الوقت - توترت العلاقات بين الحزب الديمقراطي في كردستان العراق بقيادة مسعود بارزاني وحزب العمال الكردستاني، خلال الشهرين الماضيين.
وفي الأسابيع الأخيرة، كانت هناك عدة تقارير عن اشتباكات بين قوات البيشمركة في كردستان العراق وقوات حرب العصابات التابعة لحزب العمال الكردستاني.
في البداية، زعمت مصادر إقليم كردستان أن قوات حزب العمال الكردستاني قد استهدفت اثنين من موظفي وزارة الكهرباء في محيط محافظة "دهوك" ما أدی إلی قتلهما، ولكن في أهم واقعة يوم الـ 13 من كانون الأول 2020، اندلعت اشتباكات علنية بين قوات البيشمركة الموالية للحزب الديمقراطي في كردستان العراق وقوات موالية لحزب العمال الكردستاني في منطقة "آميدي" بمحافظة دهوك، قتل فيها عنصر من البيشمركة وجرح ثلاثة من عناصر حزب العمال الكردستاني.
إلا أن الاشتباكات بين الحزبين لم تنته في منطقة "آميدي"، بل في الـ 16 من كانون الأول 2020 اندلعت موجة جديدة من الاشتباكات، هذه المرة من قبل القوات العسكرية الكردية السورية (قوات سوريا الديمقراطية) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، أو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.
وفي هذا الصدد، أعلن "سربست لزكين" وكيل وزارة البيشمركة في إقليم كردستان في مؤتمر صحفي، أن قوةً قوامها 60 عنصراً مواليةً لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، قد هاجمت قوات البيشمركة في منطقة "سحيلا" بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، وذلك بعد أن منعت قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان دخول 8 من عناصر حزب العمال الكردستاني بشكل غير شرعي، إلى أراضي الإقليم على الحدود بين الإقليم والمناطق الكردية في سوريا.
ومع ذلك، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما سبب جولة التوتر الجديدة بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، وما هي الأدوات التي يمتلكها كل من هؤلاء اللاعبين للتعامل مع الآخر؟
عند معالجة هذا السؤال، يمكن مناقشة ثلاثة محاور أساسية، من الضروري أولاً عرض سبب الجولة الجديدة من الصراع بين الطرفين، ثم الانتقال إلى أهداف حزب العمال الكردستاني، وأخيراً تقديم أدوات حكومة إقليم كردستان العراق في التعامل مع حزب العمال الكردستاني.
اتفاق سنجار.. شرارة في مستودع البارود
يمكن إرجاع أزمة العلاقات والتوترات بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي إلى تطورات التسعينيات.
بدأ حزب العمال الكردستاني، الذي تأسس عام 1978 بقيادة عبد الله أوجلان، كفاحه المسلح ضد تركيا عام 1983.
ثم نقل الحزب تركيزه الرئيس إلى شمال العراق في أواخر الثمانينيات، وفي أوائل التسعينيات عندما تشكلت حكومة كردستان العراقية المستقلة في عام 1991، أصبح وجود حزب العمال الكردستاني في جبال "قنديل" مشكلةً لإقليم كردستان في شمال العراق.
في هذه الفترة نفسها، أدى تعاون الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني مع الحكومة التركية وهجمات الجيش التركي، إلى تحويل هذا الحزب إلى العدو الأول لحزب العمال الكردستاني، ونشأ عداء مؤسَّسي بين الجانبين.
وعلى الرغم من تراجع العداء بين الجانبين في أواخر التسعينيات، وحتى في السنوات التي تلت عام 2003 حيث تطوَّر مستوى من التعاون السري والدقيق بين الجانبين، إلا أن الحقد والكراهية بين الجانبين لم ينتهيا أبداً.
ومع ذلك، بعد صعود داعش في العراق، فإن حزب العمال الكردستاني الذي أدرك فراغ السلطة، توافد على سنجار وأنشأ وحدات مقاومة سنجار، لكن البارزانيين أرادوا دائماً أن يغادر حزب العمال الكردستاني المنطقة، وهو الأمر الذي عارضه الحزب بشكل مطلق.
