الوقت-بعد قيام السلطات السعودية باعتقال المواطن، حزام الأحمري، الموظف في ميناء جدة البحري، قبل أشهر، على خلفية بثه مقطع فيديو أبدى فيه رفضه وجود ملهى ليليّ قرب منزله في جدة، أشارت مواقع إخباريّة نقلاً عن حساب "معتقلي الرأي" على موقع تويتر، إلى أنّ السلطات السعودية أصدرت حكماً بالسجن لمدة 4 أعوام وغرامة بقيمة 80 ألف ريال سعوديّ، على المواطن السعودي المذكور، ما أثار ضجة واسعة في البلاد.
حُكم سعوديّ
أثار الحُكم السعوديّ الأوليّ بالسجن 4 أعوام على الأحمري، سخطاً كبيراً في الشارع السعوديّ بعد أشهر على الجملة التي قالها وترسخت في أذهان السعوديين، وهي "كيف أربي بناتي قرب مرقص؟"، بعد أن تحولت بلاد الحرمين في ليلة وضحاها إلى مركز لأهم الملاهي وبجوار مدينة مكة المكرمة.
وفي هذا الخصوص، يخشى المحامون السعوديون من استلام القضيّة والدفاع عن "المتهم البريء" خشية سحب تراخيص المهنة الممنوحة لهم من قبل سلطات البلاد، بسبب إدراكهم الكامل أنّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والمقربين منه في الحكم يتبعون سياسة نشر "الملاهي الليلية" باعتبارها أدوات ترفيه برأيهم، وضمن سياسية "الانفتاح" التي يحاول بن سلمان إظهارها للعالم.
ولم تأبه مملكة آل سعود من ردود الأفعال المحليّة والدوليّة من اتخاذ مثل هكذا قرار، رغم أنّها تواجه مشاكل دوليّة كبيرة ومعقدة بينها جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، داخل قنصليّة بلاده في اسطنبول، وقضية سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية، ناهيك عن حرب اليمن التي أماطت اللثام عن وجوه حكام السعودية.
تأليب الرأي العام
حُرِم الشاب السعوديّ حزام الأحمري، من الاتصالات ومن توكيل محام عن القضية منذ اعتقاله، وكما هو معتاد في مملكة ابن سلمان فقد تم توجيه تهمة "تأليب الرأي العام" إليه، بالاستناد إلى المادة رقم 6 مما تطلق عليه السلطات "نظام مكافحة الجرائم المعلوماتيّة".
وتشهد بلاد الحرمين الشريفين مؤخراً نشاطًا فنياً مكثفاً عبر استقدام مطربين ومطربات من خارج البلاد، بعد أن أنشأ ولي العهد السعودي ما تسمى "هيئة الترفيه"، وقلص من صلاحيات ما تعرف بـ "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، العام الفائت، ورفع القيود عن إقامة الحفلات والمهرجانات.
وفي هذا الصدد، تُتهم السعودية بمحاولة شراء المواقف الدوليّة بعد أن أصبحت في السنوات الثلاث الماضية، قبلة فنية وثقافية وترفيهية عالميّة، يتوافد عليها نجوم الفن والغناء من مختلف دول العالم، في إطار خطط البلاد للانفتاح على ثقافات العالم بعد عقود من الانغلاق استنادا لتفسيرات دينيّة ما لبثت المملكة أن تخلت عنها، للتغطية على جرائم الحكومة بحق مواطنيها، ولكي تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة في ليلة وضحاها، و خلق "صورة مختلفة" للمملكة على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح المشينة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الرياض لتلميع سجلها "الدمويّ" في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة، يبدو أنّ المملكة تحتاج إلى وقت طويل إضافة إلى إثباتات عمليّة على أرض الواقع، لتقنع العالم بجديّتها في "التحول المستبعد" وخاصة بعد الحكم المثير للسخرية على المواطن السعوديّ.
ومن الجدير بالذكر أنّه هناك صراعات جوهريّة داخل السعوديّة بين السُلطتين الدينيّة والسياسيّة حول هذه القضايا، ففي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة السعوديّة ببناء المراقص وإقامة الحفلات، أقدمت على هدم مسجد الإمام الحسين (ع)، في بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف شرقيّ البلاد، فيما تتخذ الطبقة الحاكمة أبشع القرارات التي تخالف معتقدات وتقاليد المجتمع السعودي المحافظ، إرضاء لحكام الغرب وطمعاً بفترة إضافيّة في الحكم.
في الختام، لم تهتم السعودية للانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة كـ "هيومن رايتس ووتش"، ولا حتى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، ولم يصغ المجتمع الدوليّ لدعوات لجنة "الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربيّة"، التي تطالب بإيقاف الدعم السياسيّ لنظام آل سعود، ما يطرح تساؤلات كثيرة حول آلية التعامل الدوليّة مع الرياض وغياب محاسبة قياداتها، بحيث يعتقد البعض أنّ المجتمع الدولي إما منخرط مع الرياض مع إجرامها الداخليّ والخارجيّ، أو أنّه يقبض ثمن صمته كما كان يفعل ترامب.