الوقت - قبل أسبوعين من اجتماع رؤساء جامعة الدول العربية في السعودية توقفت التوقعات نهائيا وتقرر إعادة مقعد المندوب السوري المعلق منذ 2011. إلى دمشق. وتم الإعلان عن هذا القرار في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في القاهرة، الذي عقد قبل ثلاثة أيام، والذي أظهر انتهاء الخلافات في الرأي بين الأعضاء، وخاصة المعارضة السابقة للحكومة القطرية. وقد تم التوصل بين هذه الدول إلى إعادة العلاقات مع الحكومة السورية.
جاء الإعلان عن الاتفاق مع عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد أن عقد وزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ومصر وسوريا اجتماعا تشاوريا الأسبوع الماضي لإيجاد سبل لعودة اللاجئين السوريين من دول الجوار وسيطرة الحكومة السورية على جميع أراضيها وحل قضية تهريب المخدرات والتحقيق فيها.
يذكر أنه قبل هذا الاجتماع عقد اجتماع تشاوري آخر في السعودية بحضور وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن منتصف أبريل الماضي لبحث عودة سوريا إلى المنطقة العربية. وفي مثل هذه الأجواء ، أفادت صحيفة "رأي اليوم" الإقليمية، صباح الأربعاء الماضي، نقلاً عن مصادرها الخاصة، بزيارة مبعوث الحكومة السعودية إلى دمشق لدعوة بشار الأسد للمشاركة في اجتماع جامعة الدول العربية. وقيل إن بشار الأسد قد يذهب إلى السعودية حتى قبل أيام قليلة من القمة. وعلى الرغم من أن دمشق لم تؤكد أو تنفي هذا الخبر، إلا أن وجود الأسد في السعودية بلا شك يظهر جهود الولايات المتحدة من خلال إرسال مبعوثين خاصين، بما في ذلك رئيس وكالة المخابرات المركزية وجاك سوليفان، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، في الأيام والأسابيع الأخيرة للتأثير على قرار حلفائه العرب في المنطقة.
غضب أمريكا من تمديد قانون الضرر القومي
لكن بينما تعتبر عودة سوريا إنجازًا سياسيًا مهمًا وانتصارًا كبيرًا لدمشق والشعب السوري، فإن بإمكانهم أن يأملوا أكثر من أي وقت مضى في تحسين التنمية الاقتصادية والمدنية في البلاد في المستقبل، والإسراع في التغلب على الآثار المدمرة للأزمة التي استمرت 10 سنوات، وفي غضون ذلك، ومنذ بداية أولى بوادر استعداد العرب لتحسين العلاقات مع الحكومة السورية ، أعربت واشنطن مرارًا عن معارضتها وغضبها تجاه هذا القرار، الذي يسمح بتحسين العلاقات بين العرب.
وفي هذا الصدد، مدد الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس، عبر إساءة استخدامه لمفهوم الأمن القومي، حالة الطوارئ في سوريا لمدة عام آخر ليُظهر أن مسار واشنطن وحلفائها العرب في المنطقة منفصل تمامًا عن القضية السورية. وبينما تمكنت سوريا من الخروج منتصرة من حفرة محاربة الإرهاب والحرب الأهلية بالاعتماد على الدعم الداخلي والخارجي، تبحث الدول العربية الآن عن فوائد التعاون السياسي والاقتصادي مع دمشق وحل أزماتها المتبقية، مثل عودة السوريين اللاجئين لبلدهم. وعلى سبيل المثال، يعيش أكثر من 650 ألف نازح سوري في الأردن وحده، حيث تبحث حكومة عمان عن طريقة لعودة اولئك اللاجئين إلى سوريا.
وزعم الرئيس الأمريكي بشأن قراره وقال: "ما زالت تصرفات نظام الأسد تشكل تهديدًا عاجلاً للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة". وكشفت إدارة بايدن مؤخرًا النقاب عن أولى عقوبات قيصر لها، بدعوى استهداف شبكة تجارة المخدرات الرئيسية في سوريا، رغم أنه من الواضح أن البيت الأبيض يسعى إلى استبعاد الدول العربية من أي استثمار في سوريا والشراكة الاقتصادية بعد تحسين العلاقات ومنع الحكومة السورية من الاستفادة من فوائد العودة إلى جامعة الدول العربية.
