الوقت- اعتبر خبيران تونسيان أن رئيس البلاد قيس سعيد، لا يملك حلولا للأزمات الاجتماعية المتفجرة منذ ما قبل 25 يوليو/ تموز الماضي، حين بدأ يتخذ إجراءات استثنائية فاقمت أزمتين سياسية واقتصادية.
ومن هذه الإجراءات المتواصلة، تجميد سعيد للبرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، وتوليه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة عَيَّنَ "نجلاء بودن" رئيسةً لها. وتصاعدت، في الأسابيع الماضية، وتيرة احتجاجات في تونس، انطلاقا من أزمة النفايات في محافظة صفاقس (جنوب) التي أشعلت فتيل مواجهات بين الشرطة ومواطنين، مرورا باستفحال أزمة احتجاجات العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات، وصولا إلى أزمة الرواتب في شركات البستنة بمحافظتي قبلي وقفصة (جنوب غرب). وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، خفضت تونس توقعاتها للنمو الاقتصادي لعام 2021 إلى 2.6 بالمئة مقارنة بـ 4 بالمئة استند إليها قانون الموازنة العامة. كما تتوقع أن تبلغ نسبة المديونية حوالي 85.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقابل 79.5 بالمئة من الناتج المحلي مسجلة في 2020. فيما ارتفعت نسبة البطالة في السوق المحلي إلى 18.4 بالمئة، خلال الربع الثالث من 2021 مقابل 17.9 بالمئة في الربع الثاني من العام نفسه، بحسب المعهد التونسي للإحصاء (رسمي).
قضايا متفجرة
وقال منير حسين، خبير لدى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (خاص)، للأناضول، إن "تعامل الرئيس سعيد مع القضايا الاجتماعية المتفجرة منذ ما قبل 25 يوليو، أثبت أن الرئاسة عادت إلى (سياسات) ما قبل 25 يوليو". وتابع: "ففي علاقة رئيس الجمهورية بالشباب الذين غادروا البلاد بطريقة غير نظامية، تمت اتفاقات سرية (مع الدول التي هاجروا إليها) لإعادة هؤلاء الشباب من دون أي حلول، وهذا يتصادم مع الشباب الحالم بالهجرة والباحث عن اندماج اقتصادي في بلاده". ورأى أن "كل الحكومات المتعاقبة لم تنجز المطلوب بشأن الانتقال الاجتماعي والاقتصادي، فاستمرت المشاكل نفسها والمنوال التنموي نفسه، وهذا لا يُمكِّن إلا من تداعيات ونتائج سلبية بتواصل البطالة والفقر والتهميش والإقصاء". وأردف حسين أن "رئاسة الجمهورية تركز كثيرا على حملة "الشعب يريد"، ولكن في أول صدام حقيقي بمدينة عقارب (في صفاقس) وظفت آلة وزارة الداخلية لقمع حراك اجتماعي موجود منذ ما قبل 25 يوليو من أجل الحق في الحياة". وفي عقارب يحتج مواطنون على قرار اتخذته الحكومة في 8 نوفمبر الجاري لإعادة فتح مكب نفايات في المدينة يخدم صفاقس، وذلك بعد أن أغلقته السلطات أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي؛ إثر احتجاجات على رمي نفايات كيميائية في الموقع المخصص للنفايات المنزلية. وتابع: "رئاسة الجمهورية تعاملت مع الأحداث على كونها مؤامرة سياسية وواجهت الأهالي العزل في عقارب بآلة قمعية، ما أدى إلى حالة وفاة وحالات اختناق وتوقيفات أمنية، لأننا ما زلنا في السياسات نفسها في مجال البيئة التي أثبتت فشلها". واعتبر أن "عدم تفعيل القانون عدد 38 لسنة 2020 (المتعلق بتوظيف أصحاب الشهادات الجامعية الذين طالت بطالتهم)، الذي أشر (وقع) الرئيس سعيّد عليه بنفسه ثم عمل على إلغائه، أمر لا يمكن أن نفهمه إلا في إطار طرحه لبدائل أخرى لا نفهمها، في حين أن له قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي يكفي تفعيله ليخلق مواطن شغل (فرص عمل)".
