الوقت_ مؤخراً، حذرت دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي (أمان)، مما وصفته تراجعاً خطيراً في الوضع الاستراتيجيّ لـ "إسرائيل" وخاصة في الأشهر الأخيرة، في الوقت الذي بات يوصف فيه بنيامين نتنياهو بـأنه "الخطر الأكبر على إسرائيل"، حتى بات رئيس الوزراء الإسرائيليّ أكثر خطراً على الكيان أكثر من المقاومة، وبالفعل تسير "الدولة العبرية المزعومة" في طريق مختصر واحد نحو "الهاوية" وهذا ما تنبأ به كثيرون منذ اليوم الأول لنتائج انتخابات الأول من تشرين الثاني/نوفمبر ووصول الأحزاب الدينية المتشددة واليمينية المتطرفة للحكم، الشيء الذي أدّى لوصول نتنياهو وللمرة السادسة للحكومة الأكثر فاشيّة منذ بداية الاحتلال العسكري الصهيوني لفلسطين والأراضي العربية، ليصبح الكيان مستعبدا لحاجات رجل وعصاباته كما يقول الإسرائيليون ومسؤولوهم، وبالتالي تعميق الأزمة مع الحلفاء ناهيك عن الوضع الداخليّ وحالة الانقسام بين الإسرائيليين، مع تزايد الشروخات بشكل يهدد "المجتمع الإسرائيليّ" للأبد.
أزمة إسرائيليّة تاريخيّة
جاءت تقارير الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة نتيجة للشرخ الكبير الذي يعيشه المجتمع الصهيونيّ من جراء الخطة الحكومية للانقلاب على منظومة الحكم وإضعاف القضاء وتهميش دوره، وتبعات هذا الانقلاب على جيش الاحتلال من جهة، وعلى العلاقات مع الأمريكيين من جهة ثانية، وعلى تكثيف الغارات على سوريا من جهة ثالثة، ولم يُخف مسؤولو الكيان أن "إسرائيل" تواجه أزمة تاريخية تنذر بالانهيار من الداخل، وتأكيدهم أنّ الصهاينة يعيشون في أصعب اللحظات التي مروا بها ويعلمون جميعًا من أعماق قلوبهم أن هذه الأزمة تشكل خطرًا داخليًا على الصهاينة، وهذا يمكن أن يقودهم إلى الهاوية، وخاصة مع تعميق الأزمة الداخلية وحالة الانقسام بين الإسرائيليين، و تزايد الشروخات بشكل يهدد مجتمعهم الاحتلاليّ، ناهيك عن تأثر علاقاتهم –إلى حد ما- مع أهم الحلفاء في ظل الضغوط الخارجية والداخلية المستمرة على حكومة الاحتلال العنصرية لوقف أو إبطاء عملية التشريعات الإشكالية للغاية.
"الإسرائيليون يدفعون أثماناً باهظة"، عبارة نسمعها كثيرا في وسائل الإعلام العربيّة والإسرائيليّة والغربيّة وخاصة أنّ مؤسسات الكيان باتت مسخرة بالمطلق لخدمة الصهاينة المتطرفين، وقد جاء في تقرير الاستخبارات الأخير أنّ من وُصفوا بـ "أعداء إسرائيل" يرصدون فيها حالة ضعف نتيجة لهذا الشرخ الداخلي من ناحية، والتباعد بين تل أبيب وواشنطن من ناحية أُخرى، معتبرين أنّ الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة هي المستفيد الأساس من ذلك؛ لأنها تعتقد أن الكيان لن يتمكن من خوض معركة ضدها أو مهاجمة برنامجها النوويّ من دون دعم أميركيّ كبير وهذا سيناريو مُستبعد للغاية.
ووفقاً لتقارير الإعلام العبريّ، فإن دائرة البحوث التابعة للكيان والتي تُعد أهم جهاز إسرائيليّ للرصد الخارجيّ، أعدت مذكرة بوثيقة رسمية إلى قيادة الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية – الأمنيّة للكيان، وفي مقدمتها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، وضعت فيها تقديراتها واختتمتها بالتحذير من "تراجع خطير في قوة الردع"، في حين يركّز نتنياهو ومن يسير خلفه على تقزيم المحكمة العليا كي تبقى الأحزاب المتطرفة حرّة في تمرير برامجها الاجتماعية دون إزعاج أو تشويش أو تدّخل من قبل السلطة القضائية في قضايا تتعلق بالفصل بين الدين والدولة أو قضايا المرأة أو قضية امتناعهم عن العمل والتفرّغ لتعّلم التوراة وغيره، ناهيك عن اتهامات أوساط المعارضة الحكومة بأنها بواسطة “خطة الانقلاب” التشريعية تحول الكيان لـ "دولة شريعة ودولة ظلامية" تداس فيها حريات الفرد وحقوق المواطن والأقليات على أنواعها.
الكيان يفقد حالة الردع
في الوقت الذي تسيطر فيه الخلافات الإسرائيلية الداخلية على المشهد بأكمله، شدّد التقرير الإسرائيليّ على أنّ تراجع وضع الكيان الاستراتيجي يتم التعبير عنه في جميع عناصر المحور المعادي لـ"إسرائيل"، وفي مقدمتها إيران، معتبراً أن اللقاءات المتتالية في المحور وبالأخص بين الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وقياديين في حركتي حماس والجهاد الإسلامي بهدف تنسيق المواقف دليل على ذلك، فيما يحضر الوضع الداخليّ بقوّة حيث الاختلافات في السياسة والمجتمع ومجمل التوجهات، بين شرقيين وبين غربيين، بين متدينين وبين علمانيين، بين مؤيدين ومعارضين لبعض الملفات كالضم وهكذا.
