الوقت - في هذه الأيام، يتزايد اهتمام وسائل الإعلام الغربية بقضية الطائرات دون طيار الإيرانية، وهو ما کانت تنکره في الماضي، الأمر الذي یجعل من الضروري تسليط الضوء علی أجزاء من هذه العملية.
مطلع سبتمبر 2017، أي منذ أكثر من 5 سنوات، وفي تقرير يشير إلى تخوف قادة السفن الأمريكية من تحليق الطائرات الإيرانية في مياه جنوب إيران، أعلنت وكالة أسوشيتد برس للأنباء أنه "للتعامل مع الطائرات الإيرانية دون طيار في الخليج الفارسي، كلفت وزارة الدفاع الأمريكية خبراءها للبحث عن طرق لإيقاف هذه الطائرات، أو إلحاق الهزيمة بها أو تعطيلها!"؛ إجراءٌ لم يتحقق شيء منه بعض مضي 5 سنوات.
في الوقت نفسه، فإن خوف الصهاينة من الطائرات المسيرة الانتحارية والقتالية لحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني، هو أيضًا موضوع نوقش مرات عديدة في وسائل الإعلام.
بالنسبة للكثير من وسائل الإعلام الغربية، تعتبر حاملات الطائرات الأمريكية تجسيدًا لقوة الولايات المتحدة التي لا تقهر. ربما حتى سنوات قليلة مضت، كانت هذه الوسائل الإعلامية على حق في بعض النواحي، لأنه من حيث حساب المعدات، کانت هناك حاملات طائرات نووية موجودة في أجزاء مختلفة من العالم، جنبًا إلى جنب مع ما يشبه 15 إلى 20 سفينة سطحية وتحت سطحية.
إن نظام رادار إيجيس التابع للبحرية الأمريكية إلى جانب صواريخ دفاع جوي، والتي بعضها قادر على إسقاط الأقمار الصناعية، وعشرات الطائرات المقاتلة والرادارات الطائرة وغواصات نووية مسلحة بجميع أنواع أنظمة السونار والصواريخ المضادة للسفن، وكذلك صواريخ كروز لمهاجمة أهداف برية بمدى يصل إلى مئات الكيلومترات، يبدو أنه لا يُقهر.
لكن الشعوب والقوى التي لم تنخدع بهذا المظهر القوي، وبحثت عن طرق لاختراق هذا الحاجز الذي يبدو أنه لا يمكن اختراقه، أحدثت وقائع تحطمت فيها عظمة وهيمنة هذه السفن بعد عقود من كونها فريدةً في مياه العالم.
الرصد الأول والزلزال في الإعلام والخبراء العسكريين في العالم
بينما منذ عام 2006 فصاعداً، احتدمت المناقشات حول احتمال قيام الجيشين الأمريكي والإسرائيلي بهجوم عسكري على إيران، في محاولة للضغط على إيران في المفاوضات النووية وغيرها من القضايا وكسب امتيازات من هذه العملية النفسية، فجأةً وُضعت ورقة نفسية وعسكرية مهمة على الطاولة، وهي وصول جيل جديد من الطائرات الإيرانية المسيرة للمراقبة والرد المحتمل على السفن الأمريكية في مياه جنوب إيران.
وتظهر الصور الأولى المنشورة أن الحرس الثوري الإيراني تمكن من رصد ومراقبة تحركات الأسطول الأمريكي بعد دخوله مضيق هرمز، وهذه التحركات كانت مرتبطةً بتاريخي 9 و 12 أبريل/نيسان 2007.
كما تضمنت السفن الأمريكية حاملة طائرات أيزنهاور والعديد من السفن القتالية والاستطلاعية، والتي حاولت خلال تلك السنوات، بوجودها المنتظم والمتعدد في منطقة الخليج الفارسي وبحر عمان وشمال المحيط الهندي، إظهار قوتها وممارسة الضغط على القوات المسلحة ورجال الدولة في إيران، وطمأنة الحكام العرب في الخليج الفارسي بأن إنفاقهم مليارات الدولارات على شراء المعدات من أمريكا لم يكن عديم الجدوى، ويمكن أن يجلب لهم غطاءً دفاعيًا وهجوميًا، وهو شعار اتضحت عبثيته بشكل أفضل بعد عمليات الجيش واللجان الشعبية اليمنية في السنوات الأخيرة.
