الوقت- أجرى وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات في تركيا وروسيا وإيران وسوريا محادثات في العاصمة الروسية، الثلاثاء، وصفتها أنقرة وموسكو بأنها "بناءة"، وذلك في إطار جهود إعادة بناء العلاقات بين أنقرة ودمشق بعد سنوات من العداء خلال الحرب السورية. وقالت وزارتا الدفاع التركية والروسية، في بيانين منفصلين، إن الوزراء ورؤساء المخابرات ناقشوا في الاجتماع "تعزيز الأمن في سوريا وتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق".
وأفاد البيانان بأن الدول الأربع أكدت مجدداً رغبتها في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضرورة تكثيف الجهود من أجل عودة اللاجئين السوريين سريعاً إلى وطنهم. وذكرت وزارة الدفاع السورية، في بيان على فيسبوك، أن الاجتماع بحث "انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية".
"محادثات بناءة"
أوضحت وزارة الدفاع الروسية، أن وزير الدفاع سيرجي شويجو، ناقش خلال محادثات "بناءة" مع نظرائه من تركيا وسوريا وإيران في موسكو، قضايا تعزيز الأمن في سوريا، وتطبيع العلاقات السورية التركية. وأوضح البيان الروسي أن الاجتماع جرى في "جو بناء"، وتناول "سبل مكافحة كل التنظيمات الإرهابية، والمجموعات المتطرفة بجميع أشكالها على الأراضي السورية". ولفتت وزارة الدفاع الروسية إلى أن الأطراف أكدت احترامها لوحدة أراضي سوريا، وشددت على أهمية استمرار الاجتماعات في شكل رباعي من أجل ضمان والحفاظ على الاستقرار في سوريا والمنطقة ككل.
على نحو مماثل، قالت وزارة الدفاع التركية إن وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات في تركيا وروسيا وإيران وسوريا، أجروا محادثات "بناءة" في موسكو. وأضافت في بيان إنّ الوزراء ورؤساء المخابرات ناقشوا خلال الاجتماع "تعزيز الأمن في سوريا، وتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق". وشجعت موسكو، الحليف الرئيسي للرئيس السوري بشار الأسد، على المصالحة مع أنقرة. لكن دمشق تشترط الانسحاب الكامل للقوات التركية لاستعادة العلاقات. وفي وقت سابق الثلاثاء، وصل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان إلى موسكو للمشاركة في الاجتماع، الذي حضره إلى جانب أكار وفيدان، وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، والإيراني محمد رضا أشتيان، والسوري علي محمود عباس، إضافة إلى رؤساء استخبارات الدول الثلاثة.
وعقد آخر اجتماع بين نواب وزراء خارجية الدول الأربعة، في موسكو، في 3 و4 أبريل الجاري، حيث اتفقوا على استمرار المشاورات بخصوص سوريا. وفي 28 ديسمبر الماضي، استضافت العاصمة الروسية موسكو، اجتماعاً بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وسوريا، ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة، يعتبر الأول من نوعه بعد مقاطعة 11 عاماً بين أنقرة ودمشق. وأخيراً، انضمت إيران للمحادثات الثلاثية التي تناقش ثلاث قضايا رئيسية، تتمثل في "التعاون في محاربة الإرهاب، ودفع العملية السياسية في إطار مسار أستانة، واللجنة الدستورية والمفاوضات بين المعارضة والحكومة السورية، والعودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى بلدهم"
ملف إعادة اللاجئين
وفي بيان حول المحادثات الرباعية، أشارت وزارة الدفاع التركية إلى "الأجواء البناءة" للاجتماع الذي ناقش خلاله الأطراف "مسألة تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم". وأضافت الوزارة التركية إن جميع المشاركين "أعادوا تأكيد احترامهم لسيادة أراضي سوريا". وفي دمشق، قالت وزارة الدفاع في بيان نشرته وسائل إعلام سورية إن "الاجتماع الرباعي لوزراء" الدفاع بحث "في موضوع انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية".
وسادت علاقة ودية بين الرئيسين التركي والسوري في العقد الأول من الألفية الثالثة بعد سنوات من التوترات بين بلديهما. لكن الحرب في سوريا التي خلفت نحو 500 ألف قتيل وملايين النازحين، وتّرت العلاقات مجددا بين دمشق وأنقرة التي دعمت فصائل معارضة للرئيس بشار الأسد. ولعبت روسيا بتدخلها العسكري المباشر منذ 2015 الدور الأبرز في ترجيح الكفة لصالح قوات الحكومة السورية بعدما خسرت مناطق واسعة خلال سنوات الحرب الأولى.
لماذا عاد التصعيد بين أنقرة ودمشق؟
يمكن تفسير موقف الأسد المتشدد تجاه تركيا بأنه رد سوري على تغيير لغة خطاب الرئيس إردوغان، وهو رد يتضمن التأكيد على الرغبة السورية في العمل الجاد للوصول إلى حلول للمشكلات المعقدة بين البلدين. كلمته أمام القمة العربية، قال الرئيس السوري بشار الأسد في معرض تقييمه للأخطار التي تحيق بالأمة العربية: "خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بفكر إخواني منحرف".. كان التصريح مفاجئاً واحتلَّ العناوين، لأنه جاء من خارج سياق اللقاءات السورية التركية المتكررة التي احتضنتها موسكو .
