الوقت – يسعى المفوض السامي للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، خلال زيارته إلى الجزائر، إلى سد الفجوة بين مدريد والجزائر بعد الأزمة الدبلوماسية القائمة منذ أشهر.
حيث التقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، في العاصمة الجزائرية مع جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، لمناقشة واقع الشراكة والعلاقات السياسية والاقتصادية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.
وقال بوريل، عُقب لقائه الرئيس الجزائري، إن "الاتحاد الأوروبي يدعو الجزائر إلى الرمي بكل ثقلها من أجل وضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية"، في إشارة سياسية إلى إمكانية توظيف الجزائر علاقاتها الجيدة مع موسكو.
وأكد بوريل أن "الجزائر شريك أساسي للاتحاد الأوروبي في مكافحة الإرهاب، والاتحاد الأوروبي يُعول على الجزائر في تنسيق الجهود لمواصلة محاربة الإرهاب في منطقة الساحل"، داعياً إلى بعث الحوار حول المسائل الأمنية على أعلى مستوى بين الطرفين".
وفي المقابل، تعهد المسؤول الأوروبي أن "الاتحاد الأوروبي سيُضاعف جهوده للتعاون مع الجزائر من أجل استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج"، حيث كان الرئيس الجزائري قد طالب في وقت سابق الدول الأوروبية بتسهيل مساعي الجزائر لتحديد واسترجاع الأموال المهربة من البلاد إلى الخارج خلال العقدين الماضيين.
وقال بوريل في حوار نشرته صحيفة "الخبر" الجزائرية، عن الأزمة بين إسبانيا والجزائر أن الأخيرة فرضت "عقبات جادة منذ يونيو/حزيران 2022 على التجارة مع إسبانيا، باستثناء الغاز"، معتبراً أن "هذا الانسداد ضاراً جداً بتنفيذ اتفاقية الشراكة ولا يخدم مصلحة أحد".
وأضاف "أنا مقتنع بأن الحل ممكن، ويجب أن نعمل معاً لإيجاده بسرعة من أجل مصلحتنا المشتركة، للتغلب على العوائق القائمة، وإزالة أي عقبة أمام تبادلاتنا".
وسيتم خلال زيارة بوريل، أيضاً، بحث مسألة عقد مجلس الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، والآليات الممكنة لمراجعة اتفاق الشراكة بين الطرفين.
وتطالب الجزائر بإجراء مراجعة لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتعتبر أنه لا يحقق لها مصالحها الاقتصادية، وخاصة أن توقيعه جرى في ظرف سياسي عصيب في منتصف التسعينيات، حيث كانت البلاد في ذروة أزمة أمنية دامية، ومنذ اعتلائه السلطة يؤكد تبون أنه ستجري مراجعة هذا الاتفاق.
وبشأن هذه المسألة عشية زيارته الى الجزائر، قال بوريل إن "اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر هي حجر الزاوية في شراكة يريد الاتحاد الأوروبي أن تكون صلبة واستراتيجية، مع جار مهم للغاية بالنسبة لنا. نحن بالطبع على استعداد للاستماع إلى مقترحات ملموسة وفقاً للقواعد المنصوص عليها في الاتفاقية، وعلى أساس ما نقوم به بالفعل مع الشركاء الآخرين"، مشيراً إلى أنه يمكن الاعتماد في هذا السياق على مراجعة أولية جرت في 2016.
وجدد بوريل الدعوة إلى انعقاد مجلس الشراكة المعطل في الوقت الحالي، وقال إن انعقاده في وقت قريب "هو من مصلحتنا، كما من مصلحة الجزائر، إيجاد حل في أسرع وقت ممكن، نحن مستعدون لتكثيف التعاون الأوروبي الجزائري، من أجل تسهيل الاستثمارات في هذا المجال الاستراتيجي، أوروبا مستعدة لتعبئة التكنولوجيا ورأس المال لدعم تنميتها في الجزائر التي تتمتع بإمكانيات ممتازة في هذه المجالات ولا تزال قليلة الاستغلال".
