الوقت - انعقدت خلال اليومين الماضيين الدورة السادسة لقمة المشاركة بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي بحضور مجموعة كبيرة من قادة وكبار مسؤولي حكومات أكثر من 50 دولة أعضاء في الاتحادين، وذلك بمقر الاتحاد الاوروبي بالعاصمة البلجيكية بروكسل.
وجاءت القمة هذا العام تحت اسم "أفريقيا وأوروبا.. قارتان برؤية مشتركة حتى 2030"، لتجديد وتعميق الشراكة بين الاتحادين وإطلاق حزمة استثمار إفريقية أوروبية طموحة وبحث التحديات العالمية الراهنة.
وتكمن أهمية القمة هذه المرة كما يرى المراقبون في توقيتها، حيث انعقدت تزامنا مع عدة تحديات خطيرة تواجهها القارة الإفريقية بدءا من التحديات التنموية والاقتصادية والصحية، وصولا الى تزايد خطر تغير قضايا المناخ على اقتصاديات القارة السمراء.
حيث أعلن الاتحادان الأوروبي والإفريقي عن تأسيسهما لـ “شراكة متجددة” وإستراتيجية استثمارات بقيمة 150 مليار أورو على مدى سبع سنوات.
وبينما لم يتلق لقاح كورونا سوى 11% من الأفارقة بداية شهر فبراير/ شباط، تم مطولا مناقشة سبل استمرار جهود التطعيم وخاصة على تنمية القدرات الأفريقية لإنتاج اللقاحات والأدوية.
ومن هنا، سيجمع الاتحاد الأوروبي 300 مليون جرعة لأفريقيا بحلول هذا الصيف لتصل تبرعاته إلى 450 مليون جرعة إجمالاً. كما يريد الاتحاد الأوروبي تخصيص 425 مليون يورو كمساعدات لتسريع حملات التطعيم من خلال دعم توزيع الجرعات، الأمر الذي قد يشكل تحديات لوجستية.
كما رحب رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا بهذه القرارات، لكنه استمر في المطالبة برفع براءات الاختراع من شركات الأدوية الغربية، وهو ما سيتم مناقشته الربيع المقبل.
موضوع آخر لم تفصل فيه أوروبا بالمدى الذي كان يريده الأفارقة، إذ إن الإعلان الختامي يدعو فقط إلى “مساهمات طوعية وطموحة” من الدول الأوروبية، من أجل تخصيص حقوق خاصة للأفارقة من أجل سحب استثنائي من صندوق النقد الدولي لمواجهة آثار وباء كورونا.
وأكدت أوروبا عزمها على تخصيص ما مجموعه 150 مليار يورو، على شكل منح وقروض وضمانات عامة واستثمارات خاصة ناتجة عن هذه الحوافز العامة لأفريقيا في الفترة ما بين 2027-2021، أي ما يمثل نصف ميزانية مبادرتها الجيوسياسية.
وسلط الاتحاد الأوروبي الضوء أيضا وبشكل ملحوظ على سلسلة من “المشاريع الرئيسية” التنموية، على سبيل المثال قدرات إنتاج الهيدروجين، وحاضنات المشاريع الرقمية، والإنجازات البيئية لتثبيت التربة.
وقال الرئيس السنغالي ماكي سال، رئيس الاتحاد الإفريقي، خلال مؤتمر صحفي في ختام القمة ، “لدينا الآن فرصة تاريخية للنظر إلى أسس نوع جديد من الشراكة، شراكة متجددة، نريد بناءها معا”، مبينا أن “هذه المساعدة، إذا تمت تعبئتها فعليا، ستشكل تقدما كبيرا وجسرا بين قارتينا”.
من جهتها، شددت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، على أن “ارساء شراكة أقوى تعني توحيد قوانا لمكافحة التغير المناخي”، داعية إلى مزيد من الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية والهيدروجين المراعي للبيئة في القارة الإفريقية.
بدوره، ذكر السيد شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبي، أنه من المنتظر أن يكون هناك “آلية متابعة” كل ستة أشهر للتأكد من أن المشاريع “تؤدي إلى نتائج ملموسة”.
من جانب آخر، تعهد الإتحادان الأوروبي والإفريقي بـ”منع الهجرة غير القانونية” و”تحقيق تقدم فعال” في إعادة المهاجرين الذين هم في وضع غير نظامي في الإتحاد الأوروبي، ودمجهم مجددا في بلدانهم الأم.
وأطلقت الدول الأعضاء الـ27 في الإتحاد الأوروبي “استراتيجيتها العالمية للاستثمارات” والتي لا تقل عن 150 مليار يورو على سبع سنوات “للمساعدة في المشاريع التي يريدها الأفارقة”، مع إعطاء الأولوية للبنية التحتية للنقل والشبكات الرقمية والطاقة، حسب الإعلان النهائي للقمة.
وما لاشك فيه أن أوروبا تحتاج إلى تجديد صيغ التعاون القديمة مع إفريقيا التي تمثل سوقاً كبيراً للمنتجات، وتمتلك مخازن المواد الخام التي يحتاج إليها قطاع الصناعة في أوروبا. وقد استخدم قادتها في المؤتمر تعبير «إعادة بناء الشراكة مع إفريقيا»، بدلاً من تعبير «تعزيز الشراكة»، وهو تعبير يعترف بماضي العلاقة المرتبك وغير المتكافئ ويسعى إلى تحسينه عبر صيغ مبتكرة جديدة تحقق الاحترام والعدالة في اقتسام المنافع.
وفي المقابل، فإن إفريقيا تعاني وطأة التخلف وعدم الاستقرار، وتحتاج إلى إحداث نقلة نوعية في مجالات التقنية الرقمية، والاتصالات والبنى التحتية، وفي مجالات الصناعة والطاقة، وتدفق الاستثمارات الأجنبية. ويمثل التعاون في هذه المجالات الأرضية المناسبة للشراكة المستقبلية، وهي مجالات تنافسية، حيث تقدم روسيا والصين حوافز مختلفة عن تلك التي كانت أوروبا تتعامل بها في المراحل السابقة.
وضمن الخطط الأوروبية المطروحة في قمة بروكسل، تحقيق النجاح في ما تمت الإشارة إليه ب«ثلاثية الازدهار والأمن والتنقل»، وهي عبارة عن مجموعة من المشاريع صممتها مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بالتنسيق الوثيق مع البلدان الإفريقية، وتتعلق خصوصاً بمجالات الاستثمار والإنعاش الاقتصادي، والبنى التحتية والصحة، والتنقل والأمن والتعليم.
إن تحقيق النجاح في هذه المجالات يتطلب نوعاً من الاستقرار الأمني والسياسي، بينما تشهد العديد من الدول الإفريقية اضطرابات وتقلبات وأوضاعاً ًخارجة عن السيطرة. وتحدث وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن عراقيل في طريق الشراكة، قال إنها تتمثل في هشاشة الاستقرار، وانعدام الأمن وتعدد الانقلابات العسكرية والنزاعات الأهلية، وتحديات الإرهاب والاتجار بالبشر والقرصنة البحرية.
لكن أوروبا ستكون شريكاً في التعاطي مع مثل هذه التحديات في سياق خطط ثلاثية: الازدهار والأمن والتنقل. وستكون معنية بشكل مباشر بالمساعدة في إحلال السلام والاستقرار عبر دعم الجهود الإفريقية في مكافحة الإرهاب، ودعم إجراءات المؤسسات الإفريقية من أجل إرساء الاستقرار، علاوة على تقديم الدعم والمساندة لجهود مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز التنقل والهجرة الشرعية.