الوقت - بعد التطورات الأخيرة داخل فلسطين المحتلة والتهديدات الخارجية ضد الكيان الصهيوني، وخاصةً بعد الهجمات الصاروخية الأخيرة من قبل المقاومة، يقدر جيش هذا الكيان أن التهديدات ضد وجوده - مباشرةً أو غير مباشر - آخذة في التوسع، وتشمل هذه التهديدات إيران ولبنان والعراق واليمن وسوريا، إضافةً إلى الجبهة الفلسطينية.
تزايد التهديدات الداخلية والخارجية ضد الكيان الصهيوني
شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلةً من الأحداث وتطورات ميدانية ومواقف سياسية في الأراضي المحتلة، وأهمها عملية "مجدو" شمال فلسطين المحتلة، وعمليات المقاومة في غور الأردن وتل أبيب، وأحداث شهر رمضان المبارك في المسجد الأقصى، حيث إنه بعد تصعيد العدوان الصهيوني على الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى، أطلقت عشرات الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه المستوطنات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة.
وبعد هذه التطورات، تحاول الدوائر السياسية والعسكرية والأمنية في الكيان الصهيوني، تقييم الوضع بعد شهر رمضان المبارك وعيد الفصح اليهودي.
في منتصف آذار الماضي، نفذت عملية أمنية ضد الكيان الصهيوني في منطقة مجدو شمال فلسطين المحتلة، والتي اعتبرها الصهاينة في غاية الخطورة واتهموا حزب الله بالتورط في هذه العملية.
وتکرر ذلك في منتصف رمضان بطريقة مختلفة، حيث أطلقت في ذلك الوقت عشرات الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه المستوطنات الشمالية لفلسطين المحتلة. لكن هذه المرة، لم يوجه الكيان الصهيوني أصابع الاتهام إلى حزب الله، بل حمّل حماس مسؤولية هذا الهجوم الصاروخي من جنوب لبنان.
هذا بينما اختلفت أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة للکيان الصهيوني في تقييم دور حزب الله في الهجوم الصاروخي المذكور، وتنسيق هذا الحزب مع حركة حماس، وكذلك أي من قادة هاتين الحركتين خطط للهجوم على المستوطنات الإسرائيلية.
تآكل الردع الإسرائيلي وتجنب المواجهة مع حزب الله
كان تقييم جهاز الاستخبارات (الموساد) في هذا السياق، هو أن هناك تنسيقًا كاملاً بين حزب الله وحماس لشن هجوم صاروخي على مواقع إسرائيلية، وحزب الله لن يسمح أبداً بأي عمل من المنطقة الواقعة تحت سيطرة هذا الحزب دون علمه وتنسيقه.
كما حذر الموساد الدوائر العسكرية والسياسية للکيان الصهيوني، من أن عدم الرد على هذا الإجراء من قبل حزب الله، سيؤدي إلى تآكل الردع الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، وتغيير قواعد الصراع منذ عام 2006.
لكن هيئة الأركان العامة للجيش والمخابرات التابعة للکيان الصهيوني (أمان)، نصحت بأنه من أجل تجنب الدخول في حرب واسعة النطاق، من الأفضل إبعاد حزب الله عن الصراع، وعلى "إسرائيل" الرد على الهجوم الصاروخي من جنوب لبنان بهجمات محدودة على مواقع حركة حماس في غزة ولبنان.
في الواقع، بعد الأحداث الأخيرة، توصلت دوائر الاحتلال إلى استنتاج مفاده بأن محور المقاومة يتبنى سياسةً أكثر جرأةً لمهاجمة أهداف إسرائيلية. كما يعتقد المسؤولون الأمنيون في الكيان الصهيوني، أن قيادة حزب الله كانت مستعدةً لعواقب الهجوم الصاروخي على المواقع الإسرائيلية وكذلك عملية مجدو، ولم تخش أن تؤدي مثل هذه الأحداث إلى حرب واسعة النطاق.
خوف الاحتلال من حرب متعددة الجبهات
كما خلصت الدوائر الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في تقييمها، إلى أن مستوى التنسيق والتعاون بين جبهتي المقاومة اللبنانية والفلسطينية، قد اتسع بشكل غير مسبوق منذ معركة "سيف القدس" في أيار 2021.
ويرى مسؤولو الکيان أن معادلات الصراع والحرب تغيرت، وأن سياسة هذا الکيان في الفصل بين جبهات ومناطق فلسطين والمقاومة كلها عقيمة تمامًا. وفي هذا السياق، حذر وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، من انتهاء زمن الحرب في ساحة واحدة، قائلاً إن على الجيش الاستعداد للحرب على عدة جبهات.
