الوقت- لاشك بأن موافقة البرلمان التركي على ارسال قوات تركية وأسلحة ثقيلة وخفيفة إلى ليبيا بناءا على رغبة الرءيس التركي رجب طيب اردوغان، سيكون لها أثر ووقع كبير جدا على الحرب الدائرة هناك، ولا شك أيضا بأن اردوغان نفسه يحاول الحصول ولو على صديق واحد على امتداد البحر الابيض المتوسط بعد أن أصبح الجميع تقريبا لا يرغب بتوطيد العلاقة مع تركيا ابتداءا من سوريا وقبرص واليونان ومصر وليس انتهاءا بدول المغرب العربي، وبالتالي اردوغان يملك فرصة وحيدة هناك يحاول جاهدا التشبث بها تحت اي ظرف كان، وسيكون لهذا الامر ترددات قد تخلط الاوراق في المنطقة من جديد في حال تحولت الحرب هناك من الوكالة إلى الأصالة.
تركيا اليوم تعمل بشكل جدي على ارسال قوات ومعدات عسكرية إلى ليبيا ولكنها تنتظر اللحظة المناسبة للقيام بهذا الامر، لأن عليها في البداية أن تمتص غضب الاتراك الرافضين لهذا الأمر؛ اذ يرى هؤلاء أن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، بسبب البُعد الجغرافيّ أوّلًا، ووجود قِوى أُخرى قويّة وأكثر مالًا وعتادًا وجُنودًا مرتزقة يُقاتلون في صُفوف حِلفهم، الأمر الذي قد يُؤدّي إلى سُقوط أعداد كبيرة من القتلى في صُفوف القوّات التركيّة خاصّةً إذا علمنا أن وزير الخارجيّة المِصري السيّد سامح شكري اتّصل الخميس بنُظرائه في السعوديُة والإمارات وقبرص واليونان لإرسال قوّات رسميّة فور وصول القوّات التركيّة إلى طرابلس.
في الحقيقة إن تقدم على مخاطرة قد تؤدي إلى تعميق تورطها في الصراع في ليبيا، خاصة بعد قرار إرسال قوات لدعم حكومة الوفاق في طرابلس، الأمر الذي سيمثل مرحلة جديدة من تدويل القتال هناك، وأمدت أنقرة بالفعل حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا في العاصمة الليبية طرابلس، بمركبات مدرعة كما تشغل طائرات بدون طيار لصالح الحكومة الليبية.
تركيا في الوقت الراهن غير منخرطة في القتال بشكل مباشر ولكنها لن تبقى كذلك في حال شعرت أن حلفائها بدأوا يضعفون أمام ضربات قوات حفتر تجاه العاصمة طرابلس، ومن هنا سيبدأ مسلسل تدخلها المباشر في ليبيا والذي لن يبقى دون رد من حلفاء حفتر في كل من الامارات ومصر وحتى روسيا، اذ نشرت الإمارات طائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز وينغ لونغ 2، والتي قال تقرير أممي إنها مسؤولة عن مقتل عدد كبير من المدنيين الذين راحوا ضحايا لهجمات شنها حفتر.
كما يحظى الجنرال الليبي المتقاعد بدعم مصر علاوة على مساعدات عسكرية مباشرة على الأرض من مقاولين عسكريين روسيين "شبه رسميين"، ومرتزقة من السودان وتشاد، كما تفيد تقارير بأن القناصة الروس لهم أثر كبير على مسار الأحداث على جبهة القتال في ليبيا. وترجح الولايات المتحدة أن قوات حفتر ربما تتلقى دعما من الدفاعات الجوية الروسية.
وتصر واشنطن على أن طائرة دون طيار أمريكية أُسقطت بصواريخ روسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وتشغل الولايات المتحدة هذه الطائرات في المجال الجوي الليبي لتوجيه ضربات إلى بقايا تنظيم الدولة هناك، وهو ما يلقي الضوء على القدر الكبير من التعقيد والفوضى الذي ينطوي عليه الموقف على الأرض في ليبيا في الوقت الذي تنفي فيه روسيا أن يكون لها دور فاعل في القتال هناك.
