الوقت- يحاول نظام آل سعود الاستفادة من الاستثمارات الرياضية لتحسين صورته السوداء في مجال حقوق الإنسان. وفي هذا السياق يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، مصمم على دفع مليارات الدولارات لكسب مكانة وشرعية دولية ، حيث أشارت عدة تقارير صحفية دولية إلى أن ابن سلمان أنفق الكثير من الأموال على الاستثمارات الرياضية ولا يزال مصمماً على خطته هذه.
وضمن خطة ولي العهد السعودي تم تقديم عرض للاعب ليونيل ميسي لكي يصبح وجه ما يعرف بمجلس السياحة في المملكة العربية السعودية. وذلك من أجل الاستفادة من الشعبية الكبيرة للاعب الأرجنتيني، لكن ذلك لم يتحقق بسبب مطالبات عائلات سجناء الرأي في المملكة نجم برشلونة بعدم الموافقة على استخدام صورته من قبل نظام البلاد لغسل السمعة، وقد ورد في الرسالة التي نظّمتها هيئة الدفاع عن حقوق الإنسان ما يلي: "أنت مصدر إلهام للملايين وما تقوله وتفعله مهم حقاً. لديك قوة هائلة ، ولكن مع هذه القوة تأتي مسؤولية كبيرة. النظام السعودي يريد أن يستخدمك لغسيل سمعته. تعرّض سجناء الرأي في السعودية للتعذيب والاعتداء الجنسي، واحتُجزوا في الحبس الانفرادي المطوّل، غالباً لشهور في كل مرة.
وفي نفس السياق تمّ التواصل مع اللاعب كريستيانو رونالدو لتمثيل حملة «زوروا السعودية»، وفقاً لتقريرٍ نشرته صحيفة «التلغراف». ولكن اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو رفض الصفقة التي تقدر قيمتها بـ 5.3 ملايين جنيه إسترليني (حوالى 6 ملايين يورو) للترويج للسياحة في السعودية. وبحسب ما ذكرته الصحيفة البريطانية، تضمن العرض السعودي استخدام صورة رونالدو في المواد الترويجية للسياحة في المملكة، على أن يشارك النجم البرتغالي في زيارة للبلاد.
استثمارات ضخمة وفشل يجر فشل
في الأشهر الأخيرة، ضاعفت المملكة العربية السعودية من استثماراتها في مجال الرياضة بشكل كبير واستضافت العديد من الأحداث والمباريات الرياضية المختلفة.
حيث شارك النجم كريستيانو رونالدو وفريق يوفنتوس في مباراة الكأس السوبر الإيطالية التي أقيمت في السعودية في أواخر كانون الأول، للعام الثاني تواليا، وهذه المرة على ملعب الملك سعود في الرياض بعد أن أقيمت النسخة السابقة في جدة.
وإضافة إلى الكأس السوبر الإيطالية، ستستضيف السعودية مسابقة الكأس السوبر الإسبانية في الأعوام الثلاثة المقبلة بدءا من كانون الثاني.
كما استضافت المملكة في الآونة الأخيرة الكثير من الأحداث الرياضية الدولية، إن كان في كرة القدم أو المضرب والفورمولا إي المخصصة للسيارات الكهربائية مئة بالمئة، وبطولة العالم للفورمولا واحد للزوارق السريعة والملاكمة.
وفي كانون الأول أيضاً، استعاد ملاكم الوزن الثقيل البريطاني أنطوني جوشوا لقبه العالمي، بفوزه على الأمريكي من أصل مكسيكي أندي رويز في الرياض.
إذاً هناك سياسة قوية للغاية تهدف لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى، من أجل استقطاب الأشخاص، لنشر صورة مختلفة عن السعودية في جميع أنحاء العالم كما تأمل الرياض عبر الاستثمار في الرياضة في إعطاء دفعة لمسعاها لاستقطاب السياح عبر فتح أبوابها للزوار الاجانب. وبدأت المملكة للمرة الأولى في تاريخها بإصدار تأشيرات سياحية لمواطني 49 دولة اوروبية وأمريكية واسيوية.
