الوقت- بريطانيا التي عانت الأمرين في أزمة خروجها من الاتحاد الأوروبي منذ سنوات، لم تکد تخرج من تلك الأزمة وإذا بها تسقط في أزمة كورونا والمشاكل الاقتصادية التي أعقبتها، ولم تکد تخرج من هذه البئر وإذا بها تسقط في بئر الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها الحرب في أوكرانيا.
يبدو أن بريطانيا عالقة في دوامة من المشاکل لا نهاية لها. والآن، في هذا الوضع المعقد، كتبت صحيفة "إندبندنت" يوم السبت أن وزيرة الداخلية، سويلا برافرمان، قالت مؤخرًا إن "الشرطة ستمنح صلاحيات جديدة لاعتماد نهج أكثر وقائيةً تجاه بعض الاحتجاجات". وبحسب هذه الخطة، ستكون الشرطة أكثر حرةً في قمع الاحتجاجات من ذي قبل.
في غضون ذلك، نظم ناشطون بيئيون تظاهرات مختلفة في الأشهر الأخيرة، وخرجت احتجاجات وإضرابات مختلفة ضد الوضع الاقتصادي القائم، ويبدو أن هذا البلد سوف يشهد في الأشهر المقبلة احتجاجات أخرى.
وتأتي خطة القمع هذه في حين أن سبب المعاناة في مكان آخر، وليس في احتجاجات الناس. حيث أقيل وزير الخزانة البريطاني بعد ثلاثة أسابيع من تقديمه خطةً اقتصاديةً مثيرةً للجدل، أدت إلى انخفاض تاريخي في قيمة الجنيه والاضطراب المالي في البلاد.
اُنتخب "كواسي كوارتنج" قبل 39 يوماً وزيراً للخزانة في حكومة "ليز تراس"، لكن في خطاب استقالته الذي نُشرت نسخة منه على تويتر، طلبت منه رئيسة الوزراء ترك منصبه!
في 23 سبتمبر، قدّم كوارتنج الخطة الاقتصادية للحكومة، والتي تسمى أكبر حزمة تخفيض ضريبي في السنوات الخمسين الماضية. في هذه الخطة، ألغى 45٪ من ضرائب المليارديرات، وسعى لتطوير اقتصاد البلاد على أساس معايير السوق الحرة.
ولكن نتيجةً لهذا البرنامج، انخفضت قيمة الجنيه وزادت ديون البلاد. كما أعلن بنك بريطانيا المركزي أنه سيزيد سعر الفائدة بين البنوك، والذي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بأقساط الرهن العقاري لملايين الأسر البريطانية، خوفًا من قفزة في مؤشر التضخم.
بعد إقالة كوارتنج، تم تقديم "جيريمي هنت"، وزير خارجية بريطانيا السابق، خلفًا لـ كوارتنج في وزارة المالية في هذا البلد. قال هنت في مقابلة أجراها يوم السبت في اليوم الأول لتعيينه في وزارة المالية البريطانية: "سيكون من الخطأ بالنسبة لنا السعي لاتخاذ قرارات عامة صعبة بشأن الضرائب والإنفاق، بهدف تقليل مبلغ الضريبة التي يدفعها الأثرياء".
هذه المشاكل ليست فقط مشكلة وزراء حكومة تراس، بل تراس نفسها قد كشفت النقاب عن هذه الخطة المثيرة للجدل في الأيام الأولى من عملها، والتي دعت إلى تخفيض الضرائب على الأغنياء في خضم الزيادة في تكلفة المعيشة.
ولذلك، ليس من المستغرب أن 3٪ فقط ممن شملهم الاستطلاع، يعتقدون أن ميزانية الإنقاذ المثيرة للجدل التي كشفت عنها حكومة تراس، تحوي أفكاراً صحيحةً.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن صحيفة tagesschau الألمانية أيضًا قد كتبت في مقال: "بعد إصلاحين في فترتها القصيرة، تتعرض تراس الآن لضغوط كبيرة في حزبها المحافظ".
كما نقلت مراسلة سكاي نيوز "بيث ريجبي" عن مصدر داخلي قوله، إن رئيس ما تسمى لجنة 1922 قد تلقى عدداً كبيراً من الرسائل. هذه المجموعة البرلمانية مكلفة بتقييم ما إذا كانت رئيسة الوزراء لا تزال تحظى بثقة ناخبيها، وربما ما إذا كانت تراس ستضطر إلى الاستقالة.
وورد في جزء آخر من هذا المقال: "إذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن، فستكون الظروف ضيقةً أکثر علی تراس". في هذه الأثناء، كتبت "ديلي ميل" أيضًا يوم السبت، أنه "إلى أي مدى يمكن أن تتحمل(تراس) (ويمكننا) أن نتحمل؟ هناك ضجة في حزب المحافظين في الوقت الحالي."