في هذه المهمة، حلقت طائرة "أبابيل" المسيرة فوق حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت أيزنهاور" على الرغم من الرادارات المتقدمة وأنظمة الدفاع والصواريخ الحديثة، وأرسلت معلومات كافية وعادت إلى الحظيرة دون أدنى ضرر.
والمثال الشهير لهذه الطائرة، هو أبابيل 3 التي تبلغ سرعتها القصوى 200 كم/ساعة، مع مدة طيران 4 ساعات، ومدى 100 كم، وسقف طيران 5000 متر، مع إمكانية التقاط الصور والفيديوهات ليلاً ونهاراً.
وبعد هذا الحادث الذي وقع لأول مرة في العقود الأخيرة بشكل رسمي وإعلامي، تعرضت السلطات الأمريكية لضغوط شديدة، حتى أنها استجوبت قادة هذه القوة في المجالس التشريعية لهذا البلد.
ولتبرير هذا الأمر، أعلنت بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن السفن الأمريكية لاحظت وجود هذه الطائرات المسيرة، ولأنها كانت متأكدةً من عدم وجود تهديد لها، لم تدمر الطائرات الإيرانية المسيرة.
تم إثبات زيف هذا الادعاء والهروب إلی الأمام في السنوات التالية، حيث إنه بينما كانت الأجواء التهديدية بين القوات المسلحة للبلدين أقل بكثير مما كانت عليه في عام 2006، لکن جميع أنواع المقاتلات والمروحيات الأمريكية كانت تحلق فوق السفن الأمريكية، لتحديد وتعطيل نشاط الطائرات دون طيار التابعة للحرس الثوري الإيراني؛ على الرغم من أن هذا الإجراء لم يؤد إلى أي نتائج خاصة بالنسبة لهم.
استسلام الجيش الأمريكي أمام الطائرات المأهولة وغير المأهولة للحرس الثوري الإيراني
في السنوات التالية، اتخذت القوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية إجراءات مماثلة في البحار البعيدة عن المياه الإقليمية لإيران. وفي عامي 2010 و 2011، أجرت مهمةً استطلاعيةً فوق حاملات الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" و"يو إس إس جورج بوش"(أحدث حاملة طائرات أمريكية في ذلك الوقت).
مع تكرار هذه الرحلات الجوية وعدم فاعلية العتاد الأمريكي، وفي نفس الوقت خشية قادة هذا البلد من أي عمل ضد هذه الطائرات بدون طيار(إذا تم الكشف عنها)، بسبب ردود الفعل القوية والحاسمة من القوات المسلحة الإيرانية، حاولت وسائل الإعلام الأمريكية من خلال تغيير التكتيكات التقليل من أهمية هذه القضية، وإظهار أنه لا يوجد خطر يتحدى التفوق والقوة الجوية والدفاعية لجيش الولايات المتحدة.
مع زيادة قوة الطائرات دون طيار الإيرانية والتحسن الكبير في الطائرات المنتجة في الصناعات الدفاعية للحرس الثوري الإيراني، فقد زاد إجراء عمليات الاستطلاع والکشف عن أسطول السفن التابع للقوات عبر المنطقة الموجودة في الخليج الفارسي ومضيق هرمز، وأصبحت "المسيرات الإيرانية" الكابوس اليومي للقوات الأجنبية.
حتى في أحد أشهر الأمثلة، نفذت طائرات دون طيار تابعة للحرس الثوري الإيراني تم إرسالها إلى منطقة الخليج الفارسي، عمليةً لتحديد السفن الأمريكية التي تمر عبر مضيق هرمز، وتم بث صور هذه العملية على الهواء مباشرةً في مؤتمر قادة الحرس الثوري الإيراني في مدينة مشهد الإيرانية.
