الوقت- تفاصيل مروعة جديدة انتشرت حول وفاة الناشط السعوديّ موسى القرني الذي اعتقل في 2 فبراير/ شباط 2007 في سجون آل سعود، حيث كشفت منظمات حقوقيّة أنّ الأكاديميّ والإصلاحيّ المعتقل منذ أكثر من 15 عاماً، توفيّ داخل محبسه، وقد تم وضع نهاية قاسيّة لمشوار معاناته الطويل داخل السجون السعوديّة، عقب تعرضه للإصابة بجلطة دماغيّة تسببت بفقدان عقله، نتيجة الإهمال الصحيّ من قبل السلطات السعودية، والتي انتهت بإدخاله لمستشفى الأمراض العقليّة في مارس/ آذار 2019، وإنّ وفاة المعارض السعوديّ جاءت بعد معاناة طويلة مع المرض وإهمال طبيّ متعمد داخل المعتقلات ما أدى لتدهور حالته الصحيّة بشكل كبير في السنوات الأخيرة دون أن يتلقى أي رعاية طبيّة تُذكر.
وبسبب رفض حكام المملكة السماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم وحريّة التعبير، تتحدث مواقع إخباريّة أنّ وفاة القرني جاءت بعد قضائه 15 عاماً في معتقلات النظام السعوديّ، حيث كان يقضي حكماً جائراً بالسجن مدة 20 سنة، يليها 20 سنة منع من السفر، بعد اتهامه بجرائم لا صحة لها، بينها التخطيط لتأسيس حزب والتواصل مع جهات أجنبيّة، إضافة إلى ما يعرف بـ "الخروج على ولي الأمر".
وتحمل منظمات حقوقيّة السلطات السعودية مسؤوليّة وفاته داخل المعتقل وأسلوب القتل البطيء الذي مورس ضده والذي يعد جريمة في كل القوانين الدوليّة، بما يشبه الأعمال الانتقاميّة ضد معتقلي رأي ومدافعين عن حقوق الإنسان، فيما تُصر السلطات السعوديّة على نفي ممارستها انتهاكات بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، رغم أنّ الملك سلمان وابنه ولي العهد يخدمان هذا الاعتداء المنهجيّ على حرية التعبير، حيث تتزايد الجرائم السعوديّة بحق النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين بشكل خطير للغاية.
"موت وتعذيب داخل الزنازين"، نظام صريح تستعمله العائلة الحاكمة المستبدة، عبر انتهاج سياسة "إرهاب الدولة" (أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها) بحق مواطنيهم من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وبالأخص منذ تولي محمد بن سلمان زمام السلطة في البلاد وقيامه بتطبيق نظامه الأمنيّ الجديد، بدعم من والده الملك سلمان، حيث توسعت سلسلة الاعتقالات لتشمل رجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء، وتنبع سياسات محمد بن سلمان الرعناء من مخاوفه بشأن فقدان منصبه كولي للعهد في البلاد وذلك لأنه وصل إلى هذا المنصب بسرعة خارقة بعد أن كان سابقاً أميراً عادياً داخل الأسرة السعودية الحاكمة، ما دفعه لسجن واعتقال الكثيرين.
وبما أنّ المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو موت بشع أو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقه المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، أكّدت منظمات حقوقيّة تعمد السلطات السعودية الإضرار بالقرني بإعطائه أدوية نفسيّة غير مناسبة وتعريضه لظروف قاسية لإلحاق الضرر، مشككة في أسباب الوفاة، وداعية لتحقيق دوليّ، خاصة أنّ الكثيرين يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها، لأنّ السلطات السعوديّة جعلت هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً، حيث لجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، خاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
ولأن السعوديين لا يملكون أدنى قانون لحمايتهم من المعاقبة بهذا الأسلوب الوحشيّ، رفض المسؤولون السعوديون تسليم جثمان القرني لأسرته، حيث نقل جثمانه إلى المسجد النبوي للصلاة عليه، ودفن الأكاديميّ السعودي المعارض دون حضور عائلته وأحبائه لجنازته، كما أنّ السلطات السعودية منعت عائلة القرني من الزيارة والتواصل والاطلاع على وضعه الصحيّ قبل شهر من جريمة قتله.
"قتل تدريجيّ"، هكذا وصفت منظمات حقوقيّة دوليّة الاعتقال التعسفيّ والتعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبيّ وبالتالي جريمة القتل الشنيعة، وتؤكّد في الوقت نفسه أنّ الاعتقالات داخل السعودية تتم دون التقيد بالإجراءات القانونيّة والقضائيّة، ناهيك عن منع المعتقلين من أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية الصحيّة مع غياب كامل لتقديمهم إلى محاكم عادلة، إضافة إلى أنّ السلطات السعودية تواصل احتجاز جثامين عشرات المواطنين الذين جرى قتلهم دون محاكمات قضائيّة أو نفذت في حقِّهم عمليات إعدام تعسفيّة، دون الاستجابة لمطالب أسرهم وتسليمهم جثامين أبنائهم بشكل فوريّ.
