الوقت-خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الأسبوع الماضي الى لبنان، لم يقدّم وزير الخارجية أيّ مبادرة عملية لإخراج لبنان من الأزمة. وملخص لقاء لودريان مع المسؤولين اللبنانيين خلال الزيارة، أنه عبّر عن قلقه من أن الأزمة اللبنانية قد تخرج عن نطاق السيطرة، في حين أن السلطات السياسية في لبنان لا تحرك ساكنًا وهم في حيرة من أمرهم. وكانت هذه أول زيارة يقوم بها لودريان إلى لبنان منذ أن تولى حسن دياب منصب رئاسة الوزراء، والتقى خلالها لودريان بمختلف السياسيين اللبنانيين في بيروت خلال ثلاثة أيام، من الأربعاء إلى الجمعة.
واجتمع وزير الخارجية الفرنسي مع الرئيس اللبناني ميشال عون يوم الخميس وناقش مضمون الأحداث اللبنانية عن كثب، ونقل رسالة فرنسا بأنّها متفائلة بالوعود التي قطعتها لبنان لتنفيذ إصلاحات حكوميّة في مؤتمر "سيدر" (الذي عقد في باريس في 18 أبريل 2018 بمشاركة 50 دولة بهدف تقديم الدعم الاقتصادي للبنان) وكذلك التعاون مع صندوق النقد الدولي.
في الواقع، كانت زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، هي لطلب تفسير مباشر لواقع هذا البلد، وقبل وصول لودريان إلى بيروت، لم يكن هناك ما يشير إلى أن هذه الزيارة ستكون لها نتيجة مباشرة. وقبل وصول وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، كان هناك معلومات مغلوطة واسعة النطاق بين اللبنانيين بأن باريس تتجه أنظار واهتمامها نحو بيروت ولديها العديد من المبادرات والخطط لإنقاذ لبنان. حتى التحركات المالية اللبنانية تأثرت بهذه الشائعات، واعتقدت البنوك أنه ستكون هناك فرصة لترتيب وضعها.
ومن المؤكد أن نوع التقارب الفرنسي للبنان والأزمة التي واجهتها البلاد كان واضحًا بشكل جلي قبل وبعد زيارة لودريان للبنان من خلال تصريحات الأخير، وهو إن خطوات فرنسا لإخراج لبنان من الأزمة تعتمد على التحركات اللبنانية نفسها. كما أعرب وزير الخارجية الفرنسي عن قلقه بشأن أداء المسؤولين اللبنانيين. وعلى أي حال، أدركت الشخصيات السياسية التي التقت بلودريان أن سياسة فرنسا الجديدة تجاه لبنان، التي بدأت قبل أسابيع قليلة من خلال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وانتهت بزيارة وزير الخارجية إلى بيروت، كانت دليلًا على وجود رأي فرنسي متشائم، وتلاشي الآمال التي عقدها اللبنانيون تجاه باريس.
في الواقع، لم يحمل وزير الخارجية الفرنسي في جعبته أي خطة إنقاذ للبنان، بل جاء إلى البلاد لتحذير مسؤوليها من خطورة استمرار الفساد والأزمة الاقتصادية والمالية، ومغبة اتخاذ إجراءات عمياء للسيطرة على هذه الأزمة. وفي المقابل، بعد الصدمة التي شابت المسؤولين اللبنانيين على إثر تصريحات وزير الخارجية الفرنسي، وتصوراتهم بأن الدول الصديقة للبنان سيكون بوسعها إخراج البلاد من نفق الأزمة، فالسؤال هو كيف أدرك اللبنانيون وجود خطر حقيقي بعد تصريحات وزير الخارجية.
وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة الأخبار، بحسب معلومات تم الحصول عليها من مصادر فرنسية مطلعة، أنه يبدو من غير الواضح أين يكمن مصدر صنع القرار في لبنان ولا يوجد موقف حقيقي ونهج حقيقي لواقع الأزمة في البلاد. كما أن المسؤولين اللبنانيين ليس لديهم رؤية موحدة لما يرومون تحقيقه وما لا يرغبون به، أي إنّ نهجهم وأولوياتهم فيما يتعلق بمشكلات البلاد ليست على حد سواء.
وتظهر المعلومات أن الانطباع الحقيقي يشير الى أن لبنان تضررت كثيرا ومسؤوليها في حيرة من أمرهم، ولا يشخصون مواطن الخلل بينما تقبع الأزمة في موطن آخر. وختم وزير الخارجية الفرنسي بعد محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين على النحو التالي: باريس قلقة من خروج الأزمة في لبنان عن السيطرة، لدرجة أنه قد لا يكون بإمكان اللبنانيين ولا الدول الصديقة مساعدة البلاد بعد الآن.