مواقف رافضة للتوجه السعودي
كان هناك العديد من المواقف الرافضة لهذا التوجه السعودي كان أبرزها الانتقادات التي واجهتها السعودية بعد استضافتها لرالي داكار من قبل بعض المنظمات الحقوقية على خلفية اتهامات للمملكة بانتهاك حقوق الإنسان.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها، إن "السعودية تحاول غسل انتهاكاتها بالرياضة"، مشيرة الى أن هذا يندرج في إطار "محاولة واضحة لاستخدام الرياضة لغسل سمعة المملكة الحقوقية السيئة، وإظهار وجه تقدمي لها عبر تنظيم فعاليات مشهورة تحت قيود شديدة".
كما رفض نجما الغولف الأمريكي تايغر وودز والإيرلندي الشمالي روري ماكلروي المشاركة في النسخة الثانية التي أقيمت في كانون الثاني 2020.
فشل سعودي في الاستثمار الرياضي
الصندوق السيادي السعودي كان قاب قوسين أو أدنى من إتمام صفقة امتلاك نيوكاسل يونايتد، حيث دفعت الرياض 17 مليون جنيه إسترليني (23.67 مليون دولار) كدفعة أولى غير قابلة للاسترداد، لكن الصفقة باءت بالفشل في نهاية المطاف.
وسائل إعلام بريطانية ذكرت، نهاية يوليو 2020، أن مالك النادي الإنجليزي مايك آشلي سوف يحتفظ بالمبلغ الأولي المدفوع، في الصفقة التي كانت قيمتها 300 مليون باوند (417 مليون دولار).
جاء ذلك بعد إعلان الصندوق السعودي، صيف العام الفائت، انسحابه رسمياً من الصفقة، بعد صعوبات أدت لتأخيرها عدة أشهر؛ إذ قال في بيان رسمي نشرته شبكة "سكاي سبورتس": إنه "كان متحمساً وملتزماً بالاستثمار في مدينة نيوكاسل وإعادة ناديها إلى موقعه التاريخي".
وأوضح في بيانه أن "صلاحية الاتفاقية التجارية بين المجموعة ومالكي النادي انتهت، ولم يعد ممكناً الحفاظ على خطة الاستثمار"، هذا إضافة إلى "عدم وضوح الظروف التي سيبدأ بها الموسم الجديد، والمعايير الجديدة التي ستطبق"، في إشارة إلى تداعيات جائحة كورونا.
وكانت الصفقة قد لاقت انتقادات دولية بعد تقرير منظمة التجارة العالمية، الذي دان الرياض بانتهاك حقوق الملكية الفكرية من خلال قناة القرصنة "بي آوت كيو"، التي كانت تبث الأحداث الرياضية ومن ضمنها "البريميرليغ" بشكل غير قانوني، في تعدٍّ على شبكة "بي إن سبورت" القطرية مالكة الحقوق الحصرية، إضافة إلى انتقادات المنظمات الحقوقية الدولية لما قالت إنه "انتهاكات ترتكبها الحكومة السعودية بشأن حقوق الإنسان".
الأسباب القريبة والبعيدة للنهج السعودي
هناك عدة أسباب تشجع على الاستثمار الرياضي، أبرزها سياسية واقتصادية وتجارية. وعن الأسباب السياسية تبحث المملكة العربية السعودية في نهاية المطاف عن دعاية ايجابية وخلق "براند" معينة مرتبطة باسمها.
السعودية حاولت جاهداَ الدخول في مجال الاستثمار في كرة القدم بسبب القاعدة العالمية التي تمتلكها هذه الرياضة، سواء في أوروبا أو أمريكا أو في الوطن العربي، وعليه فإن الاستثمار في الأندية الرياضية يزيد من رصيد رأس المال السياسي والسمعة أمام الآخرين.
كما تعد الاستثمارات الرياضية فرصة للدول من أجل "تحسين صورتها" أمام الرأي العام العالمي لأن هذا النوع من الاستثمار يعطي شبكة علاقات ضخمة ونفوذاً في المؤسسات الدولية، وهو ما يسعى إليه محمد بن سلمان، "خاصة أنه يحاول أن يبني قدراته في مجال القوة الناعمة، وهذا سيجعل للسعودية "صوتاً أكبر في المنظمات الدولية والإعلامية وغيرها".
ولكن مع كل هذه الانفاقات والمبالغ الطائلة يبدو أن موقف السعودية بات محرجاُ بسبب ما كشفته المنظمات الحقوقية عن الأسباب الخفية وراء هذه الاستثمارات ويبدو أن المال السعودي لن يتمكن من غسل العار التي بات يلاصق اسم المملكة في المجتمعات الغربية والمنظمات الدولية.