إذا أطيح بتراس، فسيكون لبريطانيا قريباً رئيس وزراء خامس في غضون ست سنوات. ومن المتوقع أن تكون الانتخابات المبكرة حتميةً في هذه الحالة، إذ لا تتمتع تراس بأي سلطات. وهذا في الواقع تحذير للمحافظين، حيث يتقدم حزب العمل المعارض بأكثر من 30 نقطة في بعض استطلاعات الرأي.
بايدن: ربما يزداد الوضع الاقتصادي في بريطانيا سوءًا
الخبر الآخر الذي يلفت الانتباه هنا، هو تصريح الرئيس الأمريكي. حيث وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الخطة الاقتصادية الأولية لرئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، والتي أدت إلى انخفاض حاد في قيمة الجنيه، بأنها "خاطئة"، وقال إن الخطة الاقتصادية لرئيسة الوزراء البريطانية يمكن أن تجعل الوضع الاقتصادي لهذا البلد أسوأ مما هو عليه.
وزير الدفاع ذاهب هو الآخر
في خضم هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية، حذر وزير الدفاع البريطاني "بين والاس" من أنه إذا قرر وزير المالية البريطاني جيريمي هنت عدم زيادة الميزانية العسكرية للجيش البريطاني، فسوف يستقيل من منصبه. ويرتبط هذا النبأ بطريقة ما بالاقتصاد المتضرر في بريطانيا.
ربما تكون تراس من القادة السياسيين القلائل في بريطانيا الذين يبدؤون حكمهم في هذا البلد بهذه الطريقة "الفظيعة". والآن، في هذه الحالة التي تحدثنا عنها، ما هو هاجس إعلام هذا البلد ووسائل الإعلام الناشطة فيه؟ التعاطف مع الشعب الإيراني!
بي بي سي وانترناشيونال السعودية
تجدر الإشارة إلى أن شبكة بي بي سي البريطانية الحكومية الناطقة بالفارسية، وشبكة إيران انترناشيونال السعودية التي تتخذ من لندن مقراً لها، وبينما تعتِّمان بالكامل الأزمات السياسية والاقتصادية واسعة النطاق في بريطانيا، لعبتا الدور الرئيسي في توجيه الاضطرابات في إيران هذه الأيام، وكانتا من الأدوات والأذرع الرئيسية للتيارات المعارضة والمخربة في مشروع الفوضى ضد إيران.
هذه الأبواق الدعائية وخلافاً لواجهتها الجميلة التي تدعي حرية التعبير والتداول الحر للمعلومات، تحاول من خلال نشر الأكاذيب بكل قوتها "قلب" وتشويه فهم ومعرفة الجمهور بناءً على الأهداف المحددة لها، وتماشياً مع المهمة التي تم تحديدها لها، تحاول تصوير إيران بأنها في حالة انفجار وإضرابات وطنية على مدار الساعة؛ بينما لا يوجد أي أثر لهذه المحتويات الإعلامية حول الأزمات التي تعاني منها بريطانيا في هذه الوسائط.
هذه الأكاذيب يمكن اعتبارها جزءًا من عملية نفسية كبيرة ومحسوبة ضد وحدة أراضي وسلامة الرأي العام في إيران. عمليةٌ بدأت بأخبار الضرب الكاذبة التي أدت إلى مقتل "مهسا أميني"، واستمرت مع كذبة الاعتداء الجنسي على "نيكا شاكرمي" في طهران وإشاعة مقتل "سارينا إسماعيل زاده" في كرج، وهما فتاتان في السادسة عشرة من العمر، ووصلت إلى أكاذيب سطحية وخرقاء مثل التحاق الجيش والشرطة بمثيري الشغب، وإرسال قوات حزب الله من لبنان إلى مدينة سنندج.
ومن بين الأخبار الكاذبة الأخرى التي نشرتها وسائل الإعلام المعادية لإيران، يمكننا أن نذكر إشاعةً عن إضراب وطني للأشخاص والشركات في محافظة كردستان الإيرانية، وسقوط مركز هذه المحافظة، وسقوط أشنوية، وهي مدينة كردية أخرى في شمال غرب البلاد.
بعبارة أخرى، في أعمال الشغب الأخيرة في إيران، تحاول بي بي سي الفارسية وإيران إنترناشيونال السعودة وقنوات أخرى متحالفة، أن تنقل لجمهورها أن احتجاجاتكم تتصدر أخبار العالم، حتی تشجِّعهم بهذه الطريقة على مواصلة أعمال الشغب.
بينما في العالم الحقيقي، تعتبر القضايا الأكثر أهميةً مثل الصراع بين الغرب وروسيا والمناقشة الجادة لأزمة الغذاء والطاقة، هي الاهتمامات الرئيسية للدول الغربية المنخرطة في جميع أنواع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.