وفي كانون الأول(ديسمبر) 2011، ورداً على بعض التقارير الصادرة عن وسائل الإعلام والمسؤولين المقربين من الجيش الأمريكي، بأن هذا البلد يهيمن على المياه والمجال الجوي للمنطقة، نشرت القوات المسلحة الإيرانية صورًا للمراقبة الدقيقة لسفن أمريكية كبيرة في البحار البعيدة عن المياه الإقليمية الإيرانية في عامي 2010 و 2011، وأظهرت أن الطائرات دون طيار الإيرانية حلقت بالكامل فوق حاملات طائرات أبراهام لنكولن وجورج بوش، ناهيك عن الخليج الفارسي وبحر عمان.
استمرت هذه العملية طوال السنوات التالية، على الرغم من أنه بسبب السلوك الأكثر اعتدالًا وعقلانيةً للقادة الأمريكيين، لم تكن هناك حاجة لنشر صورهم. لكن بعد بضع سنوات، وللأسباب السابقة، أرسل الحرس الثوري الإيراني في سبتمبر 2015 طائرة دورية بحرية Y-12، وأجرى عمليةً لتحديد السفن الأمريكية المارة عبر المنطقة.
"هاربي" هي طائرة عالية الأجنحة متعددة الأغراض تنتجها شركة طائرات تحمل الاسم نفسه ولها عدة نماذج. ومن خلال هذا الإجراء، اتضح أن الطائرات دون طيار الإيرانية لا تبحث فقط عن السفن الأمريكية، بل السفن الإسرائيلية أيضًا.
بعد ذلك، في أغسطس 2017، ذكرت قناة سي إن إن الإخبارية، نقلاً عن مسؤول أمريكي، أن طائرةً إيرانيةً دون طيار اقتربت جدًا من حاملة الطائرات نيميتز في الخليج الفارسي. وحسب هذا المسؤول الأمريكي، جاءت الطائرة المذكورة على بعد 60 مترًا من السفينة و 33 مترًا من مقاتلة إف 18 التي كانت علی وشك الهبوط.
فوكس نيوز، القناة الإخبارية الأمريكية الشهيرة، في مايو 2019، وبعد نشر صور جديدة لتحركات السفن الأمريكية بواسطة طائرات بدون طيار تابعة للحرس الثوري الإيراني، أشارت في تقرير لها إلى أهمية مثل هذه الإجراءات، وقالت: كيف يمكن لطائرة مسيرة الاقتراب من حاملة طائرات تحمل عنوان "رمز القوة الأمريكية"!؟
ومع استمرار التهديدات، في نهاية سبتمبر 2020، لحظة وصول حاملة الطائرات الأمريكية "نيميتز" والمجموعة المرافقة لها إلى الخليج الفارسي، تمت مراقبة جميع تحركات هذه المجموعة بواسطة طائرات دون طيار تابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني.
تم تنفيذ هذه العملية البحرية للحرس الثوري الإيراني بواسطة طائرات دون طيار محلية من هذه القوة، تم تسليم بعضها إلى بحرية الحرس الثوري الإيراني في أوائل أكتوبر من نفس العام.
وفي مايو من العام الماضي(2021)، ذكرت قناة "برس تي في" الإخبارية الإيرانية، أن طائرات إيرانية دون طيار التقطت صورًا جديدةً ودقيقةً لحاملة طائرات أمريكية في مياه الخليج الفارسي. تم تسجيل هذا الفيديو من قبل فريق طيران مكون من أربع طائرات دون طيار، وصورت التفاصيل الدقيقة للمعدات العسكرية والطائرات المتمركزة على سطح حاملة الطائرات الأمريكية.
في غضون ذلك، اعترف كبار قادة الجيش الأمريكي، بمن فيهم كينيث فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي، مرارًا وتكرارًا بقوة الطائرات الإيرانية دون طيار.
وصرح ماكنزي في تقرير مكتوب إلى لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي: "إن استخدام إيران المكثف لطائرات بدون طيار صغيرة ومتوسطة الحجم للاستطلاع والهجوم، جعلنا، لأول مرة منذ الحرب الكورية، نعمل دون التفوق الجوي الكامل."
