الوقت- التاريخ مليء بحوادث البروتوكول المقصودة وغير المقصودة التي تحولت إلى "حوادث دبلوماسية"، وأحيانا إلى ذريعة للحرب. وقد أضحت "ازمة الكرسي" أثناء زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إلى أنقرة بصحبة رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، احدى هذه الحوادث التي تقع بين الدبلوماسيين.
وقالت مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية إن أغلب الناس لا يعرفون أن دماء كثيرة سُفكت من أجل الرتب البروتوكولية، وعددت بعض الحوادث المعروفة في التاريخ، مشيرة إلى أن أزمة الكرسي في تركيا وإن كانت لا تخلو من عجرفة، كانت على الأقل أكثر تحضرا من عادات ذلك الوقت.
وأوضحت المجلة في تقرير بقلم إيمانويل بيريتا، أن جميع الملوك، وحتى الباباوات، كانوا يرون لأنفسهم أهمية كبيرة ويطالبون بإظهار علامات الولاء، قبل أن تتبنى أوروبا بروتوكولا دقيقا بشكل متزايد ينظم العادات بين الشخصيات المرموقة والملوك والأمراء والبابوية والسفراء والوزراء، وبالتالي تجنب الاحتكاك غير الضروري في الحياة الدبلوماسية.
أما في العالم الحديث، فقد قننت اتفاقية فيينا لعام 1961 التي اكتملت عام 1963، التقاليد البروتوكولية، وإن كان لا يزال هناك الكثير من المزالق، كما يقول تقرير لوبوان.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية تعرضت لموقف محرج خلال الاجتماع الذي جمع بينها وبين الرئيس التركي ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل بعدما اضطرت للجلوس على أريكة قبالة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي يعد منصبه أدنى منها في التسلسل الهرمي للبروتوكول، وذلك بعدما جلس ميشال سريعا على الكرسي الرئيس إلى جانب الرئيس أردوغان.
وأكد جهاز المجلس الأوروبي أن ميشال له الأولوية في البروتوكول الدولي، لكن المفوضية تحتج على هذه القراءة، وتطالب بالمستوى البروتوكولي نفسه.
في حين طلبت فون دير لاين من مكتبها الاتصال بمكتب المجلس الأوروبي "لإيجاد ترتيب يتيح تجنب مثل هذه الأوضاع في المستقبل"، وذلك حسب ما أوضحه الناطق باسمها إريك مامر، الذي أضاف إن هناك مذكرة تعرض في 5 نقاط مطالب رئيسة المفوضية على أساس "تفسير القواعد السارية" نُقلت عبر البريد الإلكتروني إلى مساعدي شارل ميشال.
وقال مصدر في المفوضية إن فون دير لاين "أشارت صراحة إلى أنها لن تسمح بتكرار ما حصل"، في حين جدد رئيس المجلس الأوروبي "أسفه الشديد" للحادثة التي وقعت في أنقرة، وشدد على "عدم جواز تكرارها"، وفق متحدث باسمه، كما أكد ضرورة "عدم السماح لأحد بزرع الانقسام في الاتحاد الأوروبي".
وأثير جدل بشأن إعطاء البروتوكول الأسبقية لشارل ميشال خلال لقاء جمعه بصحبة فون دير لاين في السادس من أبريل/نيسان الحالي في أنقرة مع الرئيس التركي، والذي عُدّ إهانة بروتوكولية بحق رئيسة المفوضية.
وقال ممثل عن المجلس الأوروبي -وهو الهيئة التي تمثل 27 دولة الأعضاء- لوكالة الصحافة الفرنسية إن النص يعد كأنه "سلسلة شروط" فرضتها المفوضية رغبة في إضعاف المجلس"، وأضاف إن "المفوضية تستفيد من هذا الحادث لإعادة النظر في اتفاقيات، وخاصة المادة 15 التي تفصل مسؤوليات كل المسؤولين".
لكن الناطق باسم رئيسة المفوضية الأوروبية نفى أن تكون تلك هي النية، وقال "لا نطالب بشيء أكثر مما هو وارد في الاتفاقيات"، وأضاف إنه "من غير الوارد بالنسبة لفون دير لاين أن تكون راغبة في التحدث مكان رئيس المجلس في قضايا السياسة الخارجية والأمن المشترك".
ونفى شارل ميشال الذي واجه انتقادات شديدة من عدد من النواب الأوروبيين بسبب صمته على ما وقع في أنقرة- وجود أي نزعة تمييزية بحق المرأة، وقال -في مقابلة مع وسائل إعلام أوروبية- إنه لم يتفاعل مع المسألة من أجل تجنب "حادث (دبلوماسي) أخطر" مع أنقرة. وأضاف رئيس المجلس الأوروبي لصحيفة "هاندلسبلات" (Handelsblatt) الألمانية "لا أخفي سرا بأنني لم أعد أستطيع النوم جيدا في الليل منذ ذلك الحين".
وقد تسببت حادثة الكرسي في أزمة دبلوماسية بين إيطاليا وتركيا، حيث أدان وزير الخارجية التركي الخميس الماضي بشدة التعليقات "الشعبوية والقبيحة" لرئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، الذي اتهم الرئيس أردوغان بإهانة رئيسة المفوضية الأوروبية.
وكان دراغي قال إن من الضروري التعامل بصراحة مع "الطغاة"، وقالت وكالة الأناضول التركية للأنباء إن وزارة الخارجية استدعت السفير الإيطالي لدى أنقرة بسبب تلك التعليقات.
وحمّلت تركيا الخميس الماضية الاتحاد الأوروبي مسؤولية الحادث البروتوكولي بشأن ترتيبات الجلوس، التي أدت إلى ترك رئيسة المفوضية الأوروبية من دون مقعد للحظات خلال لقاء مع الرئيس أردوغان.
ونددت تركيا بـ"اتهامات جائرة" في حقها، مؤكدة أن ترتيبات الجلوس اقترحها الجانب الأوروبي.