إضافة إلى ذلك، ركّز معهد الأبحاث على عملية التسلل قبل أسبوعين من لبنان معتبراً أنّها تمت بإيحاء من المقاومة اللبنانيّة، والتي نفذها شاب لبناني من أصل فلسطيني تمكن من الوصول إلى عمق الأراضي المحتلة وتفجير عبوة ناسفة عند مفترق "مجدو"، في 13 مارس (آذار) القائت، وكذلك الجهد المتزايد لتنفيذ عمليات في الضفة الغربية المحتلة التي تعيش أوضاعاً ساخنة كل فترة، ما اعتبر "نقطة ضعف قد تشعل المنطقة بأكملها".
وفي ظل تأثر العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، أشار تقرير دائرة الأبحاث في «أمان» إلى أن التباعد بين تل أبيب وواشنطن هو سبب آخر لتراجع وضع "إسرائيل" الاستراتيجي، مشيراً إلى أنّ إيران ليست وحدها التي تستفيد من هذه الحالة، بل أيضاً السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس، مع الحديث عن أن رام الله متشجعة من هذا التباعد بينهما، وتأمل بشدّة أن تستفيد منه في الهيئات الدولية، بدءاً من لجان الأمم المتحدة وحتى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وقد عبر مسؤولون صهاينة في أكثر من مناسبة عن مخاوف تل أبيب من إمكانية وصف دولتهم المزعومة بـ ”العنصرية” من قبل محكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة، محذرين من نجاح الجهود الفلسطينية في عزل الكيان الغاصب وحرمانه من المشاركة في الفعاليات الدولية كنوع من العقاب على جرائمه تجاه الفلسطينيين، وخاصة في ظل الاتهامات الدولية والحقوقيّة الكثيرة له بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، باعتبار أنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في أعقاب المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق الفلسطينيين.
وبما أن رياح السياسة تجري بما لا تشتهي سفن الكيان الإسرائيليّ على كل الأصعدة في الداخل والخارج، تطرق التقرير العبريّ إلى التبعات الإقليمية كذلك، معتبراً أنّ التباعد بين تل أبيب وواشنطن هو قلق يثير من أسماهم "أصدقاء إسرائيل"، وأنه إذا كانت هذه الدول قد اقتربت في السابق من "إسرائيل" بسبب علاقتها الوثيقة مع البيت الأبيض، وإدراكها أن تل أبيب تجند الولايات المتحدة في صالحها ضمن أي اتفاق، فإن النتيجة الآنية للتباعد الإسرائيلي - الأميركي، هو تقرب تلك الدول في المنطقة من طهران، والدليل إشارة رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت نتنياهو إلى الاتفاق السعوديّ – الإيراني بقوله: "إنّ تجديد العلاقات بين طهران والرياض تطور خطير بالنسبة إلى الكيان، وانتصار سياسي لإيران، وفشل مدوٍّ وإهمال وضعف من حكومة نتنياهو"، وهو خير برهان على أن دول العالم والمنطقة تراقب تل أبيب في صراع مع حكومة غارقة في تدمير ذاتي ممنهج، وفي هذا الوقت، تختار تلك الدول طرفاً فاعلاً للعمل معه، حيث إن الاتفاق بين الدولتين الإقليميتين البارزتين هو فشل كامل وخطير بالنسبة إلى السياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية، وبالتالي انهيار لجدار الدفاع الإقليميّ الذي بدأ الصهاينة بناءه ضد الجمهورية الإسلاميّة.
أيضاً، يجب الإشارة إلى المعلومات التي نشرتها مصادر أمنية إسرائيليّة حول أنّ الهجمات الإسرائيليّة المتتالية على سوريا في الفترة الأخيرة، هي محاولة لأن تعيد تل أبيب الردع لنفسها وتعيد ترسيخ توازن الرعب مقابل محور المقاومة، ليضع مصاعب أمام المقاومة تمنع شن هجمات داخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، فيما بيّنت صحيفة "هاآرتس" أنه في مقابل الهجمات الإسرائيلية تم تنفيذ تفجير "مجدو"، بالإضافة إلى إطلاق طائرة مسيرة من سوريا توغلت إلى الأراضي المحتلة وتم إسقاطها في شمال بحيرة طبرية، وما تزامن مع ذلك من إطلاق مسيّرة أخرى من قطاع غزة أسقطتها دفاعات الكيان رغم أنه لم تتضح بعد العلاقة بينها وبين الأحداث في المنطقة الشمالية في فلسطين.
في الختام، صحت التقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية، حيث إن أهم التبعات الآنية فقط لهذه التطورات هو تراجع "الردع الإسرائيلي"، وتراجع قوة الكيان على الصعيدين السياسيّ والأمنيّ إقليمياً ودوليّاً، وتخوف الإسرائيليين منطقيّ للغاية من ناحية التراجع في وضع الكيان الاستراتيجي الذي بلا شك سيتعمق أكثر بكثير، على خلفية الخطوات الحثيثة لنتنياهو وخاصة داخليّاً.