وفي 16 فبراير/ شباط الماضي، اتهمت الخارجية الجزائرية مدريد "باتخاذ موقف المعرقل لتبني أولويات الشراكة التي جرى التفاوض بشأنها ووضع صيغتها النهائية منذ أشهر عدة، في إطار سياسة الجوار الأوروبية، وبأنها تستغل قاعدة الإجماع (في اتخاذ قرارات الاتحاد الأوروبي) لعرقلة انعقاد مجلس الشراكة، الذي يعتبر الهيئة السياسية القانونية المكلفة بالخوض في جميع الشؤون السياسية والاقتصادية والتجارية".
وانخفضت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر بنسبة 45 في المئة منذ عام 2015، ويعتبر الاتحاد الأوروبي شريكاً رئيسياً في مجال الطاقة، إذ تلعب الجزائر دوراً مهماً للغاية في تأمين إمدادات الطاقة الأوروبية، وخاصة منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
وتعليقاً على النتائج المرتقبة للزيارة، قال القيادي في حزب "جبهة المستقبل" الحاج بلغوثي إن "المعلن عنه في زيارة جوزيب بوريل مناقشة القضايا الإقليمية والدولية والتحديات القائمة إقليمياً في دول الساحل والصحراء والنزاع الأوكراني، لكن هذه الزيارة قد تحمل في طياتها عدداً من الملفات العالقة والشائكة بخصوص العلاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي".
وأكد بلغوثي أن "من بين هذه القضايا الأزمة مع إسبانيا، لكن ننتظر تصريحات صادرة عن الطرفين بخصوص الملفات المتناولة، فالجزائر جارة للاتحاد الأوروبي وتربطنا معها علاقات استراتيجية وتعتبر أوروبا منطقة تستضيف جالية جزائرية كبيرة وتعتبر المصالح المشتركة مهمة".
وأكد بلغوثي أنّه "لأجل ذلك فإنّ هذه الزيارة تهدف إلى إذابة الجليد الذي سجل بسبب عدة مواقف وخاصة من الجانب الإسباني بخصوص الصحراء الغربية وما ترتب عليه من قطع للعلاقات بين الجزائر ومدريد وقطع التعاملات الاقتصادية".
من جهته، اعتبر المحلل السياسي جيلالي كرايس أنّ "هذه الزيارة التي يقوم بها ممثل السياسة الخارجية الأوروبية للجزائر تأتي في ظروف دولية وإقليمية متوترة، فالحرب الروسية تلقي بظلالها على كل التحركات الدولية، والجزائر من خلال علاقاتها المتميزة مع موسكو أصبح لديها أهمية كبيرة بالنسبة إلى الدول الأوروبية في المساعدة في إيقاف هذه الحرب".
وأضاف كرايس إنّه "من جهة أخرى يبدو الاتحاد الأوروبي مهتمّاً بالشراكة مع الجزائر في مجالات عدة، وخاصة الطاقة التي يمكن للجزائر أن تلعب فيها دوراً مهماً، لكن يبدو أن الأزمة الجزائرية الإسبانية حاضرة بقوة أيضاً في هذه الزيارة".
وتابع كرايس قوله إنه "حسب بوريل فإنّ تشنج العلاقات بين بروكسل والجزائر لا يخدم الطرفين، ولذلك أعتقد أن الأزمة الإسبانية الجزائرية ستكون حاضرة بقوة على طاولة الحوار، ولاسيما أن مجلس الشركة الجزائري الأوروبي معطل بسبب الموقف الإسباني وتغيره المفاجئ من القضية الصحراوية، ولذلك فإنّ موقف الجزائر ثابت وقوي، ولذلك لا أعتقد أن الزيارة ستنجح في الضغط على الجزائر".
ورجح المحلل السياسي الجزائري أن "تكون هناك ملفات أخرى مطروحة مثل الأزمة في ليبيا"، مشيراً إلى أن "هناك ملفات أخرى ستطرح، كالوضع في ليبيا وموقف الاتحاد من القضية الصحراوية وغيرها من القضايا التي تهم الطرفين".
ختاما يرى مراقبون أن الجزائر ستتمسك بموقفها وعلى الأوربيين أن يكونوا أكثر وضوحاً في موقفهم من قضية الصحراء الغربية، والجزائر ستحدد موقفها بناء على ما سيقدمه بوريل.