الوقت - يواصل المجلس الأعلى للدولة ومعه البرلمان الليبي مفاقمة الأوضاع السياسية في الساحة الليبية، والدفع بها نحو مزيد من الاختناق.
حيث عادت الخلافات لتتصاعد من جديد بين مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة بعد الحديث عن لقاء قريب بين رئيسيه عقيلة صالح وخالد المشري في غدامس لتقريب وجهات النظر في عدد من الملفات مثل القاعدة الدستورية والقانون الانتخابي والمناصب السيادية.
ومثل ملف قانون المحكمة الدستورية محور هذا الخلاف حيث أقر مجلس النواب الليبي، الثلاثاء، قانونا لإنشاء محكمة دستورية في مدينة بنغازي (شرق) بدلا عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس (غرب) وهو ما رفضه مجلس الدولة.
وناقش مجلس النواب مقترحا مقدما من رئيسه صالح يقضي بتشكيل محكمة دستورية تتكون من 13 عضوا.
وعقب الجلسة أصدر الناطق باسم المجلس عبدالله بليحق، بيانا مقتضبا قال فيه إن "مجلس النواب أقر بالأغلبية قانون المحكمة الدستورية" دون مزيد من التفاصيل.
ومنتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صوّت المجلس بأغلبية الحاضرين على إحالة مشروع قانون المحكمة الدستورية إلى المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا لإبداء الرأي في مدى ملاءمة نصوصه لأصول تشكيل المحاكم.
وحسب نص المقترح ، فإنه "تحال كل الطعون المرفوعة أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بطرابلس إلى المحكمة الدستورية ببنغازي بمجرد صدور قانون تشكيلها".
كما أنه "لا يجوز الطعن بعدم دستورية القوانين إلا من رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة أو 10 نواب أو 10 وزراء".
وعقب إقرار القانون اصدر المجلس الأعلى للدولة بيانا عبر عن رفضه لقانون المحكمة الدستورية مؤكدا ضرورة "احترام مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية".
وقال إن ما صدر عن مجلس النواب "مساس بالأساس الدستوري لهذه السلطة المعتمدة من دستور سنة 1951 الذي ينص على أن السلطة القضائية تتولاها المحكمة العليا والمحاكم الأخرى التي تصدر في حدود الدستور وفق القانون".
واضاف إن "أي تعديل على هيكل السلطة القضائية لا يكون إلا بدستور مستفتى عليه من الشعب أو تعديل دستوري متوافق عليه بين الأطراف السياسية الليبية وفق ما يقره الاتفاق السياسي". مطالبا السلطة القضائية بالامتناع عن تطبيق قانون المحكمة الدستورية.
من جانبه قال رئيس المجلس الأعلى للدولة المشري في تغريدة له على تويتر "نرفض إصدار مجلس النواب قانون استحداث محكمة دستورية ".
وشدد على أن "هذا الإجراء يحتاج إلى دستور أو قاعدة دستورية حتى يتم إقراره وليس إلى قانون".
واعلن تعليق التواصل مع عقيلة صالح وأعمال اللجان المشتركة بينهما إلى حين إلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية.
وقال خلال رسالة موجهة إلى صالح، نشرها المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك "إننا لا نعتبر قانون إنشاء محكمة دستورية من ضمن الصلاحيات التشريعية بل هو شأن دستوري".
وعادت الدائرة الدستورية بطرابلس المقفلة منذ 2016 للعمل مجدداً في 18 آب الماضي، بقرار من الجمعية العمومية للمحكمة العليا بعد مطالبة بتفعيلها للفصل في خلافات على قوانين وتعديلات دستورية قادت البلاد إلى أزمة سياسية مؤخرا.
ومن جانبه دافع البرلمان الليبي عن قانون إنشاء المحكمة الدستورية،
وقال مجلس النواب الأربعاء إن "القانون يُحقق العدالة ولا تأثير له على المسار الدستوري الذي عندما يصدر من خلاله الدستور ستلغى كل القوانين المخالفة لنصوصه".
جاء ذلك في بيان لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح نشره المتحدث باسم المجلس عبدالله بلحيق عبر صفحته الرسمية على فيسبوك.
ونقل البيان عن صالح قوله، إن إصدار القانون هو "تأكيد على حماية الحريات والحقوق وإضافة قضاء متخصص في الشأن الدستوري".
ومن شأن هذا الخلاف الجديد بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، أن يعطلّ كل التفاهمات التي توصل إليها الطرفان خلال الأسابيع الماضية، وهي توحيد السلطة التنفيذية وتغيير المناصب السيادية وحلّ خلافات القاعدة الدستورية، ويبقي على حالة الجمود السياسي التي تعيشها ليبيا، على وقع انقسام في السلطة وبين المؤسسات.
ومن المحتمل أن تقود هذه الخلافات البلاد إلى انقسامات جديدة، قد تمس جسم المؤسسة القضائية التي ظلت طوال السنوات الماضية متماسكة، مع سعي كل طرف وإقليم لتشكيل سلطة قضائية والسيطرة على العدالة، وهو ما يفاقم الأزمات.
وفي ليبيا، تختص الدائرة الدستورية بالفصل في القضايا والطعون ذات الجانب الدستوري والقانوني، والقضايا والخلافات حول القوانين والتشريعات والقرارات التي تصدر عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأيضاً أي مخالفة أو طعن في الإعلان الدستوري.
ومنذ فترة، تتصارع حكومة برئاسة فتحي باشاغا كلفها مجلس النواب بطبرق (شرق) على السلطة مع حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة المعترف بها من الأمم المتحدة.
ويجري حل الأزمة عبر مباحثات بمبادرة أممية، للتوافق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة لوضع قاعدة دستورية تقود إلى انتخابات في أقرب وقت.
ويقول عقيلة صالح انه يرفض الدور التشريعي لمجلس الدولة مشددا على انه ليس غرفة ثانية للبرلمان وإنما هو كيان استشاري.
وتتهم رئاسة البرلمان الليبي جهات أجنبية لم يسمها بالتدخل في الشأن الليبي وان هذا الأمر ساهم في عرقلة جهود جامعة الدول العربية في حل الأزمة الليبية فيما يرى مراقبون انه يستهدف تركيا في كلامه التي تمتلك كثيرا من اوراق الضغط في الملف.
وكان عقيلة صالح قد نفى نفيا قاطعا أن يكون طرفا معطلا للانتخابات، فيما اتهم خالد المشري في الفترة القليلة الماضية حكومة الدبيبة بعرقلة جلسة للمجلس الأعلى للدولة.
ويحمل الدبيبة المجلسين مسؤولية الجمود السياسي وعدم المضي في إجراء الانتخابات متهما اعضاءه بالعمل على الحفاظ على امتيازاتهم.