الوقت- مضت سنوات طويلة على جريمة حصار غزة، التي أُطبق عليها من البر والبحر والجو، فأحالت الجريمة نحو مليوني فلسطيني إلى أوضاع بالغة الصعوبة والتعقيد منذ العام 2006.
وفي سنوات الحصار تلك نداءات محلية ومحاولات كسر للحصار، ودعوات منظمات دولية وتقارير تنادي لتخفيف معاناة الغزيين وتكشف آثار الجريمة وتداعياتها.والأسباب والذرائع بإدامة الحصار وتشديده هي ذريعة الاحتلال الإسرائيلي اليوم في مدن الضفة الفلسطينية المحتلة، ولمن ينفذ شروطه على الأرض في الجانب العربي، إلى جانب طلب السلطة الفلسطينية العقابي على ما اقترفته غزة بانتخابات 2006 ونجاح حركة حماس فيها ثم حدوث الانقسام الفلسطيني. والمنفّذ لشروط الحصار على الأرض في معبر رفح، هو النظام المصري الذي يطبق إجراءات وشروط الاحتلال مع غزة وسكانها بما يتماشى مع القوائم الطويلة للاحتلال في إدارته للحصار وفق شروطه ومعاييره لحياة الفلسطيني في غزة.
في السياق نفسه يمكن القول إن المعايير التي يدار بها حصار غزة معايير إسرائيلية وهي غير خافية على أحد، وما يُنفذ منها عربياً يخضع لهذه المعايير، سواء بما يتعلق بدخول البضائع وتنقل الأفراد، أو تزويد القطاع بالطاقة وتمويل رواتب الموظفين، غير أن المسؤولية ذاتية بالمقام الأول من ناحية إنهاء ظواهر الانقسام وإنهاء العقاب الجماعي الذي يتعرض له السكان، إذ بقيت الأرقام التي تخص غزة لجهة تداعيات الحصار والعدوان، مخيفة ومرعبة للذي يدقق بها ويبحث في تفاصيلها.
ومن يراجع التقارير المحلية والدولية التي ترصد واقع الكهرباء والماء والغذاء والصحة والصناعة والتجارة، يُدرك أن خنق القطاع مستمر بطرق وأدوات تُبقي على الحد الأدنى من الحياة الإنسانية للبشر، فضلاً عن عملية التدمير التي لحقت بقطاع السكن والمصانع والمشافي، وزيادة نسبة الفقر وسوء التغذية وتلوث مياه الشرب.
الجزائر تطلب السماح لها بدعم وإسناد قطاع غزة ومصر تُماطل
تهرّب مسؤولون مصريون كبار من الإجابة على استفهامات تقدّمت بها الحكومة الجزائرية مؤخرا بخصوص دعم وإسناد قطاع غزة. وذكرت مصادر مطلعة أن الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون لا يزال يحتفظ بأمل أن يتقبّل نظيره المصري عبد الفتاح السيسي مقترحات طرحها الأول بفتح المجال أمام الجزائر لتمرير مساعدات نفطية حصرا لأهالي قطاع غزة.
وكان تبون قد اقترح شخصيا على السيسي أن يوافق على توفير موقع لعبور مساعدات نفطية جزائرية على نفقة الخزينة الجزائرية لقطاع غزة المحاصر.وتضمّن اقتراح تبون أن تتكفّل الجزائر بتغطية كل احتياجات قطاع غزة من النفط والمحروقات وعلى نفقة الخزينة الجزائرية، لكن يبدو أن السيسي لم يتحمّس للفكرة.
وفي السياق نفسه أبلغت مصادر جزائرية بمتابعة لها أنها تتأمل أن تجيب الحكومة المصرية مباشرة على المقترح أو تبلغ الجزائر بالأسباب التي تحول تحقيق ذلك الاقتراح وخصوصا أنه تضمن تغطية كل التكاليف ودون أن تتكلّف الحكومة المصرية أي تكلفة.
والانطباع في الجزائر العاصمة يشير إلى أن الرئيس السيسي تهرّب من الجواب المباشر على مقترحات تبون وأن الحكومة المصرية لا تريد تمرير أو الموافقة على الاقتراح الجزائري.
وتشير الأوساط الجزائرية إلى أن القصر الجمهوري اهتم بهذا الموضوع وأعد ملفا خاصا عنه وصدرت أوامر بمتابعته للسفارة الجزائرية في القاهرة لكن دون أي تطور.
الجانب المصري لم يصدر تعليقاً محدداً بالشأن اقتراح الرئيس تبون
اقترح الرئيس تبون تدبير وتحويل كل كميات المحروقات التي يحتاجها القطاع لتشغيل القطاعات الحيوية وعلى نفقة الحكومة الجزائرية أسوة بالمساعدات التي تقدمها الحكومة القطرية، لكن في المقابل الاتجاه المصري حتى اللحظة الامتناع عن قول رأي محدد بالشأن.
