الوقت- مرة جديدة ظهرالشرخ الحاصل في الموقف الأروبي تجاه الازمة في اوكرانيا؛ هذه المرة بدأ هذا الشرخ واضحاً من خلال حديث وزير الخارجية الالمانية فرانك فالتر شتاينماير الذي اعتبر أن الموقف الالماني لا يتطابق مع الموقف الامريكي تجاه ما يحصل في اوكرانيا.
جاء كلام الوزير الالماني ليكشف ما سعت واشنطن لاخفائه، وليؤكد منهج عمل السياسة الامريكية في كل العالم الذي يعتمد على مصلحتها فقط بغض النظر اذا تأذت أو تضررت مصالح حلفائها عملا بمبدأ "أنا ومن بعدي الطوفان".
حيث اعتبر وزير الخارجية الألماني مجدداً وعلى هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي أن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا الذي تؤيده واشنطن يعتبر بمثابة عمل خطير للغاية وغير بناء. كما أنه لميستطع تدارك نفسه وأشار إلى أن المانيا باقية في هذا الموقف بشكل عنيد وأن الأمريكيين لايعرفون سوى القليل جداً عن الوضع في أوروبا.
قال شتاينماير في حديث لصحيفة "هانديلسبلات" الألمانية: "لا أعول على عزل روسيا عن الاتحاد الأوروبي لمدة طويلة. والبحث عن حل سياسي قد يستمر طوال سنوات وحتى عشرات السنين، لكن علينا أن نفعل كل ممكن لتسوية النزاع".
وأضاف أن العقوبات الاقتصادية على روسيا مطلوبة كأداة ضغط، مشيرا كذلك إلى ضرورة تقديم مزيد من المساعدات إلى أوكرانيا، وأكد أن تقييم حاجة كييف الحقيقية إلى الأموال يبدو غير ممكن.
وسبق كلام شتاينماير حديث للمستشارة الألمانية "انجيلينا ميركل" أكدت فيه مرة اخرى موقفها المعارض لإرسال أسحلة إلى أوكرانيا. كما أكدت في هذا السياق على أن الحكومة الألمانية لايمكنها ايجاد أي حل عسكري للتعامل مع أوكرانيا. فصرحت قائلة: "لا أستطيع أن أتخيل في ظل أي ظرف من الظروف والتي يتم فيها تجهيز الجيش الأوكراني بالأسلحة الجيدة أن تقود بوتين لأن يقبل بالفشل في الصراع على الساحة العسكرية وأن يركعه ذلك."
السجال الاوربي لم يتوقف في تصريحات هنا وهناك بل ظهر جلياً خلال مؤتمر ميونيخ للأمن حيث طالب العديد من الساسة البارزين في دول منطقة البلطيق المجاور لأوكرانيا بالاضافة الى بولندا وبريطانيا بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا بشكل يتعارض مع موقف المانيا ،أقوى دول الاتحاد الاروبي اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، ومواقف دول اخرى اكثر اعتدالا مثل ايطاليا واليونان واسبانيا ويتوافق مع الطموحات الامريكية اتجاه اوكرانيا. وهو ما أكدته تقارير اعلامية في الأيام القليلة الماضية عن قيام الساسة الأمريكيين داخل الحكومة الأمريكية وخارجها بالضغط على الرئيس الأمريكي من أجل دفعه لإرسال أسلحة دفاعية إلى أوكرانيا. بدوره حاول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اخفاء الاختلافات في الرؤى حيال اوكرانيا او التقليل منها معتبراً أن الموقف الامريكي والاوربي منسجم وقال: " نحن متحدون وسنبقى متحدين" ورأى كيري:"إننا نتفق في هذا الخصوص بأنه لايمكن التغلب على هذه التحديات من خلال الأدوات العسكرية ولايوجد هناك أي حل عسكري لذلك. ولكن كلما كانت مدت هذه الأزمة أطول كان علينا تحمل تكاليف أكبر من أجل روسيا وأتباعها".