وفي الوقت الذي ألقت فيه منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنيّة بحقوق الإنسان باللوم على وثيقة أعدها مسؤولون سعوديون في وفاة القرني في السجون والقتل التدريجي له ، بوصفها "جريمة بموجب القانون الدوليّ"، تغيب الإحصائيّات الرسميّة حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون آل سعود، في ظل إنكار وزارة الداخليّة السعودية وجود أيّ سجينٍ من هذا النوع، مع وجود إحصائيات تتحدث أنّ السجون السعوديّة تحوي أكثر من 30 ألف سجين سياسيّ، تم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتوصف السجون السعوديّة في المملكة بالـ "وباء" بحيثُ يشمل الإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ النظام الملكيّ في بلاد الحرمين الجاثم على قلوب السعوديين لا يمكن أن يتيح أيّ مجال لمعارضة سياسيّة في البلاد التي تحولت إلى سجن كبير بالنسبة للمعارضين أو من يُتهمون بذلك، حيث يقوم ابن سلمان باعتقالات تعسفيّة في كل مرة يشعر فيها بأنّ هناك ثورة شعبيّة تتنامى في الشارع السعوديّ ولهذا قام مراراً بجرائم الحبس والاعتقال والقتل للعديد من معارضيه الذين طالبوا بالعديد من الاصلاحات الحقيقة في السعودية، وترى تحليلات سياسيّة أنّ خوف العائلة الحاكمة في بلاد الحرمين من أن تجتمع جميع تلك الاصوات المعارضة تحت مظلة المطالبة برحيل النظام، هو ما يزيد من حملات ولي العهد المسعورة والدمويّة ضد المعارضين المؤثرين.
ولا يخفى على أحد أنّ حكام آل سعود قلقون بشكل لا يوصف من ملف "حرية الرأي والتعبير"، لأنّهم يدركون جيداً حجم "المعارضة الدفينة" التي تشكل جمراً تحت الرماد في البلاد وخارجها، وهذا ما يدفعهم للتعامل بإجرام غير مسبوق مع قضيّة التعبير عن الرأي وإظهار أيّ نقد أو معارضة سلمية، وهذا ما كرسه ولي العهد السعوديّ من خلال البطش والقمع الممنهج الذي وصل حد اعتبار أي تعبير عن الرأيّ بمثابة مساس بالنظام العام، وجريمة قصوى تستوجب أشد العقاب الذي يصل إلى التقطيع وإخفاء الجثث.
ومما ينبغي ذكره أنّ الأمثلة في السعوديّة كثيرة حول "القتل البطيء" في السجون، وأخرها ما يتعرض له الشيخ العودة بعد أن فقد نصف سمعه ونصف بصره، بسبب الإهمال الطبّي المتعمد ربما، والإيذاء الكبير داخل السجن الانفراديّ، حيث إنّ السلطات السعوديّة المعروفة بطغيانها وظلمها كمن يحاكم ميتاً فالشيخ الذي يبلغ من العمر حوالي 65 عاماً يعيش ظروفاً صحيّة صعبة للغاية، وتتدهور بشكل متواصل وسريع وراء القضبان، ناهيك عن عمليات التشويه المعنويّ والحملات الإعلاميّة المُضللة التي تمارسها وسائل الإعلام التابعة للنظام السعوديّ ضد المعارضين إرضاء لوليّ العهد محمد بن سلمان.
خلاصة القول، إنّ مبدأ "الإجرام العلنيّ" الذي تتبعه السلطات السعوديّة ضد النقاد والنشطاء السلميين عبر الاعتقالات التعسفيّة والتعذيب والقتل أو غيرها من ضروب سوء المعاملة، بالإضافة إلى المحاكمات التي لا تفي بمعايير المحاكمة العادلة والأحكام المطولة، ومضايقة أفراد عائلاتهم، وفرض حظر السفر عليهم، يتطلب رد فعل داخليّ ودوليّ يلجم الاستبداد السعوديّ لأنّ تلك القضيّة تجعل حياة أيّ شخص يرغب في التعبير السلميّ عن أيّ رأيٍ مستقل أمراً مستحيلاً، حيث إنّ معظم النشطاء السلميين في السعودية هم إما في المنفى أو مكمّمي الأفواه داخل وطنهم.