إن من أبرز النقاط المهمة التي رافقت زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان أنه تعامل مع أزمات لبنان فقط من خلال الدبلوماسية والحياد، وكانت تصريحاته تدور حول محور أن لبنان لا يمكنها اتباع سياسة الابتعاد عن الآخرين والاعتماد على نفسها فقط. ومع ذلك، وبالنظر إلى الأزمات التي أصابت لبنان، وحتى في القضايا والنزاعات الصغيرة التي لا يمكن إيجاد حل مناسب لها في الوقت الراهن؛ هل اتباع نهج محايد للظروف الحالية في لبنان في هذا المنعطف الحرج نهج جيد من قبل الدول التي ادعت مساعدتها؟
النقطة الأخرى التي أشار اليها لودريان مع المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته للبنان كانت تتعلق بموقف باريس من تغيير مهمة اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام في لبنان) القريبة من الموقف لبناني. لكنه قال أيضا إن الولايات المتحدة وبريطانيا لديهما مواقف مختلفة بشأن هذه القضية، حيث لم يعبّروا بعد عن رأيها النهائي.
وفي مقال على هامش زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت، كتب الموقع النشرة الإخباري: إن المسؤولين اللبنانيين، اعتمدوا بالفعل على الخطة الفرنسية الشاملة لمساعدة لبنان تحت عنوان "لبنان ليست قضية خاسرة، وترك هذا البلد يعني ترك المجال مفتوحًا للآخرين" حيث كان لديهم آمال كبيرة في مساعدة البلاد في حل أزماتهم ومشكلاتهم.
لكن موقف وزير الخارجية كان قد أحبط آمال اللبنانيين، ما يدل على أن وعود فرنسا كان مجرد كلام ولم يتم الالتزام بها على أرض الواقع. في الواقع، مهمة لودريان من زيارته الى بيروت، تحت شعار "ساعدونا لنساعدكم" (من أجل إجراء الإصلاحات) تغيرت من "إنقاذ البلاد" الى "إلقاء اللوم". وبالطبع، غَضِب بعض البرلمانيين اللبنانيين من موقف فرنسا واهانتها للبنانيين بهذه الطريقة.
إن مصطلح القاء اللوم، الذي أدلى به وزير الخارجية الفرنسي حول لبنان لا يبدو أنه مصطلح مبالغ فيه، باستثناء الشروط العديدة التي أثارها. وفي الواقع، كانت الحكومة اللبنانية ومسؤولوها متفائلين بشأن موقف فرنسا، ومعتقدين أن سياسات فرنسا تجاه لبنان ستكسر الحصار المفروض على البلاد من قبل العقوبات العربية والدولية منذ سنوات، والتي لا يبدو أن لها نهاية. لكن تصريحات لودريان خلال الزيارة لم تكن مختلفة عما قيل قبل أسبوعين في مجلس النواب الفرنسي حول الوضع في لبنان، حيث كان التركيز حول ضرورة أن يتحمل اللبنانيون المسؤولية في المقام الأول قبل توقع تلقي مساعدة مجانية من الدول الصديقة وعليهم التعامل مع مشاكل بلادهم.
في الواقع، يمكن القول إن اللبنانيين لم يحصلوا على أي جديد من زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت. سوى أنه أشار الى أن الخطة الشاملة لمساعدة فرنسا للبنان والآمال التي كان اللبنانيون يعتمدون عليها قد تبخرت. ومن المؤكد، بالنظر إلى التصريحات والمواقف التي أدلى بها المسؤولون الفرنسيون في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك لودريان، كان هذا السيناريو متوقعًا، ولكن لسبب ما، بما في ذلك الموقف الفرنسي من أن ترك لبنان يعني ترك المجال مفتوحًا للآخرين، كان يأمل المسؤولون اللبنانيون أن تكون زيارة لودريان إلى لبنان حلاً واعدًا لمجموعة واسعة من الأزمات.
وبالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، فإن تنفيذ رئيس الوزراء حسن دياب لسياسة "التوجه نحو الشرق" واللقاءات العديدة التي جمعت المسؤولين اللبنانيين مع السفير الصيني في لبنان وانغ تشيان جيان، تعزز الفرضية القائلة بأن هناك نوع من المنافسة الدولية لكسر الحصار عن لبنان لمنع الأطراف الأخرى من السيطرة على البلاد. ويمكن رؤية هذا النهج أيضًا في الزيارات المتتالية لسفيرة واشنطن دوروثي شيا لقصر رئيس الوزراء اللبناني في بيروت. إذ تركز شيا في كل هذه اللقاءات فقط على عبارة "منع انهيار لبنان" ولا تذكر خلاصاً جدياً للبلاد في الوقت الراهن.
وهناك العديد من التفسيرات لعبارة "ساعدونا لنساعدكم" التي قالها الجانب الفرنسي. وفي غضون ذلك، يرى البعض أن هذه السياسة جزء من تحرك دولي أوسع نطاقا بقيادة أمريكا للضغط على الجانب اللبناني وعلى رأسهم حزب الله. كل هذه التفسيرات تدل على أن أمل تقديم المساعدة من قبل الدول الأخرى، بما في ذلك الدول الغربية للبنان، هي أضغاث أحلام بالكامل، وحتى لو قدموا المساعدات للبنان حقًا، فلن يكون مجانيًا دون مقابل، ويجب دفع سعره وفقًا لرغبات وشروط الجهات المانحة. لذلك، إذا أراد الشعب اللبناني الخروج من الأزمة وحل مشاكله، فعليه أن يأخذها على محمل الجد في المقام الأول وأن يتخذ خطوة حازمة في هذا الاتجاه.