وتقود الاختلافات في وجهات النظر هذه في المعسكر الغربي إلى نقاشات مفتوحة وعلنية حيث تحدى السيناتور الأمريكي بوب كوركو المستشارة الألمانية بشكل مباشر ليؤكد وبشكل حماسي أنه ينبغي على الغرب القيام بمساعدة أوكرانيا لدعمها في الحصول على حريتها من العدوان الروسي. وسبق ذلك حديث للسيناتور الامريكي من الحزب الجمهوري "ليندسي جراهام" حرض الالمان على الضغط على مستشارتهم للموافقة على تسليح اوكرانيا، واعتمد في ذلك على تذكير الألمان بسقوط العديد من الضحايا في الحرب الباردة من أجل البلدان الأخرى للدفاع عن حرية ألمانيا. وأضاف جرهام: "باعتقادي أن ميركل تخطأ خطأ كبيراً حيال أوكرانيا. " كلام السيناتور جرهام جاء ليعزز موقف رئيس لجنة الدفاع في الكونغرس الأمريكي السيناتور جون ماكين الذي شدد أيضاً على مطالبته بإرسال أسلحة إلى أوكراينا.من جانبه تجنب نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الحديث عن مسألة الدعم العلني لإرسال أسلحة إلى كييف محاولاً تمويه الموضوع بعدم وجود قرار نهائي.
وفي هذ السياق اعتبرت إحدى الصحف الألمانية في تقرير لها عن أن المحادثات في مؤتمر ميونيخ وماتلاه يكشف عن الفجوة والاختلاف الكبير في وجهات النظر في المعسكر الغربي بشأن القضية الأوكرانية وبشكل خاص فيما يتعلق بإرسال الأسلحة إلى كييف.
وجاء في تقرير كتبته صحيفة هامبورغر آبند بلات الألمانية: لقد كان واضحاً وللمرة الثانية إلى أي حد تبدو وجهات النظر الروسية والغربية متباعدة ومتباينة وذلك قبل وقت قصير من سفر المستشارة الألمانية إلى مؤتمر ميونيخ في نهاية الأسبوع الماضي.
كما أظهر في مؤتمر ميونيخ للأمن تباين وخلافات في وجهات النظر في المعسكر الغربي بهذا الخصوص. بالتالي، ماذا ينبغي فعله في حال فشلت جهود الوساطة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية في سبيل حل الأزمة الأوكرانية.
وأشارت الصحيفة الألمانية أيضاً بأن العديد من ساسة دول أوروبا الشرقية قد اعتبروا أن المنطق الذي تحدثت به ميركل في ميونيخ حيال قضية إرسال أسلحة إلى أوكرانيا بالخاطىء. في الواقع، فقد كان الجميع مدركون أن فكرة وجود تباين وخلل في الغرب في صالح موسكو والتي عملت منذ بدأ الأزمة الأوكرانية على خلق شرخ في التحالف الغربي.واعتبر الكاتب أن المقاومة العنيفة التي تظهرها ألمانيا حيال إرسال السلاح لأوكرانيا يعمل بشكل واضح على تقليل احتمال اتخاذ أمريكا قراراً بهذا الشأن.
الجدل حول الأزمة في اوكرانيا لا يتوقف على موضوع ارسال أسلحة لكييف فقط بل يتعداه الى بداية الأحداث والسياسة الواجب اعتمادها حيال روسيا بسبب دورها في الازمة بين مؤيد للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها والتي تنتهي في تموز/يوليووبدون تمديد لعدم جدواها وأخريرتقب تجديدها بحلول حزيران/يونيو.
هذه الخلافات وتلك أصبحت فيما بعد نواة لاقتراح رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكير تشكيل جيش أوروبي، في تلميح إلى نية أوروبا سحب مفاتيح أمنها من اليد الأمريكية المتسلطة في الناتو، والتعامل مع المشاكل التي تعترض القارة العجوز من الداخل دون الحاجة الى تدخلات الحاجة للاقتراحات و الوصاية الامريكية التي فرضتها واشنطن على أوروبا تحت عباءة الناتو، خاصة مع ظهور مؤشرات عن رغبة واشنطن في تأجيج نار النزاع في اوكرانيا من بوابة تسليح الجيش الأوكراني بينما تحاول الجهود الألمانية الفرنسية البحث عن حل سلمي يطفئ نار الأزمة التي قد تمتدعلى مختلف بقاع أوروبا.