ووصفت مصادر في قطاع غزة حديث المصريين الدائم لوفود حكومة غزة وممثلي الفصائل عن “تسهيلات جديدة” على معبر رفح ومشاريع استثمارية كبيرة على الحدود ستقام بأنها “مجرد أقاويل” لم تتحوّل إلى أفعال بعد.
وقال رجل أعمال غزّي بأنه يسمع من 10 سنوات من الأشقّاء المصريين حديثا عن إقامة “مدينة سياحية” شاملة وتحويل وثائقها لكن المشروع لا يشهد أي تنفيذ حقيقي فيما لا تزال تعليمات المعبر المصري دون تطوير أو تسهيلات.
وتحدّث الإعلام المصري عن عطاءات تقرّرت وعمليات رسم نفّذت لإقامة مدينة ترفيهية ضخمة على الحدود مع القطاع بهدف تخفيف الضغوط على أهالي القطاع لكن المشروع تحرّك ورقيا فقط وتم تخطيط بعض قطع الأراضي وتتم الإشارة إليه لكن دون التحوّل فعلا إلى نطاق تنفيذي.
ما الذي يمنع مصر من الاستجابة لاقتراح الرئيس الجزائري؟
في ظل الحصار الخانق على غزة تُطرح أسئلة عميقة حول أخلاقية المعايير التي تقاس بها السياسات، وإسقاطات ذلك على الجوانب الإنسانية، لهذا يمكن القول إن طريقة تعاطي صانعي القرار في مصر فيما يخص حصار قطاع غزة ، يكشف على اختلال الموازين الإنسانية، بشكل فاضح.
وفي هذا الصدد فإن ازدواجية المعايير التي لا تخجل بعض الدول من الجهر بها، باتت تفرض إعادة تنظيم صفوف "المعسكر" -إن جاز التعبير- المعادي للحصار على غزة، بما يتطلب تغييراً في أدوات وآليات الحركة التضامنية، لتتخذ نمطاً أكثر فاعلية يكون له التأثير الأكبر في السياسة الدولية، بهدف إعادة النظر في مسألة الاستمرار في اقتراف جريمة الحصار على غزة، وصولاً إلى كسره وإنهائه إلى الأبد.
وما لا شك فيه أن حصار غزة خلّف كوارث إنسانية، غير قابلة لطيّها مع الزمن، وايضاً لم يتوان الاحتلال في منع قوافل كسر الحصار البرية من الوصول إلى قطاع غزة بشتى السبل، من خلال محاولاته التأثير على الجانب المصري بهدف إغلاق معبر رفح بشكل كامل في وجه القوافل، مع تحكمه الجائر بالمعابر الأخرى بين قطاع غزة، والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وفي هذا الصدد يمكن القول إن الجانب المصري يجب عليه القيام بدورة تجاة ابناء غزة وينتهز الفرصة التي قدمها الرئيس الجزائري، حيث إن الجانب المصري يستطيع القيام اليوم بالعديد من الأشياء التي من شأنها أن تقدم المساعدة لأبناء الشعب الفلسطيني.
جريمة حصار غزة .. جريمة حرب ضد الإنسانية
يدخل قطاع غزة عاماً جديدا من الحصار، وتتضاعف معاناة سكانه، ليبقى السؤال المؤلم في واقع الفلسطينيين والعرب والعالم، يحمل خزياً وعاراً إنسانياً وأخلاقياً: من يكترث لرفع المعاناة عنهم؟ ومن بمقدوره وقف جريمة حصار غزة والجهر بأنها جريمة حرب وضد الإنسانية؟
في الواقع يجب على الجانب المصري بشكل خاص المساهمة في التنسيق للقوافل المختلفة، التي تحمل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وفي خضم الحديث عن الدور المصري، فإن الحاجة التي تفرضها اليوم ضرورات تفعيل أنشطة كسر الحصار عن غزة، تقتضي تسهيلات من جانب الأشقاء في مصر لدخول القوافل، والوفود التضامنية المشاركة إلى قطاع غزة، وتيسير الإجراءات المتبعة في هذا الإطار، بهدف تحويل معبر رفح لمعبر إنساني كما كان عليه الوضع في السنوات الأولى من عمر الحصار الصهيوني الجائر، حيث يجب أن تشهد الفترة القادمة سلاسة أكبر في إجراءات عبور القوافل.
التداعيات والأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحصار قطاع غزة
دخل الحصار البري والجوي والبحري الخانق على قطاع غزة عامه الحادي عشر، وهو يستهدف مليونَيْ فلسطيني يعيشون في 5 محافظات تُعدّ نسبة كثافتها السكانية هي الأعلى في العالم 5.521 نسمة في الكيلو متر المربع الواحد، يشكل اللاجئون منها 71%، موزعون على 8 مخيمات، وقد تفاقمت هذه الأزمة الإنسانية بتنفيذ الاحتلال الإسرائيلي عدة اعتداءات، والنتيجة أن سنوات طويلة من الحصار الممنهج المرير، الذي تخلّلته حروب عدوانية مدمرة- لا بدّ أن ينعكس بشكل بائس على جُلّ نواحي الحياة، ويصيبها بالضرر البالغ، بل يشلّ العديد من أركانها.