ولقد تمت الموافقة على حالة الطوارئ الحكومية الأمريكية ضد سوريا في 11 مايو / أيار 2004 بذرائع كاذبة ضد دمشق، وتم تمديدها كل عام ووفقًا لأمر بايدن، سيستمر هذا الوضع حتى 11 مايو 2024. وفي وقت سابق قال "فيدانت باتيل" نائب المتحدث باسم وزارة خارجية هذا البلد، في تصريحاته التي أظهرت غضب البيت الأبيض، إن دمشق لا تستحق العودة إلى هذه المؤسسة، وحتى وزير الخارجية الأمريكي "أنطوني بلينكن" قد هدد الأردن ومصر بشأن عقوبات عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
إلا أن عدم اهتمام الدول العربية بإملاءات وضغوط الولايات المتحدة، من وجهة نظر المراقبين والمحللين، يشير إلى تراجع نفوذ وهيمنة الولايات المتحدة على جامعة الدول العربية وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. وفي الوقت نفسه، يعتقد محللون عالميون أن التطورات الإيجابية الأخيرة في مجال الدبلوماسية الإقليمية، بما في ذلك عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، هي توابع للاتفاق المهم والتاريخي بين إيران والسعودية، والذي تم التوصل إليه في مايو الماضي بوساطة الصين، وقد أدى ذلك إلى زعمهم أن زيادة مشاركة بكين وتصرفها في التطورات الكبرى في المنطقة يؤكد تراجع نفوذ الولايات المتحدة في سياسات دول المنطقة.
ولقد أكد وزراء الخارجية العرب حرصهم "على إطلاق دور عربي قيادي في جهود حل" الأزمة السورية وانعكاساتها وضمنها أزمات اللجوء وتهريب المخدرات و"خطر الإرهاب". كما شدد المجتمعون على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية "لكل من يحتاجها في سوريا"، كما قرروا تشكيل لجنة وزارية تعمل على مواصلة "الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل لحل شامل للأزمة السورية". ويذكر أنه، إثر اندلاع الاحتجاجات التي تحولت إلى نزاع دام، قطعت عدة دول عربية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، وأبعدتها عن جامعة الدول العربية في تشرين الأول/نوفمبر 2011. وقدمت دول عدة، وخصوصا خلال سنوات النزاع الأولى، دعما للمعارضة السياسية والمسلحة.
وفي العام 2018، ظهرت مؤشرات انفتاح عربي تجاه دمشق بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في العاصمة السورية. ويبدو أن الزلزال المدمر في سوريا وتركيا المجاورة في شباط/فبراير 2023، سرع عملية استئناف دمشق علاقتها مع محيطها الإقليمي مع تلقي الأسد سيل اتصالات ومساعدات من قادة دول عربية. واستضاف الأردن بداية الأسبوع اجتماعاً لوزراء خارجية سوريا والأردن والسعودية والعراق ومصر، تم الاتفاق خلاله على "دعم سوريا ومؤسساتها في أي جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها".
ويأتى إعلان مجلس جامعة الدول العربية قبل عشرة أيام من قمة عربية تعقد في السعودية في 19 مايو/أيار المقبل وتبقى مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد فيها غير معروفة لحد الساعة. إذ كانت القمة العربية في سرت الليبية في العام 2010 آخر قمة حضرها الرئيس السوري. ومن جهته، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط خلال مؤتمر صحفي إثر الاجتماع إنه عندما توجه الرياض، كونها الدولة المضيفة، الدعوة لحضور القمة العربية، فإن الأسد "قد يشارك بالقمة إذا رغب بذلك". كما أوضح أبو الغيط أن "عودة سوريا إلى شغل المقعد هي بداية حركة وليست نهاية مطاف"، واعتبر أن مسار التسوية سيحتاج إلى وقت وأن القرار "يُدخل الجانب العربي لأول مرة منذ سنوات في تواصل مع الحكومة السورية للبحث في كل عناصر المشكلة". وأوضح أيضا أن القرار لا يعني استئناف العلاقات بين سوريا والدول العربية، وقال "هذا قرار سيادي لكل دولة على حدة".
ووفق بيانها، قررت جامعة الدول العربية، تشكيل لجنة وزارية لمواصلة "الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل لحل شامل للأزمة السورية" وانعكاساتها بما يشمل أزمات اللجوء و"الإرهاب" وتهريب المخدرات الذي يُعد أحد أكبر مصادر القلق بالنسبة إلى الدول الخليجية التي باتت سوقا رئيسية لحبوب الكبتاغون المصنعة بشكل رئيسي في سوريا.