كما أشار "جاك كيلمان" قائد السرب الرابع للقوات الأمريكية عام 2018، إلى المراقبة المستمرة لوحدته من قبل القوات المسلحة الإيرانية، وقال ساخرًا: "منذ دخولنا الخليج الفارسي، استقبلتنا الطائرات الإيرانية دون طيار، ولذلك لم نفاجأ بهذا".
الجرأة التي قدمتها الطائرات الإيرانية دون طيار للجيش الصيني
لكن يبدو أنه إضافة إلى الإنجازات والنتائج التي حققها هذا الوجود الفعال والمستمر للطائرات الإيرانية فوق حاملات الطائرات والسفن القتالية الأخرى التابعة للجيش الأمريكي بالنسبة للقوات المسلحة الإيرانية، فقد أصبحت نموذجًا للحصول على المعلومات وزيادة الثقة بالنفس للجيوش الأخرى، مثل الجيش الصيني.
حسب الوثائق الصادرة حديثًا عن البحرية الأمريكية، والتي نشرتها وسائل إعلام أمريكية وبريطانية خلال الأيام القليلة الماضية، فقد تم تصوير السفن الأمريكية عشرات المرات بواسطة طائرات مسيرة صينية.
ووفقًا لهذه الإحصائيات، منذ عام 2017، رصدت الطائرات الصينية السفن الأمريكية على الأقل 151 مرة، والتي تشمل مناطق وسفن مختلفة، بما في ذلك حاملات الطائرات.
وإضافة إلى العديد من الرحلات الجوية، كان لبعض هذه الأحداث تهديدات خطيرة، من بينها يمكن أن نذكر هبوط طائرة دون طيار على متن سفينة أمريكية في هونغ كونغ، اعتقال مواطن صيني في بيرل هاربور كان قد قام بتحليق طائرة مسيرة، وسلسلة أخرى من الطائرات دون طيار التي كانت تتجسس حول منشأة نووية.
وذكرت هذه التقارير أنه في المجموع كان حوالي 35 تقريرًا عن هذه الأحداث من عام 2017، وأبقت البحرية الأمريكية على سرية تفاصيل 116 تقريرًا آخر لاحتوائها على معلومات سرية.
والنقطة المهمة في هذه التقارير هي أن القادة الأمريكيين ذکروا صراحةً أن "المواجهة بالطائرات دون طيار أصبحت شيئًا طبيعيًا، وبعضها في الواقع محاولات من قبل الأعداء للتجسس أو مراقبة أو تخويف القوات الأمريكية". في الوقت نفسه، "تستخدم الطائرات دون طيار لإرباك الأنظمة الأمنية، أو البحث عن المعدات العسكرية للجيش الأمريكي".
وهکذا، يبدو أن الأمر الأكثر أهميةً من القضية التي تدعمها أمريكا وبعض الدول الأوروبية فيما يتعلق باستخدام الطائرات الإيرانية دون طيار المعروفة باسم "شاهد" في المعارك الأخيرة في أوكرانيا، هو زيف ادعاءات وسائل الإعلام والمجلات المتخصصة لهذه الدول والتي تم ضخها على نطاق واسع في العالم لعقود وسنوات عديدة، فيما يتعلق بالجودة والخصائص التقنية والعسكرية للمنتجات الغربية، لتشجيع الجميع على شراء هذه المعدات. لكن المنتجات الإيرانية، ومن خلال تغيير هذه العقلية، أظهرت أنه من الممكن أن يكون المرء مستقلاً ومعتمداً على الذات على الرغم من العقوبات.
فإذا کان بالأمس، سقطت أنظمة الدفاع الغربية الشهيرة مثل باتريوت عن أعين المشترين والمحللين العسكريين، بسبب الإخفاقات العديدة ضد الطائرات دون طيار اليمنية، يخشى الغربيون اليوم أنه مع بروز اسم إيران کمصنعة للطائرات دون طيار والصواريخ الحديثة، فإن الأسطورة الشهيرة التي حاولت إظهار النصر دون المعدات العسكرية الغربية على أنه مستحيل، ستختفي من الذاكرة إلى الأبد.