الوقت- يحاول الانقلابيّ محمد بن سلمان تلميع السجل المشين للسعوديّة في حقوق الإنسان في محاولة لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ بسبب الجرائم التي يرتكبها حكام المملكة وبالأخص إدارة الرئيس الأمريكيّ الجديد، جو بايدن، حيث كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكيّة، أن محمد بن سلمان يسعى لتخفيف الضغوطات على الرياض من جانب أمريكا، ولذلك فقد أمر بإصدار الحكم على الناشطة لجين الهذلول، والذي يتضمن سجنها لفترة طويلة، لكن يسمح بخروجها من السجن بعد 3 أشهر، نقلاً عن مستشارين للملك السعوديّ سلمان بن عبدالعزيز.
إشارة واحدة
بإشارة واحدة ممن يتحكم ببلاد الحرمين تتغير كل الموازين وتتبدل كل الأحوال، حيث تغيرت مدة عقوبة الناشطة السعودية المعروفة لجين الهذلول، بطلب مباشر من ولي العهد السعودي، وقد أمرت محكمة في الرياض، قبل أيام، بسجن الهذلول 5 سنوات و8 أشهر بعد اتهامها بالتحريض على تغيير نظام آل سعود وخدمة أطراف خارجية، وأرفقت الحكم بوقف تنفيذه لمدة سنتين و10 أشهر، ما يجعل الإفراج عنها ممكناً في وقت قريب.
ووفق الصحيفة، فإن هناك اندفاعاً واضحاً من جانب آل سعود لإنهاء القضية بعد عقد 6 جلسات محاكمة في 20 يوم فقط، وذلك ضمن محاولة سعوديّة لإزالة مصدر محتمل للصراع مع الإدارة الأمريكيّة الجديدة، رغم أنّ محمد بن سلمان، اتهم ناشطات حقوق المرأة بالتجسس لمصلحة الخصمين الإقليميين قطر وإيران، وقال وزير الخارجيّة السعودي، فيصل بن فرحان، في وقت سابق، أنّ الهذلول نقلت معلومات سريّة إلى دول غير صديقة، زاعماً أنّ النشاط الحقوقيّ للهذلول ليس سبباً في اعتقالها.
وفي الوقت الذي لم تعلن فيه السعودية عن أيّ دليل لإثبات مزاعمها، تقول عائلة الهذلول إن الدليل الوحيد المقدم ضد لجين في المحكمة، كان تغريدات عن قيادة المرأة للسيارة ومقاطع فيديو لها تناقش وصاية الرجل على المرأة والذي ألغي بعد وقت لائق من اعتقالها، كما اتهمت شقيقة الناشطة، لينا الهذلول المقيمة في بروكسل، السلطات السعودية بتعذيب لجين بالصعق الكهربائي والجلد، إضافة إلى التحرش الجنسيّ، وهذا ما نفته الرياض.
ومن الجدير بالذكر، أنّ الرياض اعتقلت الناشطة الحقوقيّة لجين الهذلول البالغة 31 عاماً في مايو 2018، وحوكمت بموجب نظام "مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله"، وبدت الهذلول التي بقيت إلى حدّ كبير في الحبس الانفراديّ وأضربت عن الطعام لمدة أسبوعين في نوفمبر احتجاجاً على ظروف سجنها، ضعيفة جسدياً في المحكمة، وكان جسدها يرتجف ويصاب بإغماء، وفق الصحيفة.
على مستوى آخر، تسببت هذه القضية في انتقادات لاذعة وواسعة للسعودية من قبل منظمات حقوق الإنسان العالميّة، بما في ذلك الأمم المتحدة التي دعت السلطات السعودية إلى إطلاق سراح الهذلول بأسرع وقت، فيما انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عجلة السلطات في إدانة الهذلول بالتجسس، في محاكمة لم تطبق الإجراءات القانونيّة.
سؤال كبير
ربما من حسن حظ الناشطة لجين أنّ قضيتها أصبحت تشغل الرأي العام العالميّ لأسباب مختلفة بعضها سياسيّ لا أكثر، ليبقى السؤال الأهم ماذا عن السعوديين الذين يقبعون في سجون المملكة المنتشرة في البلاد؟، لأسباب تنافي المنطق والقانون، فإما أن تصفق للسلطات السعودية أو أن تقبع في سجونها، أم نسيتم المواطن السعوديّ، حزام الأحمري، الموظف في ميناء جدة البحري، الذي اعتقلته السلطات قبل أشهر على خلفية بثه مقطع فيديو أبدى فيه رفضه وجود ملهى ليليّ قرب منزله في جدة، وأصدرت حكماً بسجنه لمدة 4 أعوام وغرامة بقيمة 80 ألف ريال سعوديّ.
وصحيح أنّ المملكة اليوم رضخت في قضية الهذلول لإرضاء واشنطن، لكنها منذ سنوات لم تأبه لردود الأفعال المحليّة والدوليّة من اتخاذ مثل هكذا قرارات تعسفية، رغم أنّها تواجه مشاكل دوليّة كبيرة ومعقدة بينها جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، داخل قنصليّة بلاده في اسطنبول، وملف سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية، ناهيك عن حرب اليمن التي أماطت اللثام عن وجوه حكام السعودية.
إذن، من غير المعقول أن تتناسى المنظمات الدوليّة والحقوقيّة بقية السجناء القابعين داخل السجون في غياهب النسيان، وإنّ رضوخ محمد بن سلمان في هذه القضية جاء للتعتيم على انعدام الحقوق المدنيّة والسياسيّة منذ توليه ولاية العهد عام 2017، حيث عمدت سلطاته إلى تنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، إضافة إلى المنافسين من العائلة الحاكمة.