الوقت- توالت تحذيرات المسؤولين والقوى الفلسطينية من مغبة السماح للجماعات الاستيطانية باقتحام المسجد الأقصى يوم أمس الخميس ورفع العلم الإسرائيلي في ذكرى ما تسميه تل أبيب "يوم الاستقلال"، وهو ما عده الفلسطينيون تصعيدا جديدا في أعقاب شهر حافل بالمواجهات. ولقد قالت جماعة "نشطاء لأجل الهيكل" إنها تدعو إلى "الاحتفال بالاستقلال في جبل الهيكل في إشارة إلى المسجد الأقصى والتلويح بالعلم وترديد النشيد الإسرائيلي". كما دعت منظمة الهيكل الإسرائيلية المتطرفة "بيدينو" المستوطنين إلى اقتحام باحات المسجد الأقصى يوم غد الخميس للاحتفال بما سمته "يوم الاستقلال 74 لإسرائيل". وقالت المنظمة الإسرائيلية في تغريدة لها عبر تويتر، إن دعوتها تأتي بعد إغلاق المسجد الأقصى أمام اليهود على مدى الأسبوعين الماضيين، مشيرة إلى أن مرشديها سيكونون بانتظار المستوطنين لمرافقتهم عند الاقتحام.
وشهد المسجد الأقصى خلال شهر رمضان توترات شديدة مع اقتحامات إسرائيلية متعددة لباحاته، خلفت عشرات الجرحى والمعتقلين الفلسطينيين. وتحتفل إسرائيل في الخامس من مايو/أيار من كل عام بذكرى تأسيسها عام 1948 التي تمثلت في نكبة الشعب الفلسطيني إثر الحرب التي أدت إلى تهجير الفلسطينيين وطردهم من قبل العصابات الصهيونية المسلحة. وقد استنكر مسؤولون فلسطينيون الثلاثاء تهديد جماعات استيطانية برفع العلم الإسرائيلي خلال اقتحام المسجد الأقصى في ذكرى ما يسمونه "يوم الاستقلال".
وحول هذا السياق، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مساء الثلاثاء الماضي، إن القيادة الفلسطينية بصدد اتخاذ إجراءات لمواجهة التصعيد الإسرائيلي. جاء ذلك خلال اتصال من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بعباس. وأوضح عباس، أنهم بصدد اتخاذ إجراءات، في ظل عجز المجتمع الدولي عن إرغام إسرائيل على الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، ووقف ممارساتها، وفي ظل الصمت الأميركي على هذه الممارسات. وحسب بعض المصادر الاخبارية، فقد بحث الطرفان خلال الاتصال، آخر المستجدات والوضع الخطير الذي وصلت إليه الأحداث في الأراضي الفلسطينية، والتصعيد الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين في القدس.
وأشار عباس، إلى أن الوضع الحالي لا يمكن السكوت عنه، في ظل غياب الأفق السياسي والحماية الدولية للفلسطينيين، وتنصل إسرائيل عن التزاماتها وفق الاتفاقات الموقعة والقرارات الدولية، ومواصلة الأعمال أحادية الجانب، وخاصة في القدس، واعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى. وشدد عباس على ضرورة رفع منظمة التحرير الفلسطينية عن القائمة الأميركية للإرهاب، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ومكتب منظمة التحرير في واشنطن، بصفتها شريكا كاملا وملتزماً في عملية السلام. وأغلقت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب القنصلية في 2019، وجعلتها قسما في السفارة الأمريكية بعد نقلها من مدينة تل أبيب إلى القدس.
بدوره، أكد بلينكن، حسب ما ذكرت “وفا”، التزام إدارة الرئيس جو بايدن بحل الدولتين ووقف التوسع الاستيطاني والحفاظ على الوضع القائم، ووقف طرد الفلسطينيين من أحياء القدس، ووقف الأعمال الأحادية من الجانبين. كما أكد على التزام الإدارة بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وأن الإدارة الأميركية سترسل وفداً رفيع المستوى للتحضير لزيارة بايدن ومناقشة كل القضايا التي طرحها عباس في هذا الاتصال، وإعداد المناخ المناسب لإنجاح زيارة بايدن لفلسطين والمنطقة. وأعرب عن “حرص الإدارة الأميركية على القيام بالتحقيق في مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة بهدف ملاحقة ومحاسبة القتلة”. وشدد بلينكن على تصميم إدارة الرئيس بايدن على تحسين الأوضاع للفلسطينيين وإعطاء الفرصة للعمل خلال الفترة القادمة لوقف التصعيد وخلق البيئة المناسبة، بهدف إعطاء أمل للفلسطينيين وشعوب المنطقة كافة.