حيث يُعَدّ الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة الحصار الأطول في العصر الحديث، بل الأكثر ظلمًا وإجحافًا، إضافة إلى أنه متعدد الأهداف، فأهم ما يميز الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة أن جزءًا من أهدافه معلن لهذا العالم وجزءًا غير معلن، فهي تدعي أن لحصارها دواعٍ أمنية بحتة، تهدف إلى الحفاظ على أمنها وعلى سلامة مواطنيها، ولكنها في الواقع تريد كسر أنف الحكومة في غزة وإذلالها سياسيًّا من خلال الضغط القاسي على مواطني غزة، وتقليص مواردهم ومدخولاتهم، وتضييق الحياة عليهم ليقوموا هم بدورهم بالضغط على حركة حماس.
حيث يهدف الاحتلال الإسرائيلي بفرض الحصار السياسي على حركة حماس من خلال محاصرة قطاع غزة سياسيًّا عبرالترويج الإعلامي الدولي؛ لإظهار حركة حماس بمظهر أخطبوط ينبغي على الجميع محاربته؛ لمنع وصوله إلى مسافات أبعد، كما أنه بدأ بإعادة حشد الأنظمة العربية المحيطة به لتكون ضمن جبهته؛ مقنعًا إياها أن التصاعد الإسلامي الحاصل في قطاع غزة يشكّل تهديدًا على وجودهم في قمة أنظمتهم، كذلك حاول قدر الإمكان الحدّ من الدعم المالي الخارجي لقطاع غزة، سواء أكانت التمويلات الحكومية أم تمويلات المنظمات المختلفة، أم حتى تجميد أموال الحركة في البنوك العالمية المختلفة؛ حيث يؤثر سلبًا في أدائها في قطاع غزة.
وهنا يمكن الاشارة ايضاً إلى أن الحصار في جانبه الاقتصادي له بالغ الأثر في حياة الغزّيين، بسبب منع إسرائيل دخول العديد من السلع والبضائع والمواد الخام اللازمة للتصنيع، ومواد البناء التي تدخل بكميات مقننة وفقًا لآليات إعادة إعمار قطاع غزة، وهو ما أدى إلى حالة من الركود في الإنتاج، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع مستوى البطالة بشكل غير مسبوق، وكذلك ارتفاع مستويات الفقر والفقر المدقع، حيث بلغت نسبة الأُسر التي تعيش تحت خط الفقر المدقع حوالي 21%.
وفيما يخص تداعيات الحصار واثاره على البعد الاجتماعي لأبناء قطاع غزة فمن المتعارف عليه أن الأوضاع الاجتماعية وكذلك النفسية لأي مجموعة من البشر تتأثر بالواقع الاقتصادي، ومدى قدرة هذا الاقتصاد على توفير مستلزمات الحياة الأساسية للمواطنين من عمل ورعاية وضمان اجتماعي يوفر لهم العيش الكريم، وإن تحسن أو سوء الأوضاع الاجتماعية والنفسية للشعب الفلسطيني مرتبط بشكل مباشر بالاستقرار السياسي والاقتصادي.
إن أحد أهم أركان المجتمع الجيد هو أن يحيا فيه أناس أصحّاء جسديًّا ونفسيًّا، ولكن في الحالة الفلسطينية الوضع النفسي سيِّئ جدًّا؛ نتيجة ما يراه المواطن من صورة قاتمة، حيث الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، ولا حلول في الأفق، سنوات من الحصار بعضها فوق بعض، ثلاثة حروب عدوانية أتت على الأخضر واليابس، فتيان وشباب لا يرون مستقبلًا لهم إلا البطالة والفقر، وواقع عربي إقليمي يُرثى له، فاقد لعنصر المساندة والدعم لهذا الشعب المنكوب؛ لذا تجد أن الحصار الظالم أثّر بشكل سيئ جدًّا في الحالة النفسية للفلسطيني في قطاع غزة.
في النهاية يعاني قطاع غزة منذ بدايات عام 2006م أوضاعًا اقتصادية واجتماعية وإنسانية صعبة؛ بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يشترط لرفعه الاعتراف بشروط الرباعية الدولية، ونبذ المقاومة؛ لذا صار من المؤكد أن هذا الحصار المتأزّم له أبعاده السياسية على مجمل القضية الفلسطينية بشكلٍ عام، وعلى قطاع غزة بشكلٍ خاص. ناقشت هذه الدراسة واقع ومسببات الحصار الإسرائيلي منذ بداياته، وأثره على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد خلُصت الدراسة إلى أن الحصار الإسرائيلي قائم حتى اللحظة بآثاره الكارثية على مواطني قطاع غزة، وهم متضررون إنسانيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وصحيًّا وبيئيًّا بشكل غير مقبول. وتوصي الدراسة بضرورة التحرك على المستويات المحلية والإقليمية والدولية كافة، مع مراعاة أن التشريعات والقوانين الدولية بصيغها المعروفة تُعَدّ إحدى الدعائم الفاعلة في رفع الحصار إذا استُثمِرت بالشكل الصحيح.