أخيراً، ونتيجةً للاتفاق بين أربيل وبغداد بشأن إدارة مدينة سنجار في الـ 10 من تشرين الأول 2020، تم تمهيد الطريق رسمياً لطرد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وقد أدى ذلك إلى اعتبار حزب العمال الكردستاني نفسه ضحيةً للعبة السياسية للحزب الديمقراطي الكردستاني مع الحكومة المركزية العراقية، وبدء جولة جديدة من التوتر والصراع مع هذا الحزب.
حزب العمال الكردستاني والمحاولة لجعل الحكم مكلفاً للبارزانيين
في ظل الوضع الحالي، ونظراً للتطورات المقبلة، يمكن عرض الهدف الأهم لحزب العمال الكردستاني في الدخول في صراع مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في ثلاثة مجالات رئيسة:
- يمكن اعتبار الهدف الأول لحزب العمال الكردستاني هو الانتقام من البارزانيين لتدخلهم المتعمد في طرد القوات التابعة للحزب في مدينة سنجار، من خلال الاتفاق بين الأكراد والحكومة المركزية.
-الهدف الثاني لقادة حزب العمال الكردستاني، يمكن اعتباره زيادة الضغط على الحزب الديمقراطي. ففي الوقت الذي يُتهم فيه البارزانيون دائمًا بالخيانة والاستغلال من قبل مواطني إقليم کردستان، نظراً لعلاقاتهم الحميمة مع تركيا باعتبارها العدو الأكبر للأكراد في العراق وسوريا وبيع النفط والامتيازات الاقتصادية لمصلحة الفوائد الحزبية والعائلية، فإن الاشتباكات الأخيرة قد وضعت البارزانيين في دائرة الاتهام بحرب "قتل الأشقاء"، وهي تقوِّض من ناحية أخرى شرعيتهم بين المواطنين الأكراد.
- أما الهدف الثالث للحزب فهو استغلال أجواء أزمة الشرعية التي واجهها البارزانيون في السنوات الأخيرة بسبب الفساد والمشاكل الاقتصادية، وتتسبب في احتجاجات من قبل المواطنين الأكراد في المنطقة. وفي هذا الصدد، وعلى الرغم من أن قوات حزب العمال الكردستاني تدعم الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والأزمة الاقتصادية، إلا أن أربيل تتهم قوات حزب العمال الكردستاني بلعب دور فعال في الاحتجاجات ومهاجمة المراكز الحزبية والحكومية.
أدوات أربيل للتعامل مع حزب العمال الكردستاني
مع تصاعد التوترات بين البارزانيين وحزب العمال الكردستاني، أصبح من الممكن الآن التساؤل عن الأدوات الممكنة التي سيستخدمها الحزب الديمقراطي الكردستاني ضد حزب العمال الكردستاني، بصفته المسؤول الحكومي الرئيس في أربيل. وفي هذا الصدد، يمكن النظر في خمسة خيارات ممكنة.
- للوهلة الأولى، يبدو أن حكومة إقليم كردستان ومن خلال إرجاع إجراءات واعتداءات حزب العمال الكردستاني إلی الجهات الغربية الفاعلة فيما يسمى بالتحالف المناهض لداعش، وهو الداعم الرئيس للأكراد السوريين، تطالب بتدخل أمريكي أو فاعلين آخرين مثل فرنسا وألمانيا في تحذير "مظلوم كوباني" قائد قوات سوريا الديمقراطية.
- الخيار الآخر المحتمل لدى البارزانيين هو الدخول في مواجهة عسكرية ذكية مع قوات حزب العمال الكردستاني في جبال "قنديل"، وخاصةً في منطقة أميدي بمحافظة دهوك.
- في المرحلة الجديدة أيضاً، هناك احتمال أنه إذا استمرت هجمات حزب العمال الكردستاني، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني وبدعم ومشاركة تركيا، سيشن موجةً جديدةً من الهجمات المشتركة على القواعد العسكرية لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
- والسيناريو الآخر المحتمل يتعلق بإغلاق بوابة "سحيلا" الحدودية على الأكراد السوريين كورقة ضغط، باعتبارها السبيل الوحيد لحكومة إقليم كردستان لتلبية احتياجاتهم.
- قد يكون الخيار الآخر لتقدم البارزانيين، هو بدء محادثات مباشرة مع قيادة الحزب في قنديل بقيادة "جميل بايك"، بشأن وقف إطلاق النار وإدارة التوتر في المستقبل.