روسيا لن تدع ليبيا تفلت من قبضتها هذه المرة، وبهذا الشكل قد تتحول ليبيا إلى سوريا أخرى وعندها من المرجح جدا ان يخسر اردوغان قسم كبير من اوراقه في ليبيا ان لم نقل جميعها، وقد تتأزم العلاقات التركية_الروسية من جديد،لاسيما وان لتركيا مصالح اقتصادية واستثمارية كبيرة في ليبيا، تُقارب مِن 40 مليار دولار يجِب حمايتها، ولكن تركيا ستكون عاجزة عن هذه الحماية اذا توقفت قطر عن دعمها ماديا وتمويل تركيا للقيام بالتدخل في ليبيا.
موضوع قطر مرتبط بشكل مباشر بالقرار الامريكي وتأثيره، ولاشك بان الولايات المتحدة الامريكية ستدرس خياراتها في المستقبل وترى لصالح من ستكون، ومن هنا سيبدأ العد التنازلي لمعرفة إلى اين ستميل الكفة.
حدة الصراع في ليبيا زادت في إبريل/ نيسان الماضي بعد بدء خليفة حفتر، الخصم الرئيسي لحكومة الوفاق، شن هجمات على العاصمة طرابلس فيما بدا أنه حرب بالوكالة وسط وجود عدد من الأطراف الخارجية التي تنتقي من بين أطراف الصراع في ليبيا من تدعمه لتحقيق طموحاتها الإقليمية.
وبذلك يمكن وصف ما يحدث في ليبيا بأنه صورة مصغرة من الكارثة الكبرى التي تشهدها سوريا، لكن من الواضح تماما أن هناك المزيد من فصول مسرحية أزمة ليبيا والدور الأكبر لتركيا فيها ستتكشف خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وتمتلك الحكومة الموجودة في طرابلس ما لا يمتلكه خصومها لأنها معترف بها من قبل الأمم المتحدة. كما أن هناك حظرا لمبيعات السلاح مفروض على الطرفين (والذي يتم التغاضي عنه إلى حدٍ ما مع حكومة الوفاق) بهدف نزع فتيل الأزمة.
لكن الواقع يختلف إلى حدٍ ما مع ما أشرنا إليه من بساطة الموقف في ليبيا، إذ تحظى حكومة الوفاق بدعم قوى الغرب بينما يحصل حفتر على تمويل ضخم من الإمارات علاوة على مركبات مدرعة من الأردن والإمارات أيضا.
على كلٍ، تعتبر مأساة ليبيا قصة مألوفة بدأت منذ انضمام الولايات المتحدة إلى تحالف غربي لتنفيذ ضربة جوية قادتها بريطانيا وفرنسا لإسقاط الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في 2011.
لكن من الواضح أنّ نشاط الرئيس أردوغان له بعد استراتيجي أوسع. وتعتبر تركيا ليبيا جزءاً من المناطق النائية الأوسع في شرق البحر المتوسط وبوابة اقتصادية مهمّة لأفريقيا. ولديها عدد قليل من الأصدقاء في المنطقة. وأثار دعم تركيا للإخوان المسلمين معارضة شديدة من الحكومة العسكرية المصرية.
وتهدّد المناورة التركية على ليبيا بإحداث أزمة أوسع في منطقة شرق المتوسط والتي بدورها يمكن أن تعقّد علاقات تركيا مع كل من موسكو وواشنطن وحلفاء الناتو الرئيسيين من ناحية أخرى. وستفاقم التوترات الإقليمية الحالية.
وتأمل تركيا في أن يضمن دورها العسكري في ليبيا على الأقل الجمود في القتال، ممّا يضمن أن يكون لأنقرة رأي في أي نتيجة نهائية.