في اليوم نفسه، كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يصرح في لقاء تلفزيوني أن بلاده ستحتفظ بقوات في شمال سوريا، وذلك في إطار سعيها لحماية نفسها من الحركات الإرهابية، والمقصود هنا المنظمات العسكرية والسياسية الكردية، لأن المنظمات الموسومة بالإرهاب دولياً، وعلى رأسها جبهة النصرة، تحظى بدعم واحتضان تركي. تعددت السيناريوهات التي حاولت تفسير هذا التبدل في مواقف البلدين. البعض فسر موقف إردوغان بأنه مرتبط بالانتخابات الرئاسية التي يواجه في دورها الثاني المرشح كمال كليجدار أوغلو المتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطية الكردي.
لذلك، لجأ إردوغان إلى رفع وتيرة الخطاب ضد الكرد في محاولة لحث اليمين القومي التركي على الإقبال على صناديق الاقتراع، وخصوصاً أن التوقعات تشير إلى احتمال فتور حماس أنصار اليمين القومي بعد نتائج الانتخابات البرلمانية التي ضمنت سيطرة التحالف الحاكم على أغلبية برلمانية مريحة. إن موقف الرئيس الأسد ينسجم مع ما سبق أن صرح به أكثر من مرة خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو عن علاقة بلاده مع تركيا. أكد الرئيس الأسد حينها أن سوريا جاهزة لتطوير العلاقات والذهاب بها إلى أبعد نقطة ممكنة في حال كان الطرف التركي جدياً ومستعداً لحل المشكلات العالقة. أما إذا كان الأمر يتعلق بمناورات انتخابية، فإن سوريا غير معنية بإضاعة الوقت في محادثات غير مجدية.
لذلك، يمكن تفسير موقف الأسد المتشدد تجاه تركيا بأنه رد سوري على تغيير لغة خطاب الرئيس إردوغان، وهو رد يتضمن التأكيد على الرغبة السورية في العمل الجاد للوصول إلى حلول للمشكلات المعقدة بين البلدين. قد يتعلق الأمر بما يتجاوز العلاقات الثنائية السورية – التركية. شهدت القمة العربية حدثاً لا يقل إثارة عن حضور الرئيس السوري، وهو حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي ألقى كلمة في القمة. كان حضور زيلنسكي رسالة واضحة من الولايات المتحدة لجميع الذين راهنوا على ابتعاد السعودية عن المعسكر الأمريكي.
تقول هذه الرسالة إن اختلاف الموقف السياسي في قضية إنتاج النفط محصور في الزاوية الاقتصادية الضيقة، وإن دعوة الرئيس الأسد إلى القمة مرتبطة بالظروف الاقتصادية نفسها، لكن على المستوى الإقليمي. أما التحالف السياسي التاريخي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، فهو متين ومتماسك. في السياق نفسه، يمكن أن تكون تصريحات الرئيس إردوغان عن بقاء قواته في شمال سوريا مرتبطة بضغوط أميركية أو على الأقل بمحاولة تحييد الولايات المتحدة وإعلامها خلال الفترة المتبقية حتى الجولة الثانية من الانتخابات.
من المبكر جداً الحديث عن وصول التصعيد بين دمشق وأنقرة حد الأزمة، وخصوصاً أن الرئيس إردوغان أعلن التزامه العلاقات الجيدة مع روسيا، وعدم موافقته على فرض عقوبات عليها، لكن الدلائل تشير إلى أن سوريا المدعومة عربياً بعد قمة جدة لن تقبل بحلول وسط أو تسويف تركي لأهداف داخلية تركية. بعد 28 أيار/مايو، ستأخذ العلاقات السورية – التركية منحى أكثر جدية وحدة، سواء عبر اتفاق شامل يضع حلولاً واضحة لجميع المشكلات ضمن إطار زمني متفق عليه أو مواجهة على الأرض في إطار جهود الدولة السورية لتحرير كامل الأراضي السورية
ورأى المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التصريحات المتبادلة ما بين تركيا والنظام "محاولة لرفع السقف قبل البدء في التفاوض برعاية الجانب الروسي". وتابع: "كل طرف (النظام وتركيا) بحاجة للآخر، في العديد من القضايا، وأعتقد أن كل طرف سيقدم تنازلات، من قبيل انسحاب تركي جزئي أو تقييد الدعم المقدم لفصائل المعارضة".
وأعرب القربي عن اعتقاده بأن هذه التصريحات "لن توقف مسار التطبيع الحاصل بين تركيا والنظام، ولكن هذا التطبيع يحتاج إلى وقت في ظل تضارب المصالح، والشروط التي يضعها كل طرف. ورأى أن حديث الأسد أمام القمة العربية عن الخطر العثماني التوسعي "محاولة لالتقاط نقاط مشتركة بينه وبين بعض الدول العربية التي تعارض الوجود التركي في الشمال السوري".