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية، أن الرئيس الامريكي "جو بايدن" يعتزم زيارة إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، نهاية حزيران. وستكون هذه أول زيارة للرئيس الأميركي إلى المنطقة، منذ وصوله إلى البيت الأبيض مطلع العام الماضي. ومنذ أيام، يسود توتر في القدس وساحات الأقصى، جراء اقتحامات يومية ودعوات مستوطنين إسرائيليين و”جماعات الهيكل” اليهودية إلى مواصلة اقتحام المسجد. ولقد حذرت القيادة الفلسطينية، يوم الاثنين الماضي، من أن "التصعيد الإسرائيلي الأخير"، سيؤدي إلى "تفجير الأوضاع في المنطقة، وليس في فلسطين فقط". وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، في بيان نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، إن السياسات الإسرائيلية، تُثبت "عدم التزام إسرائيل بالتفاهمات والاتفاقيات، او بالتعهدات والمواقف التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية، والجهود التي تبذلها أطراف فاعلة في المنطقة، لمنع التصعيد".
وأضاف أبو ردينة، إن "انعدام الأفق السياسي، والتصعيد الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته، والذي كان آخره ما قام به يائير لابيد (وزير الخارجية الإسرائيلي) من اقتحام لمنطقة باب العامود في البلدة القديمة بالقدس، ومواصلة تصرفات جيش الاحتلال وشرطته الاستفزازية واقتحامات المستوطنين، سيؤدي إلى تفجر الأوضاع ليس في فلسطين فقط إنما في المنطقة". وأمس، أجرى لابيد، جولة في ساحة "باب العمود"، حيث زار مركز الشرطة الإسرائيلية هناك، برفقة مسؤولين إسرائيليين كبار. وتابع الناطق باسم الرئاسة: "على إسرائيل أن تعي تماما أن ما يحدث في باب العمود وغيره من أحياء القدس، وتصرفات شرطة الاحتلال تجاه المواطنين، واستمرار معاناة الاسرى وحجز جثامين الشهداء، والتهديدات الإسرائيلية بعمليات عسكرية جديدة في غزة، ستؤدي جميعها إلى اشتعال النيران، وستضر بميزان الردع الهش أصلاً".
وقال أبو ردينة إن "الرئاسة الفلسطينية تحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد، وتحذر من المساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، والقدس ليست للبيع أو المساومة". وكان رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، قد حمّل الحكومة الإسرائيلية أيضا، مسؤولية التصعيد الأخير. وقال اشتية في كلمة، خلال افتتاح الجلسة الأسبوعية للحكومة الفلسطينية، في مدينة رام الله إن "ما شهدته الأراضي الفلسطينية خلال الأيام الماضية من تصعيد الاحتلال لاعتداءاته ضد أبناء شعبنا بالقتل والتنكيل، والاعتقال، وإطلاق أيدي المستوطنين لارتكاب الجرائم، ينطوي على مخاطر كبيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة". وحمل رئيس الوزراء، الحكومة الإسرائيلية "كامل المسؤولية عن التبعات الخطيرة الناتجة عن هذا التصعيد".
وفجر السبت الماضي، قالت الشرطة الإسرائيلية في بيان، إن قوات الأمن قتلت ثلاثة مسلحين من "الجهاد الإسلامي" في تبادل لإطلاق النار بالضفة الغربية، ليرتفع عدد من قتلتهم إسرائيل منذ آذار الماضي إلى 16، ومنذ بداية 2022 إلى 27، حسب وزارة الصحة الفلسطينية. وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم الأربعاء الماضي في بيان إن "سماح الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى غدا لعب بالنار وجر للمنطقة إلى تصعيد يتحمل الاحتلال مسؤوليته". وجددت الحركة دعوتها جماهير الشعب الفلسطيني إلى الاحتشاد في الأقصى والاستنفار في القدس "دفاعا عن هويتنا وديننا وقبلتنا الأولى". وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ في تغريدة على تويتر إن "رفع العلم الإسرائيلي وغناء النشيد الوطني في الحرم الشريف تحد صارخ لمشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين". وأضاف إن "تهديد المستوطنين بذلك هو استمرار لحملات متطرفة عنصرية تسعى لتكريس التقسيم في الحرم الشريف، وإشعال حرب وطنية دينية في المنطقة".
من جهته، قال قاضي قضاة فلسطين، والمستشار الرئاسي للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية محمود الهباش إن تهديد المستوطنين هو اعتداء صارخ على مقدسات المسلمين. وأضاف إن سياسات الاحتلال "ستقود إلى إشعال الحرب الدينية في المدينة المقدسة، بسبب محاولات فرض معادلات جديدة على أرض الواقع، مثل التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى". كما أكد وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني حاتم البكري أن ما يجري هو "إساءة لمقدساتنا واعتداء صارخ عليها، وتحد صارخ لمشاعر المسلمين في فلسطين والعالمين العربي والإسلامي". ودعا البكري المجتمع الدولي إلى وضع حد لهذه الاعتداءات، التي قال إنها تزداد بشكل منهجي ومخطط له.