الرئاسة لا تملك حلولا
واعتبر حسين أن "رئاسة الجمهورية لا تملك حلولا للأزمة، ويعكس هذا ما قاله سعيد خلال حملته الانتخابية بكونه "لا يملك برنامجا". وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بدأ سعيد ولاية رئاسية مؤلفة من 5 سنوات. وأردف: "نفس الشباب الذي كان يساند رئيس الجمهورية في 25 يوليو يصطدم بعنف مع قراراته، ونلاحظ أن السياسات القديمة التي تجرم الحراك الاجتماعي لا تزال قائمة والمطالب لم تتحقق إلى اليوم". وتابع: "أعتقد أن قيس سعيد غير قادر على الاستجابة لمطالب الشباب؛ لأنه عبّر عن احتياجه إلى التقشف، وهذا التمشي ذهبت إليه كل الحكومات تحت إملاءات الممولين والمقرضين الخارجيين، وخاصة صندوق النقد الدولي، وأراد (سعيد) أن يوجه إليهم رسالة بكونه مع سياساتهم وضد إرادة الشعب التي تطالب بحق الحياة". واستطرد حسين: "رئاسة الجمهورية في وضع محرج تجاه مطالب الشعب وتجعلها على هامش الدولة". وأعرب عن اعتقاده بأن "الحراك الاجتماعي سيتطور؛ لأنه لم تتوفر أي سياسة قادرة على حسم هذا الصراع المجتمعي لصالح الفئات المطالبة بحقها في الاندماج الاقتصادي ووضع اجتماعي أفضل ورفض التهميش والفقر، وكل المؤشرات تدل على أن الشتاء سيكون ساخنا (بتفاقم الاحتجاجات)". ورجح أن "الحكومة الحالية ستلهث وراء المتطلبات اليومية والموازنات الآنية والأساسية وتوفير الموارد المالية، ولا أعتقد أن برنامجها سيكون اجتماعيا رغم الشعارات المرفوعة، ولن تتجاوب مع مطالب الحركات الاجتماعية".
تفاقم الاحتجاجات
متفقا مع حسين، رأى محمد الجويلي، أستاذ جامعي مختص في علم الاجتماع، أن "الحراك الاجتماعي المتصاعد في البلاد، والمتصل بالتنمية والتشغيل، يتعلق بمسائل كلاسيكية (مزمنة) تتجدد منذ عشر سنوات أو أكثر؛ لأنه بكل بساطة لم يتم إيجاد حلول جذرية وواضحة لها". وأضاف الجويلي للأناضول أن "25 يوليو كمرجع هي قرار سياسي، ولم تكن قرارا تنمويا بشكل مباشر، ولم تكن قرارا لفضّ مثل هذه المشاكل". وأردف: "لم تكن 25 يوليو نقلة نحو تنمية جديدة أو نحو نظرة جديدة في مشاكل الاحتجاجات وأسبابها (..) بل كانت أسئلة لها بعد سياسي، كالموقف من الدستور والمراسيم (الرئاسية) وإدارة الدولة وتعيين الحكومة و إغلاق البرلمان".
ويقول الرئيس سعيد إن القرارات التي اتخذها في 25 يوليو الماضي هي تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من "خطر داهم"، وفق تقديره. وغالبية القوى السياسية ترفض إجراءات سعيد الاستثنائية، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك، زبن العابدين بن علي. وزاد الجويلي بأن "المشاكل الاجتماعية تتفاقم؛ لأن الدولة لم تقدم إجابات واضحة حول المسألة، وحتى ما تبنته الدولة من مقاومة الفساد لم يكن له علاقة بمستوى التنمية، وأثره لن يكون آنيا بل له على المدى المتوسط والطويل، لهذا ننتظر تفاقم الاحتجاجات، فلا إجابات في الأفق لمشكلات كلاسيكية". وقال إن "انتظارات (تطلعات) الشباب من 25 يوليو كانت إيجابية جدا، لكنها بدأت تضعف شيئا فشيئا وتفقد طريقها، لأن الدولة لم تعط خارطة طريق واضحة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وربما ستكون الحركات الاحتجاجية بوتيرة أكبر نظرا لكوننا ما زلنا ضمن منظومة كلاسيكية تعيد إنتاج الأزمات نفسها بسب ضبابية الرؤية". وختم بأن "الأزمات الكبرى لا تجد إلا إجابة أمنية أو إعلامية، أما الأحزاب فليس لها أي دور تأطيري للاحتجاجات باعتبارها أحزابا انتخابية بكل بساطة".