الوقت - تتجه أنظار الشعب الأفغاني وحكومة طالبان هذه الأيام إلى الدوحة ونتائج مفاوضات الوفد السياسي لكابل مع الأطراف الخارجية. حیث بدأت المفاوضات بين ممثلي طالبان وأمريكا يوم (السبت) وتستمر لمدة يومين.
وبينما تفكر طالبان في الإفراج عن أموالها المحتجزة في الغرب ولدى المؤسسات الدولية لمواجهة الأزمة الاقتصادية والمشاكل المعيشية لملايين الأفغان، تحاول ترسيخ موقعها في كابول عبر انتزاع القبول الدولي لحكومة الإمارة الإسلامية. وبالإضافة إلى المخاوف الاقتصادية، يرى العديد من الأفغان ضرورة استمرار الضغط الخارجي على طالبان لتعديل أيديولوجية هذه الحركة المتشددة تجاه الأقليات والنساء واحتكار السلطة.
لكن الدوحة بالنسبة لطالبان هي تذكير باتفاق يضمن عودة هذه الحركة بشكل لا يصدق إلى السلطة. لذلك ان نتيجة المفاوضات مع أمريكا مصيرية للغاية بالنسبة لطالبان.
من جهة أخرى، ارسلت واشنطن ممثليها إلى قطر مع قائمة من المطالب والأهداف. حیث خلق استيلاء طالبان على كابول حالة مضطربة ومستقبلاً غير واضح لأفغانستان، ويرى المجتمع الدولي دور أمريكا في ظهور هذه الأزمة أكثر من أي عامل آخر.
لهذا السبب ولتجنب الانتقادات الموجهة إلى انسحاب أمريكا غير المسؤول من أفغانستان، وجدت إدارة بايدن أنه من الضروري إدراج شعار دعم تشكيل حكومة شاملة أو الدفاع عن حقوق المرأة وقضايا حقوق الإنسان على قائمة مطالب مفاوضات الدوحة.
كما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية قبل المفاوضات أن مفاوضات الدوحة ستتناول قضايا مثل محاربة داعش والقاعدة وإيصال المساعدات الإنسانية.
وبينما يرى العديد من المحللين والأدلة الميدانية في السنوات الأخيرة أن اهداف أمريكا من مغادرة أفغانستان (لا سيما خلق التهديدات ضد مصالح بعض المنافسين مثل روسيا والصين وإيران) تتماشى مع محاولات داعش لإثارة حرب طائفية في المنطقة، کانت قضية منع تحول افغانستان الى معقل للقاعدة أحد أهم بنود اتفاق الدوحة في عام 2020.
لكن هناك مسألة مهمة أخرى لواشنطن في مفاوضاتها مع طالبان وهي ضمان استمرار مغادرة جميع المواطنين الأمريكيين لأفغانستان.
فخلال الانسحاب الصاخب والفاضح للقوات الأمريكية من أفغانستان، لم ينته الإجلاء الكامل للمواطنين الأمريكيين في 30 أغسطس، وكانت العملية بطيئة لمدة أسابيع. يرى مسؤولو البيت الأبيض أن أي خسائر في صفوف المواطنين الأمريكيين تشكل خطرا قد يزيد من عبء تكاليف الخروج. ومنذ انسحاب القوات الأمريكية، تمكن آلاف الأشخاص من مغادرة أفغانستان، معظمهم على متن رحلات جوية رتبتها وزارة الخارجية أو مجموعات وأفراد.
في سبتمبر، سمحت طالبان للمواطنين الأمريكيين والمقيمين في الولايات المتحدة وحاملي التأشيرات الأمريكية، وكذلك لأشخاص من دول أخرى بمغادرة البلاد. وقالت وزارة الخارجية إنها اعتبارا من 30 أغسطس اجلت 435 مواطنا أمريكيا و 325 مقيما دائما في الولايات المتحدة - حاملي البطاقة الخضراء.
وقالت إدارة بايدن هذا الشهر تعتقد أن بضع المئات من الأشخاص فقط بقوا في أفغانستان، لكن وتيرة الاجلاء كانت بطيئة، بما في ذلك لأن بعض المواطنين الأمريكيين اختبأوا أو اخفوا او اضاعوا وثائقهم الشخصية عندما وصلت طالبان إلى السلطة. والتقدم بطلب للحصول على تأشيرة هجرة إلى الولايات المتحدة أمر صعب في هذه المرحلة لأن سفارة الولايات المتحدة مغلقة. لذلك وافقت قطر مؤخرا على تقديم بعض الخدمات القنصلية للولايات المتحدة.
أمريكا تستخدم النفوذ الاقتصادي كأداة رئيسية لتعزيز سياساتها في أفغانستان.
في هذا السياق، أوقفت واشنطن ودول أوروبية ارسال المساعدات الإنسانية لكابول ومنعت طالبان من الوصول إلى حوالي 9 مليارات دولار من أصول البنك المركزي، معظمها موضوعة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
ويقول منتقدون إن العقوبات ادخلت أفغانستان في وضع اقتصادي سيئ وفاقمت الأزمة الإنسانية التي سببتها سنوات من الحرب ومستويات عالية من الفقر وانتشار الفساد والجفاف لفترات طويلة.
وتقدر الأمم المتحدة أن ما يقرب من 23 مليون أفغاني أو أكثر من 60 في المائة من سكان البلاد، يعانون من نقص حاد في الغذاء، وحذرت من أن مليون طفل قد يموتون مع بدء الشتاء.
هذا وقال المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين، إن داعش تستغل الظروف الاقتصادية السيئة لتجنيد المزيد من الأعضاء بسبب العقوبات.
وقال شاهين يوم السبت: ان العقوبات تتسبب بالوضع الحالي للأزمة الإنسانية وتوفر الأرضية لجذب داعش، كما تستفيد داعش من هذا الوضع. لا أدري لماذا يساعدون داعش من خلال استمرار العقوبات والابقاء على أموالنا التي هي ثروة الشعب الأفغاني.
وقد دفعت أهمية هذه القضية جيران أفغانستان عشية اجتماع الدوحة إلى الإعراب عن القلق إزاء حالة عدم الاستقرار في أفغانستان. حيث أعرب وزراء خارجية روسيا والصين والهند، في بيان مشترك يوم الجمعة، عن "قلقهم المتزايد بشأن تدهور الوضع الإنساني وانتشار تهريب المخدرات في أفغانستان، ودعوا إلى تقديم مساعدات إنسانية فورية لأفغانستان دون عوائق".
لكن الموقف الذي اتخذه المسؤولون الأمريكيون قبل بدء المفاوضات يشير إلى أن البيت الأبيض غير مستعد لتغيير موقفه بشأن الاعتراف بحكومة طالبان والإفراج الكامل عن الأموال الأفغانية المجمدة من خلال رفع العقوبات.
حيث قال المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان توم ويست، الأسبوع الماضي إن تحرير أصول البنك المركزي الأفغاني ليس بالأمر السهل مثلما تعتقد طالبان. هناك أسباب قانونية معقدة للغاية بالإضافة إلى أسباب قضائية لعدم إمكانية تحويل هذه الأموال من بنوك خاصة إلى أماكن أخرى.