واستنتج جهاز مخابرات الكيان الصهيوني (أمان) في تقديراته، أن احتمال أن تكون "إسرائيل" في خضم حرب حقيقية في العام المقبل مرتفع للغاية. كما تعتقد الدوائر السياسية والأمنية في الكيان الصهيوني نفس الشيء.
وتأتي هذه الأخطار بالنسبة للکيان الإسرائيلي، في حين أنه حسب تقديرات مسؤولي الجيش والمؤسسة الأمنية لهذا الکيان، في إشارة إلى انعدام الثقة الكافية بين المستويين السياسي والأمني، ولا سيما في ظل الانقسامات العميقة في المجتمع الداخلي الإسرائيلي، فإن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الکيان يجب ألا يتجاهل التحذيرات الأمنية الصادرة عن قادة الجيش.
ويرى قادة الكيان الصهيوني أن التنسيق بين عناصر محور المقاومة، وخاصةً حماس وحزب الله، قد ازداد بشكل غير مسبوق، وهذا المحور يركز الآن على وضع خطة ضد الکيان الإسرائيلي باستراتيجيتها الجديدة، وخاصةً بعد اضطراب الأوضاع الداخلية للکيان.
كما قدر الجيش الصهيوني أن التهديدات المباشرة وغير المباشرة ضد هذا الکيان لم تقتصر على الجبهة الفلسطينية فحسب، بل شملت أيضًا أطرافًا أخرى من محور المقاومة من إيران إلى اليمن.
قلق في الأوساط الصهيونية بعد تهديدات قادة المقاومة
في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك وخاصةً يوم القدس العالمي، استمع الصهاينة باهتمام لخطابات قادة المقاومة وتابعوا تفاصيلها، وخاصةً كلام السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، ويحيى السنوار زعيم حماس في قطاع غزة، الذي ألقى خطابًا ناريًا ضد الاحتلال.
في غضون ذلك، لفت خطاب يحيى السنوار انتباه الصهاينة بعمق، حيث تلقوا رسائل من كلام السنوار وخلصوا إلى أنه قادر على تبني استراتيجية حاسمة، لبدء حرب متعددة الجبهات ضد "إسرائيل" وتغيير قواعد الصراع.
لقد شبّه الکيان الصهيوني يحيى الصنوار في القدس بقنبلة نووية، وعنصر يمكنه توحيد الأمة الإسلامية كلها تحت عنوان "القدس والمسجد الأقصى". كما أشار الصهاينة إلى صورة التقطها السيد حسن نصرالله وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ونائبه صالح العاروري في لقائهم المشترك الأخير، والذي كان تجسيدًا لوحدة جبهات المقاومة.
كما ركز القادة والدوائر الأمنية والعسكرية في الکيان على خطاب السيد حسن نصر الله، وخاصةً عندما أعلن أن المقاومة لن تبقى صامتةً أمام العدوان الإسرائيلي على سوريا، وأي عدوان على القدس يعني الدخول في حرب إقليمية.
واعتبر الصهاينة هذه التهديدات من قبل الأمين العام لحزب الله، علامةً على تغيير قواعد الصراع وربط منطقة القدس والمسجد الأقصى بحرب متعددة الجبهات ضد الکيان الإسرائيلي.
وبناءً على ذلك، فإن الدوائر السياسية والعسكرية في الکيان، بعد تقييم الوضع في جميع الجبهات التي تهدد "إسرائيل"، تدرس السيناريوهات وتداعياتها، وتؤکد أنه ينبغي عليهم اختيار الخيارات التي لا تؤدي على الأقل إلى مواجهة متزامنة على عدة جبهات، وخاصةً في ظل تآكل الردع الاسرائيلي.
بالإضافة إلى ذلك، في فترة ما بعد شهر رمضان المبارك، يعتقد الإسرائيليون أن أمامهم مرحلة صعبة ومعقدة، يتعين عليهم فيها بذل كل جهودهم لتجنب الدخول في مواجهة واسعة النطاق.
ويرى المراقبون أن الکيان الصهيوني قد يتجه إلى تبني خيارات أمنية هادئة في ظل تدهور الوضع الاستراتيجي وتقييد خياراته، لكن من أجل تحييد عمليات المقاومة داخل فلسطين، سيتخذ سياسات أكثر عدوانيةً ضد الضفة الغربية. ونتيجةً لذلك، سيرفع محور المقاومة مستوى التنسيق بين أعضائه المختلفين للتعامل مع العدو المشترك، من خلال التأكيد على استراتيجية توحيد الجبهات والميادين.
كما تسعى المقاومة إلى ترسيخ مركزية القدس كموضوع وطني وإسلامي يمكنه حشد كل الجبهات ضد الکيان الصهيوني، وإحباط جهود الاحتلال لتهويد القدس وتقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا.