث إن هناك العديد من الملفات المترابطة. من جهةٍ اخرى يرى مؤيدون للرئيس التركي أن المصلحة التركية هي التي دفعت تركيا للقيام بهذه الخطوة وأن عودة الكتبية الاوكرانية من تركيا ياتي في سياق السيادة والقرارات التركية، حيث ان الدور التركي بين روسيا و اوكرانيا خلال الفترة